الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              فيمن تلزمه الصلاة أداء وقضاء وتوابعهما ( إنما تجب الصلاة ) السابقة وهي الخمس ( على كل مسلم ) ولو فيما مضى فدخل المرتد ( بالغ عاقل ) ذكر ، أو أنثى ، أو خنثى ( طاهر ) لا كافر أصلي بالنسبة [ ص: 446 ] للمطالبة بها في الدنيا ؛ لأن الذمي لا يطالب بشيء وغيره يطالب بالإسلام أو بذل الجزية ، بل للعقاب عليها كسائر الفروع أي المجمع عليها كما هو ظاهر في الآخرة لتمكنه منها بالإسلام ولنص { لم نك من المصلين } { الذين لا يؤتون الزكاة } ولا صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد لعدم تكليفهم ووجوبها على متعد بنحو جنونه عند من عبر به وجوب انعقاد سبب لوجوب القضاء عليه ولا حائض ونفساء وإن استعجلتا ذلك بدواء ؛ لأنهما مكلفتان بتركها

                                                                                                                              قيل إن حمل عدم الوجوب على أضداد من ذكره على عدم الإثم بالترك وعدم الطلب في الدنيا ورد الكافر ، أو على الأول ورد أيضا ، أو على الثاني ورد غيره ممن ذكر انتهى وليس بسديد ؛ لأن الوجوب حيث أطلق إنما ينصرف لمدلوله الشرعي وهو هنا كذلك ثبوتا وانتفاء غاية ما فيه أن في الكافر تفصيلا ، والقاعدة أن المفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد [ ص: 447 ] فبطل إيراده على أن قوله ورد غيره سهو وصوابه ورد الصبي

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              ( قوله : السابقة ) أي : فأل للعهد [ ص: 446 ] قوله : لا يطالب بشيء ) ينبغي أن المراد لا يطالب منا وإلا فهو مطالب شرعا إذ لو لم يطالب كذلك فلا معنى للعقاب عليها تأمل ( قوله : بنحو جنونه ) أي : كسكره وإغمائه ( قوله : قيل إلخ ) لعل الأوجه في جواب هذا القيل أن المصنف أراد بالوجوب معناه الشرعي الذي هو الطلب الجازم مع أثره الذي هو توجه المطالبة في الدنيا وحينئذ يتضح انتفاؤه عن الأضداد بانتفاء جزأيه ، أو أحدهما ( قوله : ورد الكافر ) أي : ؛ لأنه أثم بالترك وقوله ورد أي الكافر لذلك ( قوله : ورد غيره ) أي ؛ لأنها مطلوبة منه ولو بواسطة وليه كالصبي ( قوله : تفصيلا ) يتأمل ما المراد بذلك التفصيل فإنه إن أراد به التفصيل بين المرتد وغيره ففيه أمران أحدهما أنه أدخل المرتد في المسلم حيث قال ولو فيما مضى إلخ فلا يدخل حينئذ في أضداد من ذكر ، والثاني أن الوجوب بمدلوله الشرعي وهو الطلب طلبا جازما ثابت في حق المرتد وغيره من الكفار ضرورة أن الجميع مكلفون بفروع الشريعة

                                                                                                                              وأما المطالبة منا لهم بذلك ، أو عدمها فأمر آخر خارج عن معنى الوجوب وإن أراد التفصيل بين العقاب ، والمطالبة في الدنيا بمعنى أن الأول ثابت في حق الكافر دون الثاني ففيه أن كلا منهما خارج عن مدلول الوجوب شرعا الثابت في حق الكافر لما تقرر وإن أريد [ ص: 447 ] التفصيل في الإثم لم يصح ؛ لأنه إثم مطلقا دائما ( قوله : فبطل إيراده ) بينا أنه لا تفصيل فيه فلم يبطل الإيراد ( قوله : وصوابه ورد الصبي ) أي : ؛ لأنها لا تطلب من غير الصبي ممن ذكر وقد يجاب عنه بأن قوله غيره لا عموم فيه ومن للتبعيض



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل فيمن تلزمه الصلاة )

                                                                                                                              ( قوله : وتوابعهما ) بالنصب عطفا على قوله أداء إلخ قول المتن ( إنما تجب الصلاة إلخ ) ( فرع )

                                                                                                                              لنا شخص مسلم بالغ عاقل قادر لا يؤمر بالصلاة إذا تركها وصورته أن يشتبه صغيران مسلم وكافر ، ثم يبلغا ويستمر الاشتباه فإن المسلم منهما بالغ عاقل قادر لا يؤمر بها ؛ لأنه لم يعلم عينه م ر ا هـ سم على المنهج أقول فلو أسلما ، أو أسلم أحدهما فالظاهر أنه لا يجب عليه قضاء ما فاته من البلوغ إلى الإسلام أخذا مما قالوه فيما لو شك بعد خروج وقت الصلاة هل عليه أم لا من عدم وجوب القضاء ، بل هذا فرد من ذاك وينبغي أن يسن له القضاء ولو ماتا في الصورة الثانية معا ، أو مرتبا صلى عليهما بتعليق النية ويفرق بينهما وبين صغار المماليك حيث قلنا بعدم صحة الصلاة عليهم لاحتمال أن يكون السابي لهم كافرا بتحقق إسلام أحدهما هنا فأشبها ما لو اختلط مسلم ميت بكافر ميت ع ش بحذف

                                                                                                                              ( قوله : السابقة إلخ ) أي : فأل للعهد سم على حج ا هـ ع ش وقال السيد البصري قد يقال بقاء الصلاة على إطلاقها أقل تكلفا وأفيد لشموله صلاة الجنازة ا هـ قول المتن ( على كل مسلم إلخ ) ولو خلق أعمى أصم أخرس فهو غير مكلف كمن لم تبلغه الدعوة نهاية قال ع ش مفهوم الأخرس ليس بمراد ؛ لأن النطق بمجرده لا يكون طريقا لمعرفة الأحكام الشرعية بخلاف البصر ، والسمع فلعل التقييد بالأخرس ؛ لأنه لازم للصمم الخلقي وخرج بقوله خلق إلخ ما لو طرأ عليه ذلك بعد التمييز فإن كان عرف الأحكام قبل طرو ذلك عليه وجب عليه العمل بمقتضى عمله بحسب الإمكان فيحرك لسانه ولهاته بالقراءة بحسب الإمكان ا هـ عبارة شيخنا ويزاد عليه شيئان الأول سلامة الحواس فلا تجب على من خلق أعمى أصم ولو ناطقا ، وكذا من طرأ له ذلك قبل التمييز بخلافه بعد التمييز ؛ لأنه يعرف الواجبات حينئذ فلو ردت حواسه لم يجب عليه القضاء ، والثاني بلوغ الدعوة فلا تجب على من لم تبلغه كأن نشأ في شاهق جبل فلو بلغته بعد مدة لم يجب عليه القضاء كما قاله العلامة الرملي ؛ لأنه كان غير مكلف بها وقال ابن قاسم بلزوم القضاء له ؛ لأنه مقصر في ترك ما حقه أن يعلم في الجملة فتحصل أن شرائط الوجوب ستة ا هـ بأدنى تصرف ، وكذا مال السيد البصري و ع ش إلى ما قاله الرملي من عدم وجوب القضاء ، وكذا الأجهوري عبارته قال سم يجب على الثاني دون الأول ا هـ

                                                                                                                              قال بعض مشايخنا ، والفرق وجود الأهلية فيمن لم تبلغه الدعوة دون الآخر ا هـ قلت هذا الفرق فيه شيء إذ من لم تبلغه الدعوة كافر ، أو في حكمه ولأخرس مسلم فكيف يلزم غير المسلم دون المسلم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ولو فيما مضى ) إلى قوله أي المجمع في النهاية ، والمغني إلا قوله ؛ لأن إلى ، بل ( قوله : فدخل المرتد ) هذا مجاز يحتاج في تناول اللفظ له إلى قرينة سم على المنهج قلت قرينته قول المصنف إلا المرتد ع ش وبصري لكن يلزم عليه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وجوزه بعضهم بجيرمي ( قوله : لا كافر أصلي إلخ ) لا يقال لا حاجة إلى ذكر هذه المحترزات فإنها تأتي في قول المصنف ولا قضاء على الكافر إلخ ؛ لأنا نقول ما يأتي في القضاء وما هنا في عدم الوجوب وهما مختلفان ع ش عبارة البجيرمي قد يقال يغني عنه قول المتن ولا قضاء إلخ ؛ لأنه يلزم من نفي القضاء نفي الوجوب

                                                                                                                              وأجيب بأن قصده أخذ مفهوم المتن وإن كان كلام المتن يغني عنه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 446 ] للمطالبة إلخ ) أي : منا وإلا فهو مطالب من جهة الشرع ولهذا عوقب رشيدي ( قوله : لا يطالب بشيء إلخ ) أي منا وإلا فهو مطالب شرعا إذ لو لم يطالب كذلك فلا معنى للعقاب عليها سم و ع ش ( قوله : وغيره ) أي : غير الذمي ( قوله : أي المجمع عليها إلخ ) أي : كالصلاة ، والزكاة وحرمة الزنا بخلاف المختلف فيه كشرب ما لا يسكر من النبيذ ، والبيع بالتعاطي فلا يعاقب عليه ع ش قال السيد البصري لم يظهر وجه التقييد به أي بالمجمع عليها فينبغي أن يكون مثله المختلف فيه إذا وافق طرف الإيجاب في المأمور ، والتحريم في المنهي حكم الله تعالى بحسب نفس الأمر فالحاصل أنه يعاقب على ترك الواجبات وفعل المحرمات بحسب نفس الأمر سواء أجمع عليها أو اختلف فيها إذ لا شبهة له بخلاف المخطئ ومقلديه ، ثم رأيت عبارة تحقيق النووي مخاطب بالفروع كصلاة وزكاة وصوم وحج وغزو وتحريم خمر وزنا وربا انتهت وفي الاقتصار على هذه الأمثلة إشعار بالتقييد لا سيما إن جعلت للتقييد كما جرى عليه المحشي في الآيات وشروح الورقات ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : في الآخرة ) متعلق بالعقاب ( قوله : ووجوبهما ) مبتدأ خبره قوله وجوب انعقاد إلخ حاصله أن من عبر بكون الصلاة واجبة عليه أراد أنه انعقد له سبب وجوب القضاء عليه لا أنه يجب عليه حينئذ الأداء ؛ لأنه لا يصلح له كردي ( قوله : بنحو جنونه ) أي : كسكره وإغمائه سم ( قوله : وجوب انعقاد سبب ) أي : وجوب سببه انعقاد السبب وهو دخول الوقت أي لا وجوب أداء وفيه أن انعقاد السبب موجود في غير المتعدي مع أنه لا قضاء عليه فالأولى التعليل بأنه بتعديه صار في حكم المكلف فكأنه مخاطب بأدائها فوجب القضاء نظرا لذلك تأمل حلبي وأجيب بأن المراد وجوب انعقاد سبب مع قصد التغليظ فلا يرد غير المتعدي ا هـ بجيرمي

                                                                                                                              و ( قوله : أي وجوب سببه انعقاد إلخ ) الأولى أي وجوب أريد به انعقاد سببه ( قوله : لوجوب القضاء إلخ ) علة لانعقاد سبب الوجوب على المتعدي بنحو جنون كما يفيده صنيع شرح المنهج وشرح جمع الجوامع وقضية ما مر عن الكردي أنه صلة سبب ( قوله : قيل ) إلى قوله ؛ لأن إسقاطها في النهاية إلا قوله لاقتصار إلى لكونه ( قوله : قيل إلخ ) لعل الأوجه في جواب هذا القيل أن المصنف أراد بالوجوب معناه الشرعي الذي هو الطلب الجازم مع أثره الذي هو توجه المطالبة في الدنيا وحينئذ يتضح انتفاؤه عن الأضداد بانتفاء جزأيه ، أو أحدهما سم على حج ا هـ رشيدي وقوله بانتفاء جزأيه أي كالمجنون ، والحائض وقوله ، أو أحدهما كالكافر فإنه يطالب بها من جهة الشارع ولا يطالب بها منا ، والصبي يطالب بها من وليه لا من الشارع بجيرمي ( قوله : على أضداد إلخ ) متعلق بعدم الوجوب

                                                                                                                              ( قوله : ورد الكافر ) أي : ؛ لأنه آثم بالترك سم ( قوله : أو على الأول ) أي عدم الإثم بالترك ع ش ( قوله : ورد إلخ ) أي : الكافر لذلك سم ( قوله : أو على الثاني ) أي : عدم الطلب في الدنيا ع ش ( قوله : ورد غيره ) أي : ؛ لأنها مطلوبة منه ولو بواسطة وليه كالصبي سم ( قوله : لمدلوله الشرعي ) أي الطلب الجازم رشيدي ( قوله : أن في الكافر تفصيلا ) وهو أنه تارة يجب عليه القضاء وتارة لا يجب فباعتبار وجوب القضاء [ ص: 447 ] وعدمه جعله قسمين الأصلي قسم ، والمرتد قسم وإن كانا مستويين في الوجوب عليهما بناء على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبهذا يجاب عما اعترضه به سم على حج ع ش ( قوله : وصوابه ورد الصبي ) أي : ؛ لأنها لا تطلب من غير الصبي ممن ذكر وقد يجاب عنه بأن قوله غيره لا عموم فيه ومن للتبعيض سم

                                                                                                                              ( قوله : ورد الصبي ) أي : ؛ لأنها مطلوبة منه ولو بواسطة وليه رشيدي وتقدم عن سم مثله وبذلك يندفع قول البصري لا يخفى أن عدم الطلب في الدنيا شامل للجميع فليتأمل قول المعترض ورد غيره وقول الشارح صوابه ورد الصبي ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية