الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولو ترى خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو لكل أحد ممن له حظ من الخطاب ، والمضارع هنا بمعنى الماضي لأن ( لو ) الامتناعية ترد المضارع ماضيا كما أن إن ترد الماضي مضارعا ، أي ولو رأيت إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة إلخ لرأيت أمرا فظيعا ، ولا بد عند العلامة من حمل معنى المضي هنا على الفرض والتقدير ، وليس المعنى على حقيقة المضي ، قيل : والقصد إلى استمرار امتناع الرؤية وتجدده وفيه بحث ، وإذ ظرف لترى والمفعول محذوف ، أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ ، و ( الملائكة ) فاعل يتوفى ، وتقديم المفعول للاهتمام به ، ولم يؤنث الفعل لأن الفاعل غير حقيقي التأنيث ، وحسن ذلك الفصل [ ص: 17 ] بينهما ، ويؤيد هذا الوجه قراءة ابن عامر ( تتوفى ) بالتاء ، وجوز أبو البقاء أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى ، والملائكة على هذا مبتدأ خبره جملة يضربون وجوههم والجملة الاسمية مستأنفة ، وعند أبي البقاء في موضع الحال ، ولم يحتج إلى الواو لأجل الضمير ، ومن يرى أنه لا بد فيها من الواو وتركها ضعيف يلتزم الأول ، وعلى الأول يحتمل أن يكون جملة يضربون مستأنفة وأن تكون حالا من الفاعل أو المفعول أو منهما لاشتمالها على ضميريهما وهي مضارعية يكتفى فيها بالضمير كما لا يخفى ، والمراد من وجوههم ما أقبل منهم ، ومن قوله سبحانه : ( وأدبارهم ) ما أدبر وهو كل الظهر ، وعن مجاهد أن المراد منه أستاههم ولكن الله تعالى كريم يكنى والأول أولى ، وذكرهما يحتمل أن يكون للتخصيص بهما لأن الخزي والنكال في ضربهما أشد ويحتمل أن يراد التعميم على حد قوله تعالى : ( بالغدو والآصال ) لأنه أقوى ألما ، والمراد من الذين كفروا قتلى بدر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن الحسن أن رجلا قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك ضرب الملائكة . وفي رواية عن ابن عباس ما يشعر بالعموم ، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال : آيتان يبشر بهما الكافر عند موته وقرأ ( ولو ترى ) إلخ ، ولعل الرواية عنه رضي الله تعالى عنه لم تصح وذوقوا عذاب الحريق عطف على ( يضربون ) بإضمار القول ، أي ويقولون: ذوقوا ، أو حال من ضميره كذلك أي ضاربين وجوههم وقائلين ذوقوا ، وهو على الوجهين من قول الملائكة ، والمراد بعذاب الحريق عذاب النار في الآخرة ، فهو بشارة لهم من الملائكة بما هو أدهى وأمر مما هم فيه ، وقيل كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد كلما ضربوا المشركين بها التهبت النار في جراحاتهم ، وعليه فالقول للتوبيخ ، والتعبير بذوقوا قيل : للتهكم لأن الذوق يكون في المطعومات المستلذة غالبا ، وفيه نكتة أخرى وهو أنه قليل من كثير وأنه مقدمة كأنموذج الذائق ، وبهذا الاعتبار يكون فيه المبالغة ، وإن أشعر الذوق بقلته .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر بعضهم : وهو خلاف الظاهر أنه يحتمل أن يكون هذا القول من كلام الله تعالى كما في آل عمران ( ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) وجواب ( لو ) محذوف لتفظيع الأمر وتهويله وتقديره ما أشرنا إليه سابقا ، وقدره الطيبي: لرأيت قوة أوليائه ونصرهم على أعدائه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية