ووجه ربط قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=23465_28902_30483_33144_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا إلخ على هذا عند المدقق أنه تعالى بعد أن نهاهم عن ضرب الأمثال له سبحانه ضرب مثلا دل به على أنهم ليسوا أهلا لذلك وأنهم إذا كانوا على هذا الحد من المعرفة والتقليد أو المكابرة فليس لهم إلى ضرب الأمثال المطابقة المستدعى ذكاء وهداية سبيل، وقال غيره في ذلك ولعله أظهر منه إنه تعالى لما ذكر أنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنهم لا يعلمون علمهم كيف تضرب الأمثال في هذا الباب فقال تعالى: ( ضرب ) إلخ.
ووجه الربط على ما تقدم من أن النهي عن الإشراك أنه سبحانه لما نهاهم عن ضرب المثل الفعلي وهو الإشراك عقبه بالكشف لذي البصيرة عن فساد ما ارتكبوه بقوله سبحانه: ( ضرب ) إلخ أي أورد وذكر ما يستدل به على
[ ص: 195 ] تباين الحال بين جنابه تعالى شأنه وبين ما أشركوه به سبحانه وينادي بفساد ما هم عليه نداء جليا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75عبدا مملوكا لا يقدر على شيء بدل من مثلا وتفسير له والمثل في الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلا ووصف العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر لاشتراكهما في كونهما عبدا لله تعالى، وقد أدمج فيه على ما قيل إن الكل عبيد له تعالى وبعدم القدرة لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف في الجملة، وفي إبهام المثل أولا ثم بيانه بما ذكر ما لا يخفى من الجزالة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ومن رزقناه من نكرة موصوفة على ما استظهره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ليطابق ( عبدا ) فإنه أيضا نكرة موصوفة وإلى ذلك ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي: هي موصولة واستظهره
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان ، وزعم بعضهم أن ذلك لكون استعمالها موصولة أكثر من استعمالها موصوفة، والأول مختار الأكثرين أي حرا رزقناه بطريق الملك والالتفات إلى التكلم للإشعار باختلاف حال ضرب المثل والرزق، وفي اختيار ضمير العظمة تعظيم لأمر ذلك الرزق ويزيد ذلك تعظيما قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75منا أي من جنابنا الكبير المتعالي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75رزقا حسنا حلالا طيبا أو مستحسنا عند الناس مرضيا ويؤخذ منه على ما قيل كونه كثيرا بنا على أن القلة التي هي أخت العدم لا حسن في ذاتها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75فهو ينفق منه تفضلا وإحسانا، والفاء لترتب الإنفاق على الرزق كأنه قيل: ومن رزقناه منا رزقا حسنا فأنفق وإيثار المنزل من الجملة الاسمية الفعلية الخبر للدلالة على ثبات الإنفاق واستمراره التجددي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75سرا وجهرا أي حال السر وحال الجهر أو إنفاق سر وإنفاق جهر والمراد بيان عموم إنفاقه للأوقات وشموله إنعامه لمن يجتنب عن قبوله جهرا.
وجوز أن يكون وصفه بالكثرة مأخوذا من هذا بناء أن المراد منه كيف يشاء وهو يدل على أنحاء التصرف وسعة المتصرف منه، وتقديم السر على الجهر للإيذان بفضله عليه، وقد مر الكلام في ذلك والعدول عن تطبيق القرينتين بأن يقال: وحرا مالكا للأموال مع كونه أدل على تباين الحال بينه وبين قسيمه لما في إرشاد العقل السليم من توخي تحقيق الحق بأن الأحرار أيضا تحت ربقة عبوديته تعالى وأن مالكيتهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزقهم الله تعالى إياه من غير أن يكون لهم مدخل في ذلك مع محاولة المبالغة في الدلالة على ما قصد بالمثل من تباين الحال بين الممثلين فإن العبد المملوك حيث لم يكن مثل العبد المالك فما ظنك بالجماد ومالك الملك خلاق العالمين
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75هل يستوون جمع الضمير وإن تقدمه اثنان وكان الظاهر- يستويان- للإيذان بأن المراد بما ذكر من اتصف بالأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معينان منهما وإن أخرج
ابن عساكر وجماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في
هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا وفي عبده
أبي الجوزاء الذي كان ينهاه والله تعالى أعلم بصحته. وقيل: نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وعبد له ولا يصح إسناده كما في البحر، وفيه أنه يحتمل أن يكون الجمع باعتبار أن المراد- بمن- الجمع وأن يكون باعتبار عود الضمير على العبيد والأحرار وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة «عبد مملوك»
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ومن رزقناه عليهما، والمعول عليه ما ذكر أولا، والمعنى هل يستوي العبيد والأحرار الموصوفون بما ذكر من الصفات مع أن الفريقين سيان في البشرية والمخلوقية لله سبحانه وأن ما ينفقه الأحرار ليس مما لهم دخل في إيجاده ولا تملكه بل هو مما أعطاه الله تعالى إياهم فحيث لم يستو الفريقان فما ظنكم برب العالمين حيث تشركون به ما لا ذليل
[ ص: 196 ] أذل منه وهو الأصنام، وقيل: إن هذا تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق شبه الأول بمملوك لا تصرف له لأنه لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأفعاله واتباعه لهواه كالعبد المنقاد الملحق بالبهائم بخلاف المؤمن الموفق، وجعله تمثيلا لذلك مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ولا تعيين أيضا وإن قيل: إن الآية نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله تعالى عنه
وأبي جهل، على أن
أبا حيان قال: إنه لا يصح إسناد ذلك، هذا ثم اعلم أنهم اختلفوا في العبد هل يصح له ملك أم لا قال في الكشاف: المذهب الظاهر أنه لا يصح وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وقال
ابن المنير على ما لخصه في الكشف من كلام طويل إنه يصح له الملك عند مالك: وظاهر الآية تشهد له لأنه أثبت له العجز بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75مملوكا ثم نفى القدرة العارضة بتمليك السيد بقوله سبحانه: لا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75لا يقدر على شيء وليس المعنى القدرة على التصرف لأن مقابله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ومن رزقناه منا رزقا حسنا والحمل على إخراج المكاتب مع شذوذه إيجاز مع إخلال كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين رحمه الله تعالى في: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=663391أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها » الحمل على المكاتبة بعيد لا يجوز والمأذون لم يخرج لما مر من أن المراد بالقدرة ما هو، وليس لقائل أن يقول: إنه صفة لازمة موضحة فالأصل في الصفات التقييد اهـ.
وتعقبه المدقق بقوله: والجواب أن المعنى على نفي القدرة عن التصرف فالآية واردة في تمثيل حال الأصنام به تعالى عن ذلك علوا كبيرا وكلما بولغ في حال عجز المشبه به وكمال المقابل دل في المشبه به أيضا على ذلك فالذي يطابق المقام القدرة على التصرف وهو في مقابلة قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ينفق منه سرا وجهرا وما ذكره لا حاصل له ولا إخلال في إخراج المكاتب لشمول اللفظ مع أن المقام مقام مبالغة فما يتوهم دخوله بوجهه ينبغي أن ينفى وأين هذا مما نقله عن إمام الحرمين اهـ. واستدل بالآية أيضا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=24165_23237العبد لا يملك الطلاق أيضا وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عنه أنه قال: ليس للعبد طلاق إلا بإذن سيده وقرأ الآية وقد فصلت أحكام العبيد في حكم الفقه على أتم وجه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75الحمد لله أي كله له سبحانه لا يستحقه أحد غيره تعالى لأنه جل شأنه المولي للنعم وإن ظهرت على أيدي بعض الوسائط فضلا عن استحقاق العبادة.
وفيه إرشاد إلى ما هو الحق من أن ما يظهر على يد من ينفق فيما ذكر راجع إليه تعالى كما لوح به
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75رزقناه وقال غير واحد هذا حمد على ظهور المحجة وقوة هذه الحجة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75بل أكثرهم لا يعلمون
ما ذكر فيضيفون نعمه تعالى إلى غيره ويعبدونه لأجلها أو لا يعلمون ظهور ذلك وقوة ما هنالك فيبقون على شركهم وضلالهم، ونفي العلم عن أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلمون ذلك وإنما لم يعملوا بموجبه عنادا وقيل: المراد بالأكثر الكل فكأنه قيل: هم لا يعلمون، وقيل: ضمير هم للخلق والأكثر هم المشركون، وكلا القولين خلاف الظاهر.
وَوَجْهُ رَبْطِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=23465_28902_30483_33144_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا إِلَخْ عَلَى هَذَا عِنْدَ الْمُدَقِّقِ أَنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمْ عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ لَهُ سُبْحَانَهُ ضَرَبَ مَثَلًا دَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عَلَى هَذَا الْحَدِّ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّقْلِيدِ أَوِ الْمُكَابَرَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَى ضَرْبِ الْأَمْثَالِ الْمُطَابِقَةِ الْمُسْتَدْعَى ذَكَاءٌ وَهِدَايَةُ سَبِيلٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ مِنْهُ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْلَمُ كَيْفَ تُضْرَبُ الْأَمْثَالَ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ عِلْمَهُمْ كَيْفَ تُضْرَبُ الْأَمْثَالَ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ تَعَالَى: ( ضَرَبَ ) إِلَخْ.
وَوَجْهُ الرَّبْطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِشْرَاكِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ الْفِعْلِيِّ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ عَقَّبَهُ بِالْكَشْفِ لِذِي الْبَصِيرَةِ عَنْ فَسَادِ مَا ارْتَكَبُوهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ( ضَرَبَ ) إِلَخْ أَيْ أَوْرَدَ وَذَكَرَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى
[ ص: 195 ] تَبَايُنِ الْحَالِ بَيْنَ جَنَابِهِ تَعَالَى شَأْنُهُ وَبَيْنَ مَا أَشْرَكُوهُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَيُنَادِي بِفَسَادِ مَا هُمْ عَلَيْهِ نِدَاءً جَلِيًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ بَدَلٌ مِنْ مَثَلًا وَتَفْسِيرٌ لَهُ وَالْمَثَلُ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَتُهُ الْعَارِضَةُ لَهُ مِنَ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْعَجْزِ التَّامِّ وَبِحَسْبِهَا ضَرْبُ نَفْسِهِ مَثَلًا وَوَصَفَ الْعَبْدَ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلتَّمْيِيزِ عَنِ الْحُرِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا عَبْدًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَدْمَجَ فِيهِ عَلَى مَا قِيلَ إِنَّ الْكُلَّ عَبِيدٌ لَهُ تَعَالَى وَبِعَدَمِ الْقُدْرَةِ لِتَمْيِيزِهِ عَنِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ اللَّذَيْنِ لَهُمَا تَصَرُّفٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي إِبْهَامِ الْمَثَلِ أَوَّلًا ثُمَّ بَيَانِهِ بِمَا ذُكِرَ مَا لَا يَخْفَى مِنَ الْجَزَالَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مَنْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ لِيُطَابِقَ ( عَبْدًا ) فَإِنَّهُ أَيْضًا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14183الْحَوْفِيُّ: هِيَ مَوْصُولَةٌ وَاسْتَظْهَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ اسْتِعْمَالِهَا مَوْصُولَةً أَكْثَرَ مِنِ اسْتِعْمَالِهَا مَوْصُوفَةً، وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ الْأَكْثَرِينَ أَيْ حُرًّا رَزَقْنَاهُ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالِالْتِفَاتُ إِلَى التَّكَلُّمِ لِلْإِشْعَارِ بِاخْتِلَافِ حَالِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالرِّزْقِ، وَفِي اخْتِيَارِ ضَمِيرِ الْعَظَمَةِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ ذَلِكَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75مِنَّا أَيْ مِنْ جَنَابِنَا الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75رِزْقًا حَسَنًا حَلَالًا طَيِّبًا أَوْ مُسْتَحْسَنًا عِنْدَ النَّاسِ مَرْضِيًّا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى مَا قِيلَ كَوْنُهُ كَثِيرًا بِنَا عَلَى أَنَّ الْقِلَّةَ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الْعَدَمِ لَا حُسْنَ فِي ذَاتِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا، وَالْفَاءُ لِتَرَتُّبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الرِّزْقِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَأَنْفَقَ وَإِيثَارُ الْمُنَزَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَبَرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْإِنْفَاقِ وَاسْتِمْرَارِهِ التَّجَدُّدِيِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75سِرًّا وَجَهْرًا أَيْ حَالَ السِّرِّ وَحَالَ الْجَهْرِ أَوِ إِنْفَاقَ سِرٍّ وَإِنْفَاقَ جَهْرٍ وَالْمُرَادُ بَيَانُ عُمُومِ إِنْفَاقِهِ لِلْأَوْقَاتِ وَشُمُولِهِ إِنْعَامَهُ لِمَنْ يَجْتَنِبُ عَنْ قَبُولِهِ جَهْرًا.
وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ بِالْكَثْرَةِ مَأْخُوذًا مِنْ هَذَا بِنَاءً أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنْحَاءِ التَّصَرُّفِ وَسَعَةِ الْمُتَصَرَّفِ مِنْهُ، وَتَقْدِيمُ السِّرِّ عَلَى الْجَهْرِ لِلْإِيذَانِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَالْعُدُولُ عَنْ تَطْبِيقِ الْقَرِينَتَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ: وَحُرًّا مَالِكًا لِلْأَمْوَالِ مَعَ كَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى تَبَايُنِ الْحَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَسِيمِهِ لِمَا فِي إِرْشَادِ الْعَقْلِ السَّلِيمِ مِنْ تَوَخِّي تَحْقِيقِ الْحَقِّ بِأَنَّ الْأَحْرَارَ أَيْضًا تَحْتَ رِبْقَةِ عُبُودِيَّتِهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَالِكِيَّتَهُمْ لِمَا يَمْلِكُونَهُ لَيْسَتْ إِلَّا بِأَنْ يَرْزُقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ مَعَ مُحَاوَلَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قُصِدَ بِالْمَثَلِ مِنْ تَبَايُنِ الْحَالِ بَيْنَ الْمُمَثِّلِينَ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ الْعَبْدِ الْمَالِكِ فَمَا ظَنُّكَ بِالْجَمَادِ وَمَالِكِ الْمُلْكِ خَلَّاقِ الْعَالَمِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75هَلْ يَسْتَوُونَ جُمِعَ الضَّمِيرُ وَإِنْ تَقَدَّمَهُ اثْنَانِ وَكَانَ الظَّاهِرُ- يَسْتَوِيَانِ- لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ مَنِ اتَّصَفَ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْجِنْسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا فَرْدَانِ مُعَيَّنَانِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَخْرَجَ
ابْنُ عَسَاكِرَ وَجَمَاعَةٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ سِرًّا وَجَهْرًا وَفِي عَبْدِهِ
أَبِي الْجَوْزَاءِ الَّذِي كَانَ يَنْهَاهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَبْدٍ لَهُ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ- بِمَنْ- الْجَمْعُ وَأَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ «عَبْدٌ مَمْلُوكٌ»
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75وَمَنْ رَزَقْنَاهُ عَلَيْهِمَا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا، وَالْمَعْنَى هَلْ يَسْتَوِي الْعَبِيدُ وَالْأَحْرَارُ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الصِّفَاتِ مَعَ أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ سِيَّانِ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَالْمَخْلُوقِيَّةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْأَحْرَارُ لَيْسَ مِمَّا لَهُمْ دَخْلٌ فِي إِيجَادِهِ وَلَا تَمَلُّكِهِ بَلْ هُوَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ فَحَيْثُ لَمْ يَسْتَوِ الْفَرِيقَانِ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ حَيْثُ تُشْرِكُونَ بِهِ مَا لَا ذَلِيلَ
[ ص: 196 ] أَذَلَّ مِنْهُ وَهُوَ الْأَصْنَامُ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِلْكَافِرِ الْمَخْذُولِ وَالْمُؤْمِنِ الْمُوَفَّقِ شَبَّهَ الْأَوَّلَ بِمَمْلُوكٍ لَا تَصَرُّفَ لَهُ لِأَنَّهُ لِإِحْبَاطِ عَمَلِهِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِأَفْعَالِهِ وَاتِّبَاعِهِ لِهَوَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُنْقَادِ الْمُلْحَقِ بِالْبَهَائِمِ بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِ الْمُوَفَّقِ، وَجَعْلُهُ تَمْثِيلًا لِذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ وَلَا تَعْيِينَ أَيْضًا وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
وَأَبِي جَهْلٍ، عَلَى أَنَّ
أَبَا حَيَّانَ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُ ذَلِكَ، هَذَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ هَلْ يَصِحُّ لَهُ مُلْكٌ أَمْ لَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْمَذْهَبُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ
ابْنُ الْمُنِيرِ عَلَى مَا لَخَّصَهُ فِي الْكَشْفِ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ إِنَّهُ يَصِحُّ لَهُ الْمُلْكُ عِنْدَ مَالِكٍ: وَظَاهِرُ الْآيَةِ تَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْعَجْزَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75مَمْلُوكًا ثُمَّ نَفَى الْقُدْرَةَ الْعَارِضَةَ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: لَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا وَالْحَمْلُ عَلَى إِخْرَاجِ الْمُكَاتِبِ مَعَ شُذُوذِهِ إِيجَازٌ مَعَ إِخْلَالٍ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=663391أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا » الْحَمْلُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بَعِيدٌ لَا يَجُوزُ وَالْمَأْذُونُ لَمْ يَخْرُجْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ مَا هُوَ، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ مُوَضَّحَةٌ فَالْأَصْلُ فِي الصِّفَاتِ التَّقْيِيدُ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ الْمُدَقِّقُ بِقَوْلِهِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى نَفْيِ الْقُدْرَةِ عَنِ التَّصَرُّفِ فَالْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي تَمْثِيلِ حَالِ الْأَصْنَامِ بِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَكُلَّمَا بُولِغَ فِي حَالِ عَجْزِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَكَمَالِ الْمُقَابِلِ دَلَّ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فَالَّذِي يُطَابِقُ الْمَقَامَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا وَمَا ذَكَرَهُ لَا حَاصِلَ لَهُ وَلَا إِخْلَالَ فِي إِخْرَاجِ الْمُكَاتَبِ لِشُمُولِ اللَّفْظِ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مُبَالَغَةٍ فَمَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ بِوَجْهِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُنْفَى وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ اهـ. وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24165_23237الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ أَيْضًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ طَلَاقٌ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَقَرَأَ الْآيَةَ وَقَدْ فُصِّلَتْ أَحْكَامُ الْعَبِيدِ فِي حُكْمِ الْفِقْهِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ كُلُّهُ لَهُ سُبْحَانَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ الْمُولِي لِلنِّعَمِ وَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِي بَعْضِ الْوَسَائِطِ فَضْلًا عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ.
وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ أَنَّ مَا يَظْهَرُ عَلَى يَدِ مَنْ يُنْفِقُ فِيمَا ذَكَرَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ تَعَالَى كَمَا لَوَّحَ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75رَزَقْنَاهُ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا حَمْدٌ عَلَى ظُهُورِ الْمَحَجَّةِ وَقُوَّةِ هَذِهِ الْحُجَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
مَا ذُكِرَ فَيُضِيفُونَ نِعَمَهُ تَعَالَى إِلَى غَيْرِهِ وَيَعْبُدُونَهُ لِأَجْلِهَا أَوْ لَا يَعْلَمُونَ ظُهُورَ ذَلِكَ وَقُوَّةَ مَا هُنَالِكَ فَيَبْقُونَ عَلَى شِرْكِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَنَفْيُ الْعِلْمِ عَنْ أَكْثَرِهِمْ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْمَلُوا بِمُوجِبِهِ عِنَادًا وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ الْكُلُّ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: هُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَقِيلَ: ضَمِيرُ هُمْ لِلْخَلْقِ وَالْأَكْثَرُ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ.