الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أي في وجوه الخيرات الشاملة للجهاد وغيره، وقيل: المراد الإنفاق في الجهاد لأنه الذي يضاعف هذه الأضعاف، وأما الإنفاق في غيره فلا يضاعف كذلك وإنما تجزي الحسنة بعشر أمثالها كمثل حبة خبر عن المبتدأ قبله ولا بد من تقدير مضاف في أحد الطرفين أي مثل نفقة الذين كمثل حبة أو مثلهم كمثل باذر حبة، ولولا ذلك لم يصح التمثيل، والحبة واحدة الحب وهو ما يزرع للاقتيات وأكثر إطلاقه على البر، وبذر ما لا يقتات به من البقل حبة بالكسر، أنبتت سبع سنابل أي أخرجت تلك الحبة ساقا تشعب منه سبع شعب لكل واحد منها سنبلة. في كل سنبلة مائة حبة كما نرى ذلك في كثير من الحب في الأراضي المغلة بل أكثر من ذلك، والسنبلة على وزن فنعلة، فالنون زائدة لقولهم أسبل الزرع بمعنى سنبل إذا صار فيه السنبل، وقيل: وزنه فعللة فالنون أصلية والأول هو المشهور، وإسناد الإنبات إلى الحبة مجاز لأنها سبب للإنبات والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى، وهذا التمثيل تصوير للإضعاف كأنها حاضرة بين يدي الناظر فهو من تشبيه المعقول بالمحسوس.

                                                                                                                                                                                                                                      والله يضاعف هذه المضاعفة أو فوقها إلى ما شاء الله تعالى، واقتصر بعض على الأول، وبعض على الثاني، والتعميم أتم نفعا لمن يشاء من عباده المنفقين على حسب حالهم من الإخلاص والتعب وإيقاع الإنفاق في أحسن مواقعه، أخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه وأبي الدرداء وأبي هريرة وعمران بن حصين وأبي أمامة وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم كلهم، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله تعالى وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم " ثم تلا هذه الآية، وعن معاذ بن جبل: «إن غزاة المنفقين قد خبأ الله تعالى لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد». والله واسع لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة [ 261 ] عليم بنية المنفق وسائر أحواله.

                                                                                                                                                                                                                                      ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر قصة المار على القرية وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكانا من أدل دليل على البعث ذكر ما ينتفع به يوم البعث وما يجد جزاءه هناك وهو الإنفاق في سبيل الله تعالى كما أعقب قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بقوله تعالى عز شأنه: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا وكما عقب قتل داود جالوت وقوله تعالى: ولو شاء الله ما اقتتلوا بقوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم الخ. [ ص: 33 ] وفي ذكره الحبة في التمثيل هنا إشارة أيضا إلى البعث وعظيم القدرة إذ من كان قادرا على أن يخرج من حبة واحدة في الأرض سبعمائة حبة فهو قادر على أن يخرج الموتى من قبورهم بجامع اشتركا فيه من التغذية والنمو.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية