الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية أي يعممون الأوقات والأحوال بالخير والصدقة، فالمراد بالليل والنهار جميع الأوقات كما أن المراد بما بعده جميع الأحوال، وقدم الليل على النهار والسر على العلانية للإيذان بمزية الإخفاء على الإظهار، وانتصاب (سرا وعلانية) على أنهما مصدران في موضع الحال أي مسرين [ ص: 48 ] ومعلنين، أو على أنهما حالان من ضمير الإنفاق على مذهب سيبويه، أو نعتان لمصدر محذوف أي إنفاقا سرا، والباء بمعنى في، واختلف فيمن نزلت، فأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما، وسرا درهما وعلانية درهما، وفي رواية الكلبي: " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: حملني أن استوجب على الله تعالى الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن ذلك لك ".

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب أن الآية كلها في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والواحدي من طريق حسن بن عبد الله الصنعاني أنه سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول في هذه الآية: الذين ينفقون الخ: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله تعالى وهو قول أبي أمامة وأبي الدرداء ومكحول والأوزاعي ورباح بن يزيد ولا يأبى ذلك ذكر السر والعلانية كما لا يخفى، وقال بعضهم: إنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه تصدق بأربعين ألف دينار؛ عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية، وتعقبه الإمام السيوطي بأن حديث تصدقه بأربعين ألف دينار رواه ابن عساكر في «تاريخه» عن عائشة رضي الله تعالى عنهما، وخبر أن الآية نزلت فيه لم أقف عليه، وكأن من ادعى ذلك فهمه مما أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحق قال: لما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه واستخلف عمر خطب الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون مالا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعضا من الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم فأين أصحاب هذه الآية وقرأ الآية الكريمة، وأنت تعلم أنها لا دلالة فيها على المدعي فلهم أجرهم المخبوء لهم في خزائن الفضل عند ربهم والفاء داخلة في حيز الموصول للدلالة على سببية ما قبلها، وقيل: للعطف، والخبر محذوف، أي ومنهم الذين الخ، ولذلك جوز الوقف على علانية.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 274 ] تقدم تفسيره والإشارة في الآيات ظاهرة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية