الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أإنكم لتأتون الرجال شهوة تثنية للإنكار، وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام، وتحلية الجملة بحرفي التأكيد؛ للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد لكمال شناعته، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية؛ لتربيته التقبيح وبيان اختصاصه ببني آدم ، وتعليل الإتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح لما أنها ليست في محلها، وفيه إشارة إلى أنهم مخطئون في محلها فعلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى: من دون النساء أي: متجاوزين النساء اللاتي هن محال الشهوة، إشارة إلى أنهم مخطئون فيه تركا، ويعلم مما ذكرنا أن (شهوة) مفعول له للإتيان، وجوز أن يكون حالا.

                                                                                                                                                                                                                                      بل أنتم قوم تجهلون أي: تفعلون فعل الجاهلين بقبح ذلك، أو يجهلون العاقبة، أو الجهل بمعنى السفاهة والمجون، أي: بل أنتم قوم سفهاء ماجنون، كذا في الكشاف، وأيا ما كان فلا ينافي قوله تعالى: (وأنتم تبصرون) ولم يرتض ذلك الطيبي ، وزعم أن كلمة الإضراب تأباه، ووجه الآية بأنه تعالى لما أنكر عليهم فعلهم على الإجمال - وسماه فاحشة، وقيده بالحال المقررة لجهة الإشكال؛ تتميما للإنكار بقوله تعالى: (وأنتم تبصرون) - أراد مزيد ذلك التوبيخ والإنكار، فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة، وأشار سبحانه إلى ما أشار، ثم أضرب عن الكل بقوله سبحانه: (بل أنتم) ... إلخ، أي: كيف يقال لمن يرتكب هذه الفحشاء وأنتم تعلمون، فأولى حرف الإضراب ضمير (أنتم) وجعلهم قوما جاهلين، والتفت في (تجهلون) موبخا معيرا، اهـ، وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      والقول بالالتفات هنا مما قاله غيره أيضا، وهو التفات من الغيبة التي في (قوم) إلى الخطاب في (تجهلون) وتعقبه الفاضل السالكوتي بأنه وهم؛ إذ ليس المراد بقوم قوم لوط حتى يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدا - كما هو شرط الالتفات - بل معنى كلي حمل على قوم لوط، عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض الأجلة: إن الخطاب فيه - مع أنه صفة لـ(قوم) وهو اسم ظاهر - من قبيل الغائب لمراعاة المعنى؛ لأنه متحد مع (أنتم) لحمله عليه، وجعله غير واحد مما غلب فيه الخطاب، وأورد عليه أن في التغليب تجوزا ولا تجوز هنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجيب بأن نحو (تجهلون) موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة، وهنا ليس كذلك، فكيف لا يكون فيه تجوز، وقيل: قولهم: إن في التغليب تجوزا خارج مخرج الغالب، وقال الفاضل السالكوتي: إن قوله تعالى: (بل أنتم) ... إلخ من المجاز باعتبار ما كان، فإن المخاطب في (تجهلون) باعتبار كون القوم مخاطبين في التعبير بـ(أنتم) فلا يرد أن اللفظ لم يستعمل فيه في غير ما وضع له، ولا الهيئة التركيبية، ولم يسند الفعل إلى غير ما هو له، فيكون هناك مجاز، فافهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (تم الجزء التاسع عشر من تفسير روح المعاني، ويليه - إن شاء الله تعالى - الجزء العشرون، وأوله (فما كان جواب قومه).

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية