الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله : والذين يرمون المحصنات يعني بالزنى .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يعني ببينة على الزنى .

                                                                                                                                                                                                                                        فاجلدوهم ثمانين جلدة وهذا حد أوجبه الله على القاذف للمقذوفة يجب بطلبها ويسقط بعفوها ، وفيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه من حقوق الآدميين ، لوجوبه بالطلب ، وسقوطه بالعفو ، وهذا مذهب الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : من حقوق الله لأنه لا ينتقل إلى مال ، وهذا مذهب أبي حنيفة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه من الحقوق المشتركة بين حق الله وحق الآدميين لتمازج الحقين وهذا مذهب بعض المتأخرين .

                                                                                                                                                                                                                                        ولا يكمل حد القذف بعد البلوغ والعقل إلى بحريتهما وإسلام المقذوف وعفافه ، فإن كان المقذوف كافرا أو عبدا عزر قاذفه ولم يحد ، وإن كان القاذف كافرا حد حدا كاملا ، وإن كان عبدا حد نصف الحد .

                                                                                                                                                                                                                                        ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وهذا مما غلظ الله به [ ص: 75 ]

                                                                                                                                                                                                                                        القذف حتى علق به من التغليظ ثلاثة أحكام : وجوب الحد ، والتفسيق وسقوط الشهادة . ولم يجعل في القذف بغير الزنى حدا لما في القذف بالزنى من تعدي المعرة إلا الأهل والنسل .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله : إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا الآية . التوبة من القذف ترفع الفسق ولا تسقط الحد . واختلفوا في قبول الشهادة على أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : تقبل شهادته قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه وعوده إلى عدالته وهذا مذهب مالك والشافعي وبه قال جمهور المفسرين .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لا تقبل شهادته أبدا ، لا قبل الحد ولا بعده ، وهذا مذهب شريح .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه تقبل شهادته بالتوبة قبل الحد ولا تقبل بعده ، وهذا مذهب أبي حنيفة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : تقبل شهادته بعد الحد ولا تقبل قبله ، وهذا مذهب إبراهيم النخعي قال الشعبي : تقبل توبته ولا تقبل شهادته . وفي صفة التوبة قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنها بإكذابه نفسه وقد رواه الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة وقال لهم : من أكذب نفسه أحرز شهادته فأكذب نفسه شبل ونافع ، وأبى أبو بكرة أن يفعل ، قال الزهري ، وهو والله السنة فاحفظوه .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن توبته منه تكون بصلاح حاله وندمه على قذفه والاستغفار منه وترك العود إلى مثله ، قاله ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية