الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ ص: 319 ] ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ذكر الله تعالى الفيء في سورة الحشر والغنيمة في هذه السورة. واختلفوا في الفيء والغنيمة على ثلاثة أقاويل: أحدها: أن الغنيمة ما ظهر عليه من أموال المشركين والفيء ما ظهر عليه من الأرض ، قاله عطاء بن السائب. والثاني: أن الغنيمة ما أخذ عنوة ، والفيء ما أخذ عن صلح ، قاله الشافعي وسفيان الثوري. والثالث: أن الفيء والغنيمة سواء وهو كل مال أخذ من المشركين ، وآية الفيء التي هي في سورة الحشر منسوخة بآية الغنيمة التي في سورة الأنفال ، قاله قتادة . وقوله تعالى: من شيء يريد جميع ما وقع عليه اسم شيء مباح حواه المسلمون من أموال المشركين. فأن لله خمسه أحدهما: أنه استفتاح كلام ، فلله الدنيا والآخرة وما فيهما ، ومعنى الكلام فأن للرسول خمسه ، قاله الحسن وعطاء وقتادة وإبراهيم والشافعي ، وروى نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فصرف ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول وإنما قوله فأن لله خمسه مفتاح كلام ، ولله ما في السماوات وما في الأرض فجعل سهم الله وسهم الرسول واحد. والثاني: أن سهم الله مستحق لبيته ، ومعناه فإن لبيت الله خمسه وللرسول، وقد روى الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى [ ص: 320 ] بالغنيمة فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل. وقوله تعالى: وللرسول فيه قولان: أحدهما: أنه مفتاح كلام اقترن بذكر الله وليس للرسول من ذلك شيء كما لم يكن لله من ذلك شيء ، وأن الخمس مقسوم على أربعة أسهم ، وهذا قول ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة. والثاني: أن ذلك للرسول وهو قول الجمهور. واختلفوا في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على خمسة أقاويل: أحدها: أنه للخليفة بعده ، قاله قتادة . والثاني: أنه لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم إرثا ، وهذا قول من جعل النبي موروثا. والثالث: أن سهم الرسول صلى الله عليه وسلم مردود على السهام الباقية ويقسم الخمس على أربعة. والرابع: أنه مصروف في مصالح المسلمين العامة ، قاله الشافعي . والخامس: أن ذلك مصروف في الكراع والسلاح ، وروي أن ذلك فعل أبي بكر وعمر ، رواه النخعي. أما قوله تعالى: ولذي القربى فاختلف فيه على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم بنو هاشم ، قاله مجاهد . والثاني: أنهم قريش كلها ، روى سعيد المقري قال: كتب نجدة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن ذي القربى ، قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: كنا نقول إننا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلها ذوو قربى.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ، قاله الشافعي والطبري. واختلفوا في سهمهم اليوم على أربعة أقاويل: [ ص: 321 ] أحدها: أنه لهم أبدا كما كان لهم من قبل ، قاله الشافعي . والثاني: أنه لقرابة الخليفة القائم بأمور الأمة. والثالث: أنه إلى الإمام يضعه حيث شاء. والرابع: أن سهمهم وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود على باقي السهام وهي ثلاثة ، قاله أبو حنيفة . وأما واليتامى فهم من اجتمعت فيهم أربعة شروط: أحدها: موت الأب وإن كانت الأم باقية ، لأن يتم الآدميين بموت الآباء دون الأمهات ويتم البهائم بموت الأمهات دون الآباء. والثاني: الصغر ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد حلم . والثالث: الإسلام لأنه مال المسلمين. والرابع: الحاجة لأنه معد للمصالح. ثم فيهم قولان: أحدهما: أنه لأيتام أهل الفيء خاصة. والثاني: أنه لجميع الأيتام. وأما والمساكين فهم الذين لا يجدون ما يكفيهم. وأما أبناء السبيل فهم المسافرون من ذوي الحاجات ، والإسلام فيهم معتبر. وهل يختص بأهل الفيء؟ على القولين. وقال مالك : الخمس موقوف على رأي الإمام فيمن يراه أحق به ، وإنما ذكرت هذه الأصناف لصدق حاجتها في وقتها. قوله عز وجل: وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وهو يوم بدر فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية