الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون

                                                                                                                                                                                                لا يفتر عنهم لا يخفف ولا ينقص، من قولهم: فترت عنه الحمى إذا سكنت عنه قليلا ونقص حرها. والمبلس: اليائس الساكت سكوت يأس من فرج. وعن الضحاك : يجعل المجرم في تابوت في نار ثم يردم عليه فيبقى فيه خالدا : لا يرى ولا يرى. "هم" فصل عند البصريين، عماد عند الكوفيين. وقرئ: (وهم فيها) أي: في النار وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما: (يا مال) بحذف الكاف للترخيم، كقول القائل [من المنسرح]:


                                                                                                                                                                                                والحق يا مال غير ما تصف



                                                                                                                                                                                                وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود قرأ (ونادوا يا مال) فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم وعن بعضهم: حسن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم [ ص: 457 ] ما هم فيه. وقرأ أبو السرار الغنوي: (يا مال) بالرفع كما يقال: يا حار ليقض علينا ربك من قضى عليه إذا أماته فوكزه موسى فقضى عليه [القصص: 15] والمعنى: سل ربك أن يقضي علينا. فإن قلت: كيف قال: ونادوا يا مالك بعد ما وصفهم بالإبلاس؟ قلت: تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة، فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم، وعلمهم أنه لا فرج لهم، ويغوثون أوقاتا لشدة ما بهم. "ماكثون" لابثون. وفيه استهزاء. والمراد: خالدون. عن ابن عباس رضي الله عنهما: إنما يجيبهم بعد ألف سنة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيقولون: ادعوا مالكا، فيدعون يا مالك ليقض علينا ربك". لقد جئناكم بالحق كلام الله عز وجل: بدليل قراءة من قرأ: (لقد جئتكم) ويجب أن يكون في قال ضمير الله عز وجل. لما سألوا مالكا أن يسأل الله تعالى القضاء عليهم: أجابهم الله بذلك. [ ص: 458 ] "كارهون" لا تقبلونه وتنفرون منه وتشمئزون منه; لأن مع الباطل الدعة، ومع الحق التعب.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية