الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 519 ] قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون

                                                                                                                                                                                                إني رسول الله إليكم جميعا : قيل : بعث كل رسول إلى قومه خاصة ، وبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى كافة الإنس ، وكافة الجن ، و “ جميعا" : نصب على الحال من إليكم .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : الذي له ملك السماوات والأرض ، ما محله؟

                                                                                                                                                                                                قلت : الأحسن أن يكون منتصبا بإضمار أعني ; وهو الذي يسمى النصب على المدح . ويجوز أن يكون جرا على الوصف ، وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله : "إليكم" إليكم جميعا ، وقوله : لا إله إلا هو : بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض ، وكذلك : يحيي ويميت ، وفي لا إله إلا هو : بيان للجملة قبلها ; لأن من ملك العالم ، كان هو الإله على الحقيقة ، وفي يحيي ويميت : بيان لاختصاصه بالإلهية ; لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره وكلماته : وما أنزل عليه ، وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : "وكلمته" على الإفراد ، وهي : "القرآن ، أو أراد جنس ما كلم به ، وعن مجاهد : أراد عيسى ابن مريم .

                                                                                                                                                                                                وقيل : هي الكلمة التي تكون منها عيسى وجميع خلقه ، وهي قوله : " كن " ، وإنما قيل : إن عيسى كلمة الله ، فخص بهذا الاسم ; لأنه لم يكن ; لكونه سبب غير الكلمة ، ولم يكن من نطفة تمنى لعلكم تهتدون : إرادة أن تهتدوا .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : هلا قيل : فآمنوا بالله وبي ، بعد قوله : إني رسول الله إليكم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : عدل من المضمر إلى الاسم الظاهر ، لتجري عليه الصفات التي أجريت عليه ، ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة ، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا الشخص المستقل بأنه النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، كائنا من كان ، أنا أو غيري ; إظهارا للنصفة ، وتفاديا من العصبية لنفسه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية