الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور

                                                                                                                                                                                                وإذ يريكموهم : الضميران مفعولان ، يعني : وإذ يبصركم إياهم ، و "قليلا" : نصب على الحال ; وإنما قللهم في أعينهم تصديقا لرؤية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدوا ويثبتوا ، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم؟ قال : ألفا ويقللكم في أعينهم : حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 587 ] فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر ، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم؟

                                                                                                                                                                                                قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيها بعده ليجترئوا عليهم ; قلة مبالاة بهم ، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ، ويهابوا ، وتفل شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم ; وذلك قوله : يرونهم مثليهم رأي العين [آل عمران : 13] ولئلا يستعدوا لهم ، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أولا وكثرتهم آخرا .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلا؟

                                                                                                                                                                                                قلت : بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير ، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين ، قيل لبعضهم : إن الأحول يرى الواحد اثنين ، وكان بين يديه ديك واحد فقال : ما لي لا أرى هذين الديكين أربعة؟

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية