الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب

                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله يعني مناسك الحج، جمع شعيرة وهي اسم ما أشعر أي جعل شعارا سمى به أعمال الحج ومواقفه لأنها علامات الحج وأعلام النسك. وقيل دين الله لقوله سبحانه وتعالى: ومن يعظم شعائر الله أي دينه. وقيل فرائضه التي حدها لعباده. ولا الشهر الحرام بالقتال فيه أو بالنسيء. ولا الهدي ما أهدي إلى الكعبة، جمع هدية كجدي في جمع جدية السرح. ولا القلائد أي ذوات القلائد من الهدي، وعطفها على الهدي للاختصاص فإنها أشرف الهدي، أو القلائد أنفسها والنهي عن إحلالها مبالغة في النهي عن التعرض للهدي، ونظيره قوله تعالى: ولا يبدين زينتهن والقلائد جمع قلادة [ ص: 114 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وهي ما قلد به الهدي من نعل أو لحاء شجر أو غيرهما ليعلم به أنه هدي فلا يتعرض له. ولا آمين البيت الحرام قاصدين لزيارته. يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا أن يثيبهم ويرضى عنهم، والجملة في موضع الحال من المستكن في آمين وليست صفة له، لأنه عامل والمختار أن اسم الفاعل الموصوف لا يعمل، وفائدته استنكار تعرض من هذا شأنه والتنبيه على المانع له. وقيل معناه يبتغون من الله رزقا بالتجارة ورضوانا بزعمهم إذ روي أن الآية نزلت عام القضية في حجاج اليمامة لما هم المسلمون أن يتعرضوا لهم بسبب أنه كان فيهم الحطيم بن شريح بن ضبيعة، وكان قد استاق سرح المدينة وعلى هذا فالآية منسوخة. وقرئ «تبتغون» على خطاب المؤمنين وإذا حللتم فاصطادوا إذن في الاصطياد بعد زوال الإحرام ولا يلزم من إرادة الإباحة هاهنا من الأمر دلالة الأمر الآتي بعد الحظر على الإباحة مطلقا. وقرئ بكسر الفاء على إلقاء حركة همزة الوصل عليها وهو ضعيف جدا. وقرئ «أحللتم» يقال حل المحرم وأحل، ولا يجرمنكم لا يحملنكم أو لا يكسبنكم. شنآن قوم شدة بغضهم وعداوتهم وهو مصدر أضيف إلى المفعول أو الفاعل. وقرأ ابن عامر وإسماعيل عن نافع وابن عياش عن عاصم بسكون النون وهو أيضا مصدر كليان أو نعت بمعنى: بغيض قوم وفعلان في النعت أكثر كعطشان وسكران. أن صدوكم عن المسجد الحرام لأن صدوكم عنه عام الحديبية. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنه شرط معترض أغنى عن جوابه لا يجرمنكم. أن تعتدوا بالانتقام، وهو ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب. ومن قرأ يجرمنكم بضم الياء جعله منقولا من المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين. وتعاونوا على البر والتقوى على العفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى. ولا تعاونوا على الإثم والعدوان للتشفي والانتقام. واتقوا الله إن الله شديد العقاب فانتقامه أشد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية