الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 611 ] (17) يقول تعالى - لما انهزم المشركون يوم بدر، وقتلهم المسلمون - فلم تقتلوهم بحولكم وقوتكم ولكن الله قتلهم حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                        وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو الله، ويناشده في نصرته،ثم خرج منه، فأخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين، فأوصلها الله إلى وجوههم، فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها، فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم، وبان فيهم الفشل والضعف، فانهزموا.

                                                                                                                                                                                                                                        يقول تعالى لنبيه: لست بقوتك - حين رميت التراب - أوصلته إلى أعينهم، وإنما أوصلناه إليهم بقوتنا واقتدارنا. وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا أي: إن الله تعالى قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين، من دون مباشرة قتال، ولكن الله أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا وثوابا جزيلا.

                                                                                                                                                                                                                                        إن الله سميع عليم يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها، فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.

                                                                                                                                                                                                                                        (18) ذلكم النصر من الله لكم وأن الله موهن كيد الكافرين أي: مضعف كل مكر وكيد يكيدون به الإسلام وأهله، وجاعل مكرهم محيقا بهم.

                                                                                                                                                                                                                                        (19) إن تستفتحوا أيها المشركون، أي: تطلبون من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين.

                                                                                                                                                                                                                                        فقد جاءكم الفتح حين أوقع الله بكم من عقابه، ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين وإن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لأنه ربما أمهلتم، ولم يعجل لكم النقمة. وإن تعودوا إلى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين نعد في نصرهم عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                        ولن تغني عنكم فئتكم أي: أعوانكم وأنصاركم، الذين تحاربون وتقاتلون، معتمدين عليهم شيئا وأن الله مع المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                        ومن كان الله معه فهو المنصور وإن كان ضعيفا قليلا عدده، وهذه المعية التي أخبر الله أنه يؤيد بها المؤمنين، تكون بحسب ما قاموا به من [ ص: 612 ] أعمال الإيمان. فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات، فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه، لما انهزم لهم راية انهزاما مستقرا ولا أديل عليهم عدوهم أبدا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية