الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون

                                                                                                                                                                                                                                        (37) يقول تعالى: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله أي: غير ممكن ولا متصور، أن يفترى هذا القرآن على الله تعالى، لأنه الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان [ ص: 712 ] بعضهم لبعض ظهيرا، وهو الكتاب الذي تكلم به رب العالمين، فكيف يقدر أحد من الخلق، أن يتكلم بمثله، أو بما يقاربه، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه؟!!.

                                                                                                                                                                                                                                        فإن كان أحد يماثل الله في عظمته، وأوصاف كماله، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير، فتقوله أحد على رب العالمين، لعاجله بالعقوبة، وبادره بالنكال.

                                                                                                                                                                                                                                        ولكن الله أنزل هذا الكتاب، رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين.

                                                                                                                                                                                                                                        أنزله تصديق الذي بين يديه من كتب الله السماوية، بأن وافقها، وصدقها بما شهدت به، وبشرت بنزوله، فوقع كما أخبرت.

                                                                                                                                                                                                                                        وتفصيل الكتاب للحلال والحرام، والأحكام الدينية والقدرية، والإخبارات الصادقة.

                                                                                                                                                                                                                                        لا ريب فيه من رب العالمين أي: لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه، بل هو الحق اليقين: تنزيل من رب العالمين الذي ربى جميع الخلق بنعمه .

                                                                                                                                                                                                                                        ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.

                                                                                                                                                                                                                                        (38) أم يقولون أي: المكذبون به عنادا وبغيا: افتراه محمد على الله، واختلقه، قل لهم -ملزما لهم بشيء- إن قدروا عليه، أمكن ما ادعوه، وإلا كان قولهم باطلا.

                                                                                                                                                                                                                                        فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين يعاونكم على الإتيان بسورة مثله، وهذا محال، ولو كان ممكنا لادعوا قدرتهم على ذلك، ولأتوا بمثله. ولكن لما بان عجزهم تبين أن ما قالوه باطل، لا حظ له من الحجة.

                                                                                                                                                                                                                                        (39) والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحق الذي لا حق فوقه، أنهم لم يحيطوا به علما.

                                                                                                                                                                                                                                        فلو أحاطوا به علما وفهموه حق فهمه، لأذعنوا بالتصديق به، وكذلك إلى الآن لم يأتهم تأويله الذي وعدهم أن ينزل بهم العذاب ويحل بهم النكال، وهذا التكذيب الصادر منهم، من جنس تكذيب من قبلهم، ولهذا قال: كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وهو الهلاك الذي لم يبق منهم أحدا.

                                                                                                                                                                                                                                        فليحذر هؤلاء، أن يستمروا على تكذيبهم، فيحل بهم ما أحل بالأمم المكذبين والقرون المهلكين.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 713 ] وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء أو رده، قبل أن يحيط به علما.

                                                                                                                                                                                                                                        (40) ومنهم من يؤمن به أي: بالقرآن وما جاء به، ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين وهم الذين لا يؤمنون به على وجه العناد والظلم والفساد، فسيجازيهم على فسادهم بأشد العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                        (41) وإن كذبوك فاستمر على دعوتك، وليس عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء، لكل عمله. فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون .

                                                                                                                                                                                                                                        كما قال تعالى: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية