الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما انقضى بيان هذا الإجمال الخالع لقلوب الرجال، أتبعه الكشف [ ص: 18 ] عما كان بعد قصة شعيب عليه السلام من قصة صهره موسى عليه السلام [مع] فرعون وقومه، وهي كالدليل على آيات الإجمال كما كانت القصص الماضية كالدليل على ما في أول السورة من الإجمال، فإن قصة فرعون مشتملة على الأخذ بالبأساء والضراء، ثم الإنعام بالرخاء والسراء، ثم الأخذ بغتة بسبب شدة الوقوف مع الضلال بعد الكشف الشافي والبيان لما على قلوبهم من الطبع وما قادت إليه الحظوظ من الفسق، وكأنه فصلها عن القصص الماضية تنويها بذكرها وتنبيها [على] علي قدرها؛ لأن معجزات صاحبها من معجزات من كان قبله، وجهل من عالجهم كان أعظم وأفحش من جهل تلك الأمم، ولذلك عطفها بأداة البعد مع قرب زمنها من التي قبلها إشارة إلى بعد رتبتها بما فيها من العجائب وما اشتملت عليه من الرغائب والغرائب، ولذلك مد لها الميدان وأطلق في سياقها للجواد العنان فقال: ثم بعثنا أي: على عظمتنا، من بعدهم أي: الرسل المذكورين والأمم المهلكين، موسى بآياتنا أي: التي يحق لها العظمة بإضافتها إلينا فثبت بها النبوة، إلى فرعون هو علم جنس لملوك مصر ككسرى لملوك فارس وقيصر لملوك الروم، وكان اسم فرعون موسى عليه السلام قابوس، وقيل: الوليد بن مصعب [بن] الريان ، وملئه أي: عظماء قومه، وخصهم [ ص: 19 ] لأنهم إذا أذعنوا أذعن من دونهم، فكأنهم المقصودون والإرسال إليهم إرسال إلى الكل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما سببت لهم الظلم قال: فظلموا أي: وقعوا في مثل الظلام حتى وضعوا الأشياء في غير مواضعها فوضعوا الإنكار موضع الإقرار، بها أي: بسبب رؤيتها خوفا على رئاستهم ومملكتهم الفانية أن تخرج من أيديهم; ولما كان ذلك من أعجب العجب، وهو أن سبب العدل يكون سبب الظلم، وكان هذا الظلم أعظم الفساد، سبب عنه قوله معجبا: فانظر أي: بعين البصيرة، كيف كان عاقبة أي: آخر أمر المفسدين فلخص في هذه الآية على وجازتها جميع قصتهم على طولها، وقدم ذكر الآيات اهتماما بها ولأنها الدليل علىصحة دعوى البعث.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية