ولما انقضى بيان هذا الإجمال الخالع لقلوب الرجال، أتبعه الكشف
[ ص: 18 ] عما كان بعد قصة
شعيب عليه السلام من قصة صهره
موسى عليه السلام [مع]
فرعون وقومه، وهي كالدليل على آيات الإجمال كما كانت القصص الماضية كالدليل على ما في أول السورة من الإجمال، فإن قصة
فرعون مشتملة على الأخذ بالبأساء والضراء، ثم الإنعام بالرخاء والسراء، ثم الأخذ بغتة بسبب شدة الوقوف مع الضلال بعد الكشف الشافي والبيان لما على قلوبهم من الطبع وما قادت إليه الحظوظ من الفسق، وكأنه فصلها عن القصص الماضية تنويها بذكرها وتنبيها [على] علي قدرها؛ لأن معجزات صاحبها من معجزات من كان قبله، وجهل من عالجهم كان أعظم وأفحش من جهل تلك الأمم، ولذلك عطفها بأداة البعد مع قرب زمنها من التي قبلها إشارة إلى بعد رتبتها بما فيها من العجائب وما اشتملت عليه من الرغائب والغرائب، ولذلك مد لها الميدان وأطلق في سياقها للجواد العنان فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=28752_30532_30539_31907_31913_32016_32516_34163_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثم بعثنا أي: على عظمتنا،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103من بعدهم أي: الرسل المذكورين والأمم المهلكين،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103موسى بآياتنا أي: التي يحق لها العظمة بإضافتها إلينا فثبت بها النبوة، إلى فرعون هو علم جنس لملوك
مصر ككسرى لملوك
فارس وقيصر لملوك
الروم، وكان اسم
فرعون موسى عليه السلام
قابوس، وقيل:
الوليد بن مصعب [بن] الريان ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103وملئه أي: عظماء قومه، وخصهم
[ ص: 19 ] لأنهم إذا أذعنوا أذعن من دونهم، فكأنهم المقصودون والإرسال إليهم إرسال إلى الكل.
ولما سببت لهم الظلم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فظلموا أي: وقعوا في مثل الظلام حتى وضعوا الأشياء في غير مواضعها فوضعوا الإنكار موضع الإقرار،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103بها أي: بسبب رؤيتها خوفا على رئاستهم ومملكتهم الفانية أن تخرج من أيديهم; ولما كان ذلك من أعجب العجب، وهو أن سبب العدل يكون سبب الظلم، وكان هذا الظلم أعظم الفساد، سبب عنه قوله معجبا:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فانظر أي: بعين البصيرة،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103كيف كان عاقبة أي: آخر أمر
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103المفسدين فلخص في هذه الآية على وجازتها جميع قصتهم على طولها، وقدم ذكر الآيات اهتماما بها ولأنها الدليل على
nindex.php?page=treesubj&link=30336صحة دعوى البعث.
وَلَمَّا انْقَضَى بَيَانُ هَذَا الْإِجْمَالِ الْخَالِعِ لِقُلُوبِ الرِّجَالِ، أَتْبَعَهُ الْكَشْفَ
[ ص: 18 ] عَمَّا كَانَ بَعْدَ قِصَّةِ
شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قِصَّةِ صِهْرِهِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [مَعَ]
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَهِيَ كَالدَّلِيلِ عَلَى آيَاتِ الْإِجْمَالِ كَمَا كَانَتِ الْقِصَصُ الْمَاضِيَةُ كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنَ الْإِجْمَالِ، فَإِنَّ قِصَّةَ
فِرْعَوْنَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَخْذِ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، ثُمَّ الْإِنْعَامِ بِالرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ، ثُمَّ الْأَخْذِ بَغْتَةً بِسَبَبِ شِدَّةِ الْوُقُوفِ مَعَ الضَّلَالِ بَعْدَ الْكَشْفِ الشَّافِي وَالْبَيَانِ لِمَا عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنَ الطَّبْعِ وَمَا قَادَتْ إِلَيْهِ الْحُظُوظُ مِنَ الْفِسْقِ، وَكَأَنَّهُ فَصَلَهَا عَنِ الْقِصَصِ الْمَاضِيَةِ تَنْوِيهًا بِذِكْرِهَا وَتَنْبِيهًا [عَلَى] عَلِيِّ قَدْرِهَا؛ لِأَنَّ مُعْجِزَاتِ صَاحِبِهَا مِنْ مُعْجِزَاتِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَجَهْلِ مَنْ عَالَجَهُمْ كَانَ أَعْظَمَ وَأَفْحَشَ مِنْ جَهْلِ تِلْكَ الْأُمَمِ، وَلِذَلِكَ عَطَفَهَا بِأَدَاةِ الْبُعْدِ مَعَ قُرْبِ زَمَنِهَا مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا إِشَارَةً إِلَى بُعْدِ رُتْبَتِهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الرَّغَائِبِ وَالْغَرَائِبِ، وَلِذَلِكَ مَدَّ لَهَا الْمَيْدَانَ وَأَطْلَقَ فِي سِيَاقِهَا لِلْجَوَادِ الْعِنَانَ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=28752_30532_30539_31907_31913_32016_32516_34163_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثُمَّ بَعَثْنَا أَيْ: عَلَى عَظَمَتِنَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103مِنْ بَعْدِهِمْ أَيِ: الرُّسُلِ الْمَذْكُورِينَ وَالْأُمَمِ الْمُهْلَكِينَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103مُوسَى بِآيَاتِنَا أَيِ: الَّتِي يَحِقُّ لَهَا الْعَظَمَةُ بِإِضَافَتِهَا إِلَيْنَا فَثَبَتَ بِهَا النُّبُوَّةُ، إِلَى فِرْعَوْنَ هُوَ عَلَمُ جِنْسٍ لِمُلُوكِ
مِصْرَ كَكِسْرَى لِمُلُوكِ
فَارِسَ وَقَيْصَرَ لِمُلُوكِ
الرُّومِ، وَكَانَ اسْمُ
فِرْعَوْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَابُوسَ، وَقِيلَ:
الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ [بْنِ] الرَّيَّانِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103وَمَلَئِهِ أَيْ: عُظَمَاءِ قَوْمِهِ، وَخَصَّهُمْ
[ ص: 19 ] لِأَنَّهُمْ إِذَا أَذْعَنُوا أَذْعَنَ مَنْ دُونَهُمْ، فَكَأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُونَ وَالْإِرْسَالُ إِلَيْهِمْ إِرْسَالٌ إِلَى الْكُلِّ.
وَلَمَّا سَبَّبَتْ لَهُمُ الظُّلَمُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فَظَلَمُوا أَيْ: وَقَعُوا فِي مِثْلِ الظَّلَامِ حَتَّى وَضَعُوا الْأَشْيَاءَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا فَوَضَعُوا الْإِنْكَارَ مَوْضِعَ الْإِقْرَارِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103بِهَا أَيْ: بِسَبَبِ رُؤْيَتِهَا خَوْفًا عَلَى رِئَاسَتِهِمْ وَمَمْلَكَتِهِمُ الْفَانِيَةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ; وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ، وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْعَدْلِ يَكُونُ سَبَبَ الظُّلْمِ، وَكَانَ هَذَا الظُّلْمُ أَعْظَمَ الْفَسَادِ، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ مُعَجِّبًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فَانْظُرْ أَيْ: بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ أَيْ: آخِرُ أَمْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103الْمُفْسِدِينَ فَلَخَّصَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وَجَازَتِهَا جَمِيعَ قِصَّتِهِمْ عَلَى طُولِهَا، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْآيَاتِ اهْتِمَامًا بِهَا وَلِأَنَّهَا الدَّلِيلُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30336صِحَّةِ دَعْوَى الْبَعْثِ.