ولما حذر الناس من ذلك اليوم، وأخبر أن منهم من يكذب، وعرف بمآله، فأفهم ذلك أن منهم من يصدق به فيكون له ضد حاله، وكان كثير من المصدقين يعملون عمل المكذبين، أقبل عليهم سبحانه إقبالا ثانيا رحمة لهم، منبها على أنه ينبغي أن لا يكون عندهم نوع من الشك في ذلك اليوم لما عليه من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، فقال دالا عليه بالأمرين:
nindex.php?page=treesubj&link=28902_30340_32405_32446_32688_34092_34103_34252_34255_34263_34509_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يا أيها الناس أي كافة، ويجوز أن يراد المنكر فقط، وعبر بالناس الذي هو من أسفل الأوصاف لذلك، وإشارة إلى أن المنكر والعامل عمله - وإن كان مصدقا - هم أكثر الناس، وعبر بأداة الشك إشارة إلى أن الذي يقتضيه الحال جزمهم به فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إن وبين أنه ما
[ ص: 9 ] عبر به إلا للتوبيخ، لا للشك في أمرهم، بجعل الشرط ماضيا، ودل ب "كان" وبالظرف على ما تمكن الريب منهم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5كنتم في ريب أي شك وتهمة وحاجة إلى البيان
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5من البعث وهو
nindex.php?page=treesubj&link=30335قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتها سواء، استعظاما لأن نقدر عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فإنا خلقناكم بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5من تراب لم يسبق له اتصاف بالحياة
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم من نطفة حالها أبعد شيء عن حال التراب، فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=6من ماء دافق وأصلها الماء القليل - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي . وأصل النطف الصب - قاله
البيضاوي .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم من علقة أي قطعة دم حمراء جامدة، ليس فيها أهلية للسيلان
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم من مضغة أي قطعة لحم صغيرة جدا تطورت إليها النطفة
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مخلقة بخلقة الآدمي التمام
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وغير مخلقة أي أنشأناكم من تراب يكون هذا شأنه، وهو أنا ننقله في هذه الأطوار إلى أن يصير مضغة، فتارة يخلقها ويكون منها آدميا، وتارة لا يخلقها بل يخرجها من الرحم فاسدة، أو تحرقها حرارته، أو غير مخلقة تخليقا تاما بل ناقصا مع وجود الروح كشق الذي كان شق آدمي، وسطيح الذي كان علوا بلا سفل ونحوهما
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لنبين لكم كمال قدرتنا، وتمام حكمتنا، وأن
[ ص: 10 ] ذلك ليس كائنا عن الطبيعة، لأنه لو كان عنها لم يختلف، فدل اختلافه على أنه عن فاعل مختار، قادر قهار، وحذف المفعول إشارة إلى أنه يدخل فيه كل ما يمكن أن يحيط به العقول.
ولما كان التقدير: فنجهض منه ما لا نشاء إتمامه، عطف عليه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ونقر في الأرحام أي من ذلك الذي خلقناه
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ما نشاء إتمامه
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إلى أجل مسمى قدرناه لإتمامه ما بين ستة أشهر إلى ما نريد من الزيادة على ذلك، بحسب قوة الأرحام وضعفها، وقوة المخلقات وضعفها وكثرة ما تغتذيه من الدماء وقلته، وزكائه وخبثه، إلى غير ذلك من أحوال وشؤون لا يعلمها إلا بارئها، جلت قدرته، وتعالت عظمته، وأما ما لم نشأ إتمامه فإن الأرحام تمجه بقدرتنا وتلقيه دون التمام أو تحرقه فيضمحل
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم نخرجكم بعد ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5طفلا أي في حال الطفولة من صغر الجثة وضعف البدن والسمع والبصر وجميع الحواس، لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم، وعظم أجسامكم، وهو يقع على الجمع، وعبر به دونه للتساوي في ضعف الظاهر والباطن.
ولما ذكر أضعف الضعف ذكر أقوى القوة عاطفا له
[ ص: 11 ] عليه لما بينهما من المهلة بأداة التراخي فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم أي نمد أجلكم
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لتبلغوا بالانتقال في أسنان الأجسام فيما بين الرضاع، إلى حال اليفاع، إلى زمان الاحتلام، وقوة الشباب والتمام
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5أشدكم أي نهاية كل شدة قدرناها لكل واحد منكم
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ومنكم من يتوفى قبل ما بعد ذلك من سن الشيخوخة
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ومنكم من يرد بالشيخوخة، وبناه للمجهول إشارة إلى سهولته عليه مع استبعاده لولا تكرر المشاهدة عند الناظر لتلك القوة والنشاط وحسن التواصل بين أعضائه والارتباط
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إلى أرذل العمر وهو سن الهرم فينقص جميع قواه
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لكيلا يعلم
ولما كان السياق للقدرة على البعث الذي هو التحويل من حال الجمادية إلى ضده بغاية السرعة، أثبت "من" الابتدائية للدلالة على قرب زمن الجهل من زمن العلم، فربما بات الإنسان في غاية الاستحضار لما يعلم والحذق فيه فعاد في صبيحة ليلته أو بعد أيام يسيرة جدا من غير كبير تدريج لا يعلم شيئا، وأفهم إسقاط حرف الانتهاء أنه ربما عاد إليه علمه، وربما اتصل جهله بالموت بخلاف ما مضى في النحل فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5من بعد علم كان أوتيه
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5شيئا بل يصير كما كان طفلا في ضعف الجواهر والأعراض، لتعلموا أن ذلك كله فعل الإله الواحد المختار، وأنه لو كان فعل الطبيعة لازداد بطول البقاء نموا في جميع ذلك، وقد علم - بعود الإنسان في ذهاب العلم وصغر الجسم إلى نحو
[ ص: 12 ] ما كان عليه في ابتداء الخلق - قطعا أن الذي أعاده إلى ذلك قادر على إعادته بعد الممات، والكون على حال الرفات.
ولما تم هذا الدليل على الساعة محكم المقدمات واضح النتائج، وكان أول الإيجاد فيه غير مشاهد فعبر عنه بما يليق به، أتبعه دليلا آخر محسوسا، وعطفه على ما أرشد إليه التقدير من نحو قوله: تجدون أيها الناس ما ذكرناه في أنفسكم، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وترى فعبر بالرؤية
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5الأرض ولما كان في سياق البعث، عبر بما هو أقرب إلى الموت فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5هامدة أي يابسة مطمئنة ساكنة سكون الميت ليس بها شيء من نبت، ولعله أفرد الضمير توجيها إلى كل من يصلح أن يخاطب بذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فإذا أي فننزل عليها ماء من مكان لا يوجد فيه ثم ينزل منه إلا بقدرة عظيمة وقهر باهر، فإذا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5أنـزلنا بما لنا من العظمة
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5عليها الماء اهتزت أي تحركت بنجوم النبات اهتزاز الحي، وتأهلت لإخراجه; قال
الرازي : والاهتزاز: شدة الحركة في الجهات المختلفة.
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وربت أي انتفخت، وذلك أول ما يظهر منها للعين وزادت ونمت بما يخرج منها من النبات الناشئ عن التراب والماء
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وأنبتت بتقديرنا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5من كل زوج أي صنف عادلناه بصنف
[ ص: 13 ] آخر جعلناه تمام نفعه به
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5بهيج أي مؤنق من أشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها، ومنافعها ومقاديرها رائقة المناظر، لائقة في العيون والبصائر، قال
الرازي : فكما أن النبات يتوجه من نقص إلى كمال ، فكذلك الآدمي يترقى من نقص إلى كمال، ففي المعاد يصل إلى كماله الذي أعد له من البقاء والغنى والعلم والصفاء والخلود، أي السعيد منه في دار السلام مبرأ عن عوارض هذا العالم - انتهى.
وَلَمَّا حَذَّرَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُكَذِّبُ، وَعَرَّفَ بِمَآلِهِ، فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُصَدِّقُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ ضِدُّ حَالِهِ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ يَعْمَلُونَ عَمَلَ الْمُكَذِّبِينَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ إِقْبَالًا ثَانِيًا رَحْمَةً لَهُمْ، مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُمْ نَوْعٌ مِنَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ دَالًّا عَلَيْهِ بِالْأَمْرَيْنِ:
nindex.php?page=treesubj&link=28902_30340_32405_32446_32688_34092_34103_34252_34255_34263_34509_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيْ كَافَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْمُنْكَرُ فَقَطْ، وَعَبَّرَ بِالنَّاسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَسْفَلِ الْأَوْصَافِ لِذَلِكَ، وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُنْكَرَ وَالْعَامِلَ عَمَلَهُ - وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا - هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَعَبَّرَ بِأَدَاةِ الشَّكِّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَالُ جَزْمُهُمْ بِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إِنْ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا
[ ص: 9 ] عَبَّرَ بِهِ إِلَّا لِلتَّوْبِيخِ، لَا لِلشَّكِّ فِي أَمْرِهِمْ، بِجَعْلِ الشَّرْطِ مَاضِيًا، وَدَلَّ بِ "كَانَ" وَبِالظَّرْفِ عَلَى مَا تَمَكَّنَ الرَّيْبُ مِنْهُمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أَيْ شَكٍّ وَتُهْمَةٍ وَحَاجَةٍ إِلَى الْبَيَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مِنَ الْبَعْثِ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30335قِيَامُ الْأَجْسَامِ بِأَرْوَاحِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ مَمَاتِهَا سَوَاءً، اسْتِعْظَامًا لِأَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ بِقُدْرَتِنَا الَّتِي لَا يَتَعَاظَمُهَا شَيْءٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مِنْ تُرَابٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ اتِّصَافٌ بِالْحَيَاةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ حَالُهَا أَبَعَدُ شَيْءٍ عَنْ حَالِ التُّرَابِ، فَإِنَّهَا بَيْضَاءُ سَائِلَةٌ لَزِجَةٌ صَافِيَةٌ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=6مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ وَأَصْلُهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ - قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيُّ . وَأَصْلُ النُّطَفِ الصَّبُّ - قَالَهُ
الْبَيْضَاوِيُّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أَيْ قِطْعَةِ دَمٍ حَمْرَاءَ جَامِدَةٍ، لَيْسَ فِيهَا أَهْلِيَّةٌ لِلسَّيَلَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ أَيْ قِطْعَةِ لَحْمٍ صَغِيرَةٍ جِدًّا تَطَوَّرَتْ إِلَيْهَا النُّطْفَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مُخَلَّقَةٍ بِخِلْقَةِ الْآدَمِيِّ التَّمَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أَيْ أَنْشَأْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ يَكُونُ هَذَا شَأْنَهُ، وَهُوَ أَنَّا نَنْقُلُهُ فِي هَذِهِ الْأَطْوَارِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ مُضْغَةً، فَتَارَةً يَخْلُقُهَا وَيَكُونُ مِنْهَا آدِمِيًّا، وَتَارَةً لَا يَخْلُقُهَا بَلْ يُخْرِجُهَا مِنَ الرَّحِمِ فَاسِدَةً، أَوْ تُحْرِقُهَا حَرَارَتُهُ، أَوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ تَخْلِيقًا تَامًّا بَلْ نَاقِصًا مَعَ وُجُودِ الرُّوحِ كَشِقِّ الَّذِي كَانَ شِقَّ آدَمِيٍّ، وَسَطِيحٍ الَّذِي كَانَ عُلْوًا بِلَا سُفْلٍ وَنَحْوِهِمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِنُبَيِّنَ لَكُمْ كَمَالَ قُدْرَتِنَا، وَتَمَامَ حِكْمَتِنَا، وَأَنَّ
[ ص: 10 ] ذَلِكَ لَيْسَ كَائِنًا عَنِ الطَّبِيعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهَا لَمْ يَخْتَلِفْ، فَدَلَّ اخْتِلَافُهُ عَلَى أَنَّهُ عَنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، قَادِرٍ قَهَّارٍ، وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُحِيطَ بِهِ الْعُقُولُ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: فَنُجْهِضُ مِنْهُ مَا لَا نَشَاءُ إِتْمَامَهُ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي خَلَقْنَاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مَا نَشَاءُ إِتْمَامَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدَّرْنَاهُ لِإِتْمَامِهِ مَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَى مَا نُرِيدُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، بِحَسِبِ قُوَّةِ الْأَرْحَامِ وَضَعْفِهَا، وَقُوَّةِ الْمُخَلَّقَاتِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَةِ مَا تَغْتَذِيهِ مِنَ الدِّمَاءِ وَقِلَّتِهِ، وَزَكَائِهِ وَخُبْثِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالٍ وَشُؤُونٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا بَارِئُهَا، جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَتَعَالَتْ عَظَمَتُهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ نَشَأْ إِتْمَامَهُ فَإِنَّ الْأَرْحَامَ تَمُجُّهُ بِقُدْرَتِنَا وَتُلْقِيهِ دُونَ التَّمَامِ أَوْ تُحْرِقُهُ فَيَضْمَحِلُّ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5طِفْلا أَيْ فِي حَالِ الطُّفُولَةِ مِنْ صِغَرِ الْجُثَّةِ وَضَعْفِ الْبَدَنِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَجَمِيعِ الْحَوَاسِّ، لِئَلَّا تُهْلِكُوا أُمَّهَاتِكُمْ بِكِبَرِ أَجْرَامِكُمْ، وَعِظَمِ أَجْسَامِكُمْ، وَهُوَ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ، وَعَبَّرَ بِهِ دُونَهُ لِلتَّسَاوِي فِي ضَعْفِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ أَضْعَفَ الضَّعْفِ ذَكَرَ أَقْوَى الْقُوَّةِ عَاطِفًا لَهُ
[ ص: 11 ] عَلَيْهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُهْلَةِ بِأَدَاةِ التَّرَاخِي فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ أَيْ نَمُدُّ أَجْلَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِتَبْلُغُوا بِالِانْتِقَالِ فِي أَسْنَانِ الْأَجْسَامِ فِيمَا بَيْنَ الرَّضَاعِ، إِلَى حَالِ الْيَفَاعِ، إِلَى زَمَانِ الِاحْتِلَامِ، وَقُوَّةِ الشَّبَابِ وَالتَّمَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5أَشُدَّكُمْ أَيْ نِهَايَةَ كُلِّ شِدَّةٍ قَدَّرْنَاهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى قَبْلَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ بِالشَّيْخُوخَةِ، وَبَنَاهُ لِلْمَجْهُولِ إِشَارَةً إِلَى سُهُولَتِهِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِبْعَادِهِ لَوْلَا تَكَرُّرُ الْمُشَاهَدَةِ عِنْدَ النَّاظِرِ لِتِلْكَ الْقُوَّةِ وَالنَّشَاطِ وَحُسْنِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ أَعْضَائِهِ وَالِارْتِبَاطِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَهُوَ سِنُّ الْهَرَمِ فَيَنْقُصُ جَمِيعُ قُوَاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِكَيْلا يَعْلَمَ
وَلَمَّا كَانَ السِّيَاقُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ الَّذِي هُوَ التَّحْوِيلُ مِنْ حَالِ الْجَمَادِيَّةِ إِلَى ضِدِّهِ بِغَايَةِ السُّرْعَةِ، أَثْبَتَ "مِنْ" الِابْتِدَائِيَّةَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُرْبِ زَمَنِ الْجَهْلِ مِنْ زَمَنِ الْعِلْمِ، فَرُبَّمَا بَاتَ الْإِنْسَانُ فِي غَايَةِ الِاسْتِحْضَارِ لِمَا يَعْلَمُ وَالْحِذْقِ فِيهِ فَعَادَ فِي صَبِيحَةِ لَيْلَتِهِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ تَدْرِيجٍ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، وَأَفْهَمَ إِسْقَاطُ حَرْفِ الِانْتِهَاءِ أَنَّهُ رُبَّمَا عَادَ إِلَيْهِ عِلْمُهُ، وَرُبَّمَا اتَّصَلَ جَهْلُهُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا مَضَى فِي النَّحْلِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ كَانَ أُوتِيَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5شَيْئًا بَلْ يَصِيرُ كَمَا كَانَ طِفْلًا فِي ضِعْفِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِعْلُ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ الْمُخْتَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِعْلَ الطَّبِيعَةِ لَازْدَادَ بِطُولِ الْبَقَاءِ نُمُوًّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَدْ عُلِمَ - بِعَوْدِ الْإِنْسَانِ فِي ذَهَابِ الْعِلْمِ وَصِغَرِ الْجِسْمِ إِلَى نَحْوِ
[ ص: 12 ] مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ - قَطْعًا أَنَّ الَّذِي أَعَادَهُ إِلَى ذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَالْكَوْنِ عَلَى حَالِ الرُّفَاتِ.
وَلَمَّا تَمَّ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى السَّاعَةِ مُحْكَمَ الْمُقَدِّمَاتِ وَاضِحَ النَّتَائِجِ، وَكَانَ أَوَّلُ الْإِيجَادِ فِيهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، أَتْبَعَهُ دَلِيلًا آخَرَ مَحْسُوسًا، وَعَطَفَهُ عَلَى مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ التَّقْدِيرُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: تَجِدُونَ أَيُّهَا النَّاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَتَرَى فَعَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5الأَرْضَ وَلَمَّا كَانَ فِي سِيَاقِ الْبَعْثِ، عَبَّرَ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَوْتِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5هَامِدَةً أَيْ يَابِسَةً مُطْمَئِنَّةً سَاكِنَةً سُكُونَ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ نَبْتٍ، وَلَعَلَّهُ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ تَوْجِيهًا إِلَى كُلِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُخَاطَبَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فَإِذَا أَيْ فَنُنْزِلُ عَلَيْهَا مَاءً مِنْ مَكَانٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْهُ إِلَّا بِقُدْرَةٍ عَظِيمَةٍ وَقَهْرٍ بَاهِرٍ، فَإِذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5أَنْـزَلْنَا بِمَا لَنَا مِنَ الْعَظَمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ أَيْ تَحَرَّكَتْ بِنُجُومِ النَّبَاتِ اهْتِزَازَ الْحَيِّ، وَتَأَهَّلَتْ لِإِخْرَاجِهِ; قَالَ
الرَّازِي : وَالِاهْتِزَازُ: شِدَّةُ الْحَرَكَةِ فِي الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَرَبَتْ أَيِ انْتَفَخَتْ، وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا يَظْهَرُ مِنْهَا لِلْعَيْنِ وَزَادَتْ وَنَمَتْ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ النَّبَاتِ النَّاشِئِ عَنِ التُّرَابِ وَالْمَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَأَنْبَتَتْ بِتَقْدِيرِنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أَيْ صِنْفٍ عَادَلْنَاهُ بِصِنْفٍ
[ ص: 13 ] آخَرَ جَعَلْنَاهُ تَمَامَ نَفْعِهِ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5بَهِيجٍ أَيْ مُؤْنِقٍ مِنْ أَشْتَاتِ النَّبَاتَاتِ فِي اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا وَطَعُومِهَا، وَرَوَائِحِهَا وَأَشْكَالِهَا، وَمَنَافِعِهَا وَمَقَادِيرِهَا رَائِقَةُ الْمَنَاظِرِ، لَائِقَةُ فِي الْعُيُونِ وَالْبَصَائِرِ، قَالَ
الرَّازِي : فَكَمَا أَنَّ النَّبَاتَ يَتَوَجَّهُ مِنْ نَقْصٍ إِلَى كَمَالٍ ، فَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّ يَتَرَقَّى مِنْ نَقْصٍ إِلَى كَمَالٍ، فَفِي الْمَعَادِ يَصِلُ إِلَى كَمَالِهِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْغِنَى وَالْعِلْمِ وَالصَّفَاءِ وَالْخُلُودِ، أَيِ السَّعِيدُ مِنْهُ فِي دَارِ السَّلَامِ مُبَرَّأٌ عَنْ عَوَارِضِ هَذَا الْعَالَمِ - انْتَهَى.