ولما كان كون الثمار بهذه الصفة دالا [ على -] كثرة الري، وكثرة الري دالة على المشرب، وكانت من مفردات اللفظ عامة المعنى، فكان قد أفرد الضمائر باعتبار لفظها تنصيصا على كل فرد فرد جمع باعتبار المعنى إعلاما باشتراك جميع أهلها في النعم حال الانفراد والاجتماع فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30495_30531_29040nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24كلوا واشربوا [ أي -] مولى لهم ذلك إشارة إلى أن ذلك لا مانع منه وإلى أنهم يؤمرون به صريحا دلالة على رضا صاحب الجنة [ لئلا -] يتنغص عليهم عيشهم بنوع من الأنواع الموهمة للخطر، وحذف المفعول إيذانا بالتعميم لئلا يظن أنه يستثني منها شيء فيكون سبب الفتنة كما وقع لآدم صلوات الله وسلامه عليه.
ولما كان المآكل والمشارب في هذه الدار تورث التخم والأمراض وفيها ما لا يلذ، وكان ما وقع لأبينا [
آدم -] وأمنا
حواء عليهما
[ ص: 365 ] الصلاة والسلام على أكلة واحدة من وخامة العاقبة معروفا، قال مؤمنا من ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24هنيئا أي أكلا طيبا لذيذا شهيا مع البعد عن كل أذى وسلامة العاقبة بكل اعتبار ولا فضلة هناك من بول ولا غائط ولا بصاق ولا مخاط ولا قرف ولا قذر ولا وهن ولا صداع ولا ثقل ولا شيء مؤذ.
ولما شوق إلى المسببات حملهم على أسبابهم وحضهم على المسابقة في تحصيلها والمثابرة [ والمداومة -] على الاستكثار منها; فقال زيادة في لذتهم بأن ذلك على وجه العوض لا امتنان عليهم في شيء منه لأحد من الخلق، فإن أحب ما إلى الإنسان أن يأكل مما أفادته يمينه وحصله بعمله مع ما في ذلك من الشرف:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24بما أسلفتم أي أعطيتم من أنفسكم لآخرتكم طوعا من الأعمال الصالحة وبما تركتم من الدنيا مما هو سافل بالنسبة إلى ما عوضتم عنه من أعمال القلب والبدن والمال
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24في الأيام ولما كان سبحانه قد ضمن كل ما يشتغل به الإنسان من مصالح دنياه فهو واصل إليه لا محالة وإن فرغ أوقاته كلها لعبادة ربه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24الخالية أي الماضية في الدنيا التي انقضت [ وذهبت -] واسترحتم من تعبها والتي لا شاغل فيها عن العبادة. إما بترك الاشتغال بالمعاش للواصل إلى درجة التوكل، وإما بالسعي على وجه الاقتصاد بقصد المساعدة للعباد
[ ص: 366 ] في أمور هذه الدار والإفضال عليهم وأن لا يكون كلا عليهم من غير اعتماد على السعي بل امتثالا للأمر مع القناعة بالكفاف.
وَلَمَّا كَانَ كَوْنُ الثِّمَارِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ دَالًّا [ عَلَى -] كَثْرَةِ الرَّيِّ، وَكَثْرَةِ الرَّيِّ دَالَّةٌ عَلَى الْمَشْرَبِ، وَكَانَتْ مِنْ مُفْرَدَاتِ اللَّفْظِ عَامَّةَ الْمَعْنَى، فَكَانَ قَدْ أَفْرَدَ الضَّمَائِرَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهَا تَنْصِيصًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ جُمِعَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى إِعْلَامًا بِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ أَهْلِهَا فِي النِّعَمِ حَالَ الِانْفِرَادِ وَالِاجْتِمَاعِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30495_30531_29040nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24كُلُوا وَاشْرَبُوا [ أَيْ -] مَوْلًى لَهُمْ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَإِلَى أَنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِهِ صَرِيحًا دَلَالَةً عَلَى رِضَا صَاحِبِ الْجَنَّةِ [ لِئَلَّا -] يَتَنَغَّصَ عَلَيْهِمْ عَيْشُهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمُوَهَّمَةِ لِلْخَطَرِ، وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ إِيذَانًا بِالتَّعْمِيمِ لِئَلَّا يَظُنُّ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي مِنْهَا شَيْءٌ فَيَكُونُ سَبَبُ الْفِتْنَةِ كَمَا وَقَعَ لِآدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَآكِلُ وَالْمَشَارِبُ فِي هَذِهِ الدَّارِ تُورِثُ التُّخَمَ وَالْأَمْرَاضَ وَفِيهَا مَا لَا يَلَذُّ، وَكَانَ مَا وَقَعَ لِأَبِينَا [
آدَمَ -] وَأُمِّنَا
حَوَّاءَ عَلَيْهِمَا
[ ص: 365 ] الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَخَامَةِ الْعَاقِبَةِ مَعْرُوفًا، قَالَ مُؤْمِنًا مِنْ ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24هَنِيئًا أَيْ أَكْلًا طَيِّبًا لَذِيذًا شَهِيًّا مَعَ الْبُعْدِ عَنْ كُلِّ أَذًى وَسَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ وَلَا فَضْلَةَ هُنَاكَ مِنْ بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَا بُصَاقٍ وَلَا مُخَاطٍ وَلَا قَرَفٍ وَلَا قَذِرٍ وَلَا وَهَنٍ وَلَا صُدَاعٍ وَلَا ثِقَلٍ وَلَا شَيْءٍ مُؤْذٍ.
وَلَمَّا شَوَّقَ إِلَى الْمُسَبِّبَاتِ حَمَلَهُمْ عَلَى أَسْبَابِهِمْ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْمُسَابَقَةِ فِي تَحْصِيلِهَا وَالْمُثَابَرَةِ [ وَالْمُدَاوَمَةِ -] عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا; فَقَالَ زِيَادَةً فِي لَذَّتِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ لَا امْتِنَانَ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلٍقِ، فَإِنْ أَحَبَّ مَا إِلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا أَفَادَتْهُ يَمِينُهُ وَحَصَّلَهُ بِعَمَلِهِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّرَفِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24بِمَا أَسْلَفْتُمْ أَيْ أَعْطَيْتُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ طَوْعًا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَبِمَا تَرَكْتُمْ مِنَ الدُّنْيَا مِمَّا هُوَ سَافِلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَوَّضْتُمْ عَنْهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24فِي الأَيَّامِ وَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمَّنَ كُلَّ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ مَصَالِحَ دُنْيَاهُ فَهُوَ وَاصِلٌ إِلَيْهِ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ فَرَّغَ أَوْقَاتَهُ كُلَّهَا لِعِبَادَةِ رَبِّهِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=24الْخَالِيَةِ أَيِ الْمَاضِيَةِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي انْقَضَتْ [ وَذَهَبَتْ -] وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْ تَعَبِهَا وَالَّتِي لَا شَاغِلَ فِيهَا عَنِ الْعِبَادَةِ. إِمَّا بِتَرْكِ الِاشْتِغَالِ بِالْمَعَاشِ لِلْوَاصِلِ إِلَى دَرَجَةِ التَّوَكُّلِ، وَإِمَّا بِالسَّعْيِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِصَادِ بِقَصْدِ الْمُسَاعَدَةِ لِلْعِبَادِ
[ ص: 366 ] فِي أُمُورِ هَذِهِ الدَّارِ وَالْإِفْضَالِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يَكُونَ كُلًّا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى السَّعْيِ بَلِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ مَعَ الْقَنَاعَةِ بِالْكَفَافِ.