الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 98 ] وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا . وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا . وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ما أسألكم عليه أي : على القرآن وتبليغ الوحي من أجر وهذا توكيد لصدقه ، لأنه لو سألهم شيئا من أموالهم لاتهموه ، إلا من شاء معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بإنفاق ماله في مرضاته ، فعل ذلك ، فكأنه قال : لا أسألكم لنفسي . وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه [آل عمران : 159 ، البقرة : 30 ، الأعراف : 54] إلى قوله : فاسأل به خبيرا ، و " به " بمعنى : " عنه " ، قال [علقمة بن عبدة] :

                                                                                                                                                                                                                                      فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هاء " به " ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها ترجع إلى الله عز وجل . والثاني : إلى اسمه الرحمن ، لأنهم قالوا : لا نعرف الرحمن . والثالث : إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي " الخبير " أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه جبريل ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الله عز وجل ، والمعنى: [ ص: 99 ] سلني فأنا الخبير ، قاله مجاهد . والثالث : [أنه] القرآن ، قاله شمر . والرابع : مسلمة أهل الكتاب ، قاله أبو سليمان ، وهذا يخرج على قولهم : لا نعرف الرحمن ، فقيل : سلوا مسلمة أهل الكتاب ، فإن الله تعالى خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن ، فعلى هذا ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإذا قيل لهم يعني كفار مكة اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن قال المفسرون : إنهم قالوا : لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى ، أنسجد لما تأمرنا وقرأ حمزة ، والكسائي : " يأمرنا " بالياء ، أي : لما يأمرنا به محمد ، وهذا استفهام إنكار ، ومعناه : لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له ، وزادهم ذكر الرحمن نفورا أي : تباعدا من الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية