الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [20] فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين

                                                                                                                                                                                                                                      فوسوس لهما الشيطان " أي: إبليس بأكل الشجرة مخيلا لهما النفع ليبدي لهما " أي: يظهر لهما ما ووري " أي: ستر عنهما من سوآتهما " أي: عوراتهما واللام في ليبدي " إما للعاقبة، لأنه لم يعلم صدوره منهما، أي: فكان عاقبة وسوسته أن أظهر سوآتهما، أو للتعليل والغرض، وهو الأصل فيها، بناء على حدسه أو علمه بطريق ما.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      في الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه مستهجن في الطباع، ولذلك سميت سوأة، لأنه يسوء صاحبها..

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2640 ] قال الحاكم : وقد استدل قوم بالآية على وجوب ستر العورة، وأنه كان في شريعة آدم عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      قال القاضي : لا دليل في الآية على الوجوب، لأنه ليس فيها إلا أنهما فعلا ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الأصم : في الآية دليل على أنهما كرها التعري، وإن لم يكن لهما ثالث، ففي ذلك دليل على قبح التعري، وإن لم يكن مع المتعري أحد، إلا لحاجة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا أي: إلا كراهة أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين أي: من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد استدل بهذا من رأى تفضيل الملائكة على الأنبياء، لارتكابهما ذلك طمعا في نيل ما ذكر، وأجاب، من لم ير هذا، باحتمال أن تكون هذه الواقعة قبل نبوة آدم . ولئن كانت بعدها، فلعل آدم رغب في الملكية للقوة والشدة والقدرة، أو لخلقة الذات، بأن يصير جوهرا نورانيا -أشار له الرازي -.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الناصر : لا يلزم من اعتقاد إبليس لذلك ووسوسته بأن الملائكة أفضل، أن يكون الأمر كذلك في علمه تعالى، ألا ترى إبليس قد أخبر أن الله تعالى منعهما من الشجرة حتى لا يخلدا أو لا يكونا ملكين، وهو في ذلك كاذب مبطل فلا دليل فيه إذا، وليس في الآية ما يوجب تقرير الله تعالى لإبليس على ذلك، ولا تصديقه فيه، بل ختمت الآية بما يدل على أنه كذب لهما وغرهما، إذ قال الله تعالى: فدلاهما بغرور " فلعل تفضيله الملائكة على النبوة من جملة غروره -انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال السيوطي في (الإكليل): وأنا أقول: لا أزال أتعجب ممن أخذ يستدل من هذه الآية. والكلام الذي فيها، حكاه الله تعالى عن قول إبليس في معرض المناداة عليه بالكذب والغرور والزور والتدليس، وإنما يستدل من كلامه تعالى، أو من كلام حكاه عن بعض أنبيائه. وإن لم يكن ذلك، فكلام حكاه راضيا به مقرا له -انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      على أنه قرئ (ملكين) بكسر اللام، كان يقرؤها كذلك ابن عباس ويحيى بن أبي [ ص: 2641 ] كثير . قال الواحدي : إنما أتاهما إبليس من جهة الملك. ويدل على هذا قوله تعالى: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      والقراءة الشاذة قد تكون تفسيرا للمتواترة، كما لا يخفى، وبه يندفع ما للرازي هنا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية