الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : فآذوهما أمر بالأذى مطلقا ، ولم يذكر صفته ولا قدره . ولفظ الأذى يستعمل في الأقوال كثيرا . كقوله : لن يضروكم إلا أذى والإعراض هو الإمساك عن الإيذاء . فالمذنب لا يزال يؤذي وينهى ويوبخ إلا أن يتوب . وأدنى ذلك هجره . فلا يكلم بالكلام الطيب . وهذه محكمة فمن أتى الفاحشة وجب إيذاؤه بالكلام الزاجر إلى أن يتوب . وليس ذلك محدودا بقدر ولا صفة . إلا ما يكون زاجرا له داعيا إلى حصول المقصود ، وهو توبته وصلاحه . وعلقه تعالى على التوبة والإصلاح ، فإذا لم يوجدا ، فلا يجوز أن يكون الأمر بالإعراض موجودا . فأما من تاب بترك الفاحشة ولم يصلح ، فتنازعوا : هل من شرط التوبة صلاح العمل ؟ على قولين . وهذه تشبه قوله : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فعلق تخلية سبيلهم على التوبة والعمل الصالح . مع أنهم إذا تكلموا بالشهادتين وجب الكف عنهم . ثم إن صلوا وزكوا ، وإلا عوقبوا على ترك الفعل . لأن الشارع في التوبة شرع الكف عن أذاه . ويكون الأمر فيه موقوفا على التمام . وكذلك التائب من الفاحشة . وهذه الآية مما يستدل به على التعزير بالأذى . والأذى ، وإن كان كثيرا يستعمل في الكلام ، فليس مختصا به . كقوله لمن بصق في القبلة : « إنك قد آذيت الله [ ص: 4435 ] ورسوله » ، وكذا قوله في حق فاطمة : « ويؤذيني ما آذاها » وقوله لمن أكل البصل : « إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم » وهل يكون من توبته اعترافه بالذنب ؟ فإذا ثبت الذنب بإقراره فجحد وكذب الشهود أو ثبت بشهادة شهود. فيه نزاع . فذكر أحمد أنه لا توبة لمن جحد . واستدل بقصة علي بن أبي طالب : أنه أتي بجماعة ممن شهد عليهم بالزندقة ، فاعترف منهم ناس فتابوا . فقبل توبتهم . وجحد جماعة فقتلهم . وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة : « فإن العبد إذا اعترف ثم تاب ، تاب الله عليه » . فمن أذنب سرا فليتب سرا ، كما في الحديث : « ومن ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر » إلخ ، وفي الصحيح « كل أمتي معافى إلا المجاهرون » الحديث . فإذا ظهر من العبد الذنب فلا بد من ظهور التوبة . ومع الجحود لا تظهر التوبة . فإن الجاحد يزعم أنه غير مذنب . ولهذا كان السلف يستعملون ذلك فيمن أظهر بدعة أو فجورا ، فإن هذا أظهر حال الضالين ، وهذا أظهر حال المغضوب عليهم . ومن أذاه منعه ، مع القدرة ، من الإمامة والحكم والفتيا والرواية والشهادة . وأما بدون القدرة ، فليفعل المقدور عليه . ولم يعلق الأذية على استشهاد أربعة ، وليس هذا من حمل المطلق على المقيد . [ ص: 4436 ] لأن ذلك لا بد أن يكون فيه الحكم واحدا ، مثل الإعتاق . فإذا كان متفقا في الجنس دون النوع كإطلاق الأيدي في التيمم ، وتقييدها إلى المرافق في الوضوء ، فلا يحمل . ولم يحمل الصحابة والتابعون المطلق على المقيد في قوله تعالى : وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وقوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف قالوا : الشرط في الربائب خاصة . قالوا : أبهموا ما أبهم الله . والمبهم هو المطلق . والمشروط فيه هو المقيد . لكن تنازعوا : هل الموت كالدخول ؟ على قولين . وذلك لأن الحكم مختلف ، والقيد ليس متساويا في الأعيان . فإن تحريم جنس ، ليس مثل تحريم جنس يخالفه . كما أن تحريم الدم والميتة ولحم الخنزير ، لما كان أجناسا ، فليس تقييد الدم بالمسفوح موجبا تقييد الميتة والخنزير أن يكون مسفوحا . وهنا القيد قيد الربيبة بدخول أمها .

                                                                                                                                                                                                                                      والدخول بالأم لا يوجد مثله في حليلة الأب وأم المرأة . إذ بالدخول في الحليلة ، بها نفسها . وفي أم المرأة ببنتها . وكذلك المسلمون لم يحملوا المطلق على المقيد في نصاب الشهادة . بل لما ذكر الله في آية الدين : فرجل وامرأتان وفي الرجعة : رجلين أقروا كلا منهما على حاله . لأن سبب الحكم مختلف وهو المال والبضع . كما أن إقامة الحد في الفاحشة والقذف بها اعتبر فيه أربعة ، فلا يقاس بذلك عقود الأثمان والأبضاع ، وذكر في حد القذف ثلاثة أحكام : جلد ثمانين ، وترك قبول شهادتهم أبدا وأكثرهم فاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم الآية ، والتوبة لا ترفع الجلد إذا طلبه المقذوف ، وترفع الفسق بلا تردد . والأكثر قالوا : ترفع المنع من قبول الشهادة . وإذا اشتهر عن شخص الفاحشة لم يرجم ، كما في الصحيح : [ ص: 4437 ] « إن جاءت به يشبه الزوج فقد كذب عليها وإن جاءت به يشبه الرجل الذي رماها به ، فقد صدق عليها » فجاءت به على النعت المكروه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا الأيمان لكان لي ولها شأن » فقيل لابن عباس : هذه التي قال فيها : « لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها » فقال : لا . تلك امرأة كانت تلعن السوء في الإسلام ، فقد أخبر أنه لا يرجم أحدا إلا ببينة ، ولو ظهر على الشخص السوء . ودل الحديث على أن الشبه له تأثير في ذلك ، ولم تكن بينة . وكذلك ثبت عنه في الجنازة لما أثنوا عليها شرا ، والأخرى خيرا . فقال : « أنتم شهداء الله في أرضه » وفي المسند عنه أنه قال : « يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار » قالوا يا رسول الله ! وبم ذاك ؟ قال بالثناء الحسن وبالثناء السيئ فقد جعل الاستفاضة حجة وبينة في هذه الأحكام . ولم يجعلها حجة في الرجم . وكذلك تقبل شهادة أهل الكتاب على المسلمين في الوصية في السفر . وكذلك تقبل شهادة الصبيان في الجراح إذا أدوها قبل التفرق ، في إحدى الروايتين . وإذا شهد شاهد أنه رأى الرجل والمرأة أو الصبي في لحاف ، أو بيت مرحاض ، أو محلولي السراويل ، ويوجد مع ذلك ما يدل على ذلك ، من وجود اللحاف فقد خرج عن العادة إلى مكانهما أو يكون مع أحدهما أو معهما ضوء قد أظهره ، فرآه فأطفأه فإن إطفاءه دليل على استخفائه بما يفعل . فإن لم يكن ما يستخفي به إلا ما شهد به الشاهد ، كان ذلك من أعظم البيان على ما شهد به فهذا باب عظيم النفع في الدين . وهو مما جاءت الشريعة التي أهملها كثير من القضاة والمتفقهة ، زاعمين أنه لا يعاقب أحد إلا بشهود عاينوا ، أو إقرار مسموع . وهذا خلاف ما تواترت به السنة وسنة الخلفاء الراشدين . وما فطرت عليه القلوب التي تعرف المعروف وتنكر المنكر . ويدل عليه قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية . ففيها دلالات : إحداها أنه لم يأمر بالتبين عند مجيء كل فاسق بكل نبأ ; إذ من الأنباء ما ينهى فيه عن التبين . ومنه ما يباح فيه ترك التبين . ومن الأنباء ما يتضمن العقوبة لبعض الناس ، لأنه علل بخشية الإصابة ، [ ص: 4438 ] بجهالة . فلو كان كل ما أصيب بنبأ كذلك ، لم تحصل التفرقة بين العدل والفاسق . بل هذه دلالة واحدة على أن الإصابة بنبأ كذلك لم تحصل التفرقة بين العدل والفاسق ، بل هذه دلالة واحدة على أن الإصابة بنبأ العدل الواحد لا ينهى عنه مطلقا . وذلك يدل على قبول شهادة العدل الواحد في جنس العقوبات . فإن سبب نزول الآية يدل على ذلك . فإنها نزلت بإخبار واحد . أن قوما قد حاربوا بالردة أو نقض العهد . وفيه أيضا أنه متى اقترن بخبر الفاسق دليل آخر يدل على صدقه فقد استبان الأمر وزال الأمر بالتثبت . فيجوز إصابة القوم إذا . فكيف خبر العدل مع دلالة أخرى ؟ ولهذا كان أصح القولين ، أن مثل هذا لوث في القسامة فإذا انضاف أيمان المقسمين صار ذلك بينة تبيح دم المقسم عليه . وقوله : بجهالة جعل المحذور هو الإصابة لقوم بلا علم . فمتى أصيبوا بعلم زال المحذور . وهذا هو المناط الذي دل عليه القرآن كما قال : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال : ولا تقف ما ليس لك به علم وأيضا علل بخوف الندم وهو إنما يحصل على عقوبة البريء من الذنب كما في السنن : « ادرأوا الحدود بالشبهات . فإن الإمام ، أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة » فإذا حصل عنده علم أنه لم يعاقب إلا مذنبا ، فإنه لا يندم ولا يكون فيه خطأ . وقد ذكر الشافعي وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين : أحدهما الزنى ، والثاني المخنث ، فيما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها : إن فتح الله لكم الطائف غدا ، أدلك على ابنة غيلان . فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أخرجوهم من بيوتكم » . أخرجاه ، وفي لفظ « لا يدخل هؤلاء عليكم » وفي رواية : « أرى هذا يعرف مثل هذا . لا يدخلن عليكم بعد اليوم » وقال ابن جريج : هو هيت . وقال غيره : هنب . وقيل : ماتع . وذكر [ ص: 4439 ] بعضهم أنهم ثلاثة : نهم وهيت وماتع . ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى . إنما كان تخنيثهم لينا في القول ، وخضابا في الأيدي والأرجل ، ولعبا كلعب النساء . وفي السنن : أنه أمر بمخنث فنفي إلى النقيع . فإذ كان الله أمر بإخراج هؤلاء من البيوت ، فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه ، شر من هؤلاء : وهو أحق بالنفي . فإن المخنث فيه فساد للرجال والنساء . لأنه إذا تشبه بالنساء ، فقد يعاشرنه وهو رجل ، فيفسدهن . ولأنها إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل وتعاشر الصنفين . وقد تختار مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال . وأما إفساده للرجال فهو أن يمكنهم من الفعل به ، بمشاهدته وعشقه فإذا خرج إلى بلد ووجد هناك من يفعل به ، فهنا يكون نفيه بحسبه في مكان ليس معه غيره فيه . وإن خيف خروجه ، قيد ; إذ هذا هو معنى نفيه . ولهذا تنازع العلماء في نفي المحارب : هل هو طرده بحيث لا يأوي إلى بلد ، أو حبسه ، أو بحسب ما يراه الإمام من هذا وهذا ؟ فعن أحمد ثلاث روايات : الثالثة أعدل وأحسن . فإن نفيه بحيث لا يأوي إلى بلد لا يمكن ، لتفرق الرعية واختلافهم واختلاف هممهم . وحسبه قد لا يمكن لأنه يحتاج إلى مؤونة . وروي أن هنبا لما اشتكى الجوع أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل المدينة من الجمعة إلى الجمعة يسأل ما يقيته ، والذي جاءت به الشريعة من النفي هو نوع من الهجرة وليس كنفي الثلاثة الذين خلفوا ، ولا هجرهم . فإنه لم يمنعهم من مشاهد الناس وحضور مجامعهم في الصلاة وغيرها . وذلك أن الله خلق الآدميين محتاجين إلى معاونة بعضهم بعضا . فمن كانت مخالطته تضر ، استحق الإخراج من بينهم ، لأنه مضرة بلا مصلحة . فإن الصبي إذا رأى صبيا يفعل شيئا تشبه به . والاجتماع بالزناة واللوطية : فيه أعظم الفساد والضرر على الرجال والنساء والصبيان . فيجب أن يعاقب اللوطي والزاني بما فيه تقريعه وإبعاده . وجماع الهجرة هي هجرة السيئات وأهلها . وكذلك هجران الدعاء إلى البدع وهجران الفساق وهجران من [ ص: 4440 ] يخالط هؤلاء كلهم ويعاونهم . وكذلك من يترك الجهاد الذي لا مصلحة لهم بدونه فإنه يعاقب بهجرهم له ، لما لم يخاطبهم في البر . فمن لم يهجر هؤلاء كان تاركا للمأمور فاعلا للمحذور . فهذا ترك المأمور من الاجتماع . وهذا فعل المحذور منه . فعوقب كل منهما بما يناسب جرمه . وما جاءت به الشريعة من المأمورات والعقوبات والكفارات وغير ذلك ، يفعل بحسب الاستطاعة . فإن لم يقدر المسلم على جهاد جميع المشركين ، جاهد من يقدر على جهاده . وإذا لم يقدر على عقوبة جميع المعتدين ، عاقب من يقدر على عقوبته . فإذا لم يكن النفي والحبس عن جميع الناس ، كان النفي والحبس على حسب القدرة . ويكون هو المأمور به ، فالقليل من الخير ، خير من تركه . ودفع بعض الشر خير من تركه كله. وكذلك المتشبهة بالرجال تحبس . كحالها إذا زنت فإن جنس الحبس مما شرع في جنس الفاحشة . ومما يدخل في هذا : أن عمر نفى نصر بن حجاج من المدينة إلى البصرة ، لما شبب به النساء . وكان أولا قد أمر بأخذ شعره ليزيل جماله الفاتن ، فلما رآه من أحسن الناس وجنتين ، غمه ذلك فنفاه إلى البصرة . فهذا لم يصدر منه ذنب يعاقب عليه ، لكن كان في النساء من يفتتن به ، فأمر بإزالة جماله الفاتن . فإن انتقاله من وطنه مما يضعف همته وبدنه ويعلم أنه معاقب . وهذا من باب التفريق بين الذين يخاف عليهم الفاحشة والعشق قبل وقوعه . وليس من باب المعاقبة . وقد كان عمر ينفي في الخمر إلى خيبر ، زيادة في عقوبة شاربها . ومن أقوى ما يهيج الفاحشة إنشاد أشعار الذين في قلوبهم مرض من العشق ومحبة الفواحش ، وإن كان القلب في عاقبة ، جعل فيه مرضا ، كما قال بعض السلف : الغناء رقية الزنى . ورقية الحية هي التي تستخرج بها الحية من جحرها . ورقية العين والحمة ورقية الزنى . أي : تدعو إليه وتخرج من الرجل الأمر الخبيث . كما أن الخمر أم الخبائث . قال ابن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء البقل . وقال تعالى : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك واستفزازه إياهم بصوته يكون بالغناء ، كما قاله من قاله من السلف ، وبغيره من الأصوات كالنياحة وغير ذلك . فإن هذه الأصوات توجب [ ص: 4441 ] انزعاج القلوب والنفوس الخبيثة إلى ذلك ، وتوجب حركتها السريعة واضطرابها . حتى يبقى الشيطان يلعب بهؤلاء أعظم من لعب الصبيان بالكرة . والنفس متحركة . فإن سكنت فبإذن الله ، وإلا فهي لا تزال متحركة . وشبهها بعضهم بكرة على مستوى أملس ، لا تزال تتحرك عليه . وفي الحديث المرفوع : « القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا » وفي الحديث الآخر : « مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض ، تحركها الريح » وفي البخاري عن ابن عمر : كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ومقلب القلوب » ولمسلم عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « اللهم مصرف القلوب ، صرف قلوبنا إلى طاعتك » وفي الترمذي : كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » قيل : يا رسول الله ! آمنا بك وبما جئت به . فهل تخاف علينا ؟ فقال : « نعم . القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها كيف يشاء » انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                                      قال السيوطي في (" الإكليل " ) : في قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا الآية ، وجوب الحد على الزاني والزانية ، وأنه مائة جلدة . أي : في البكر كما بينته السنة . واستدل بعمومه من أوجب المائة على العبد والذمي وعلى المحصن ، ثم يرجم . فأخرج أحمد عن علي أنه [ ص: 4442 ] أتي بمحصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . واستدل الخوارج بالآية على أن حد المحصن الجلد دون الرجم . قالوا : لأنه ليس في كتاب الله . واستدل أبو حنيفة بها على أنه لا تغريب ، إذ لم يذكره . وفي الآية رد على من قال : إن العبد إذا زنى بحرة يرجم . وبأمة يجلد . وعلى من قال : لا تحد العاقلة إذا زنى بها مجنون ، والكبيرة إذا زنى بها صبي ، أو عكسه ، لا يحد . وعلى من قال : لا حد على الزاني بحربية أو بمسلمة في بلاد الحرب أو في عسكر أهل البغي . أو بنصرانية مطلقا . أو بأمة امرأته . أو محرم . أو من استدخلت ذكر نائم . واستدل بعمومها من أوجبه على المكره والزاني بأمة ولده والميتة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الفرس : ويستدل بقوله : فاجلدوا على أنه يجرد عن ثيابه . لأن الجلد يقتضي مباشرة البدن . وبقوله : مائة جلدة على أنه لا يكتفي بالضرب بها مجموعة ضربة واحدة ، صحيحا كان أو مريضا . وفي قوله تعالى : ولا تأخذكم بهما رأفة الحث على إقامة الحدود والنهي عن تعطيلها . وأنه لا يجوز العفو عنها للإمام ولا لغيره ، وفيه رد على من أجاز للسيد العفو . فاستدل بالآية من قال : إن ضرب الزنى أشد من ضرب القذف والشرب . وفي قوله تعالى : وليشهد عذابهما إلخ ، استحباب حضور جمع ، عند جلدها . وأقله أربعة **عدد شهود الزنى** . وقيل عشرة ، وقيل ثلاثة وقيل : اثنان . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم عن ابن جرير أن العاطفة تصدق بالواحد ، لغة . فتذكر . وقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية