الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [17 - 25] وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون [ ص: 4663 ] فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون

                                                                                                                                                                                                                                      وحشر لسليمان جنوده أي: جمع له عساكره: من الجن والإنس والطير فهم يوزعون أي: يحبسهم أولهم على آخرهم ليتلاحقوا: حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة أي: رأتهم متوجهين إلى واديها: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون أي: بمكانهم: فتبسم ضاحكا من قولها أي: تعجبا من حذرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها. وسرورا بشهرة حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة، فيما بين أصناف المخلوقات، التي هي أبعدها من إدراك أمثال هذه [ ص: 4664 ] الأمور، وابتهاجا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم مرادها. قاله أبو السعود: وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي أي ألهمني شكرها: وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين أي: بحجة تبين عذره: فمكث غير بعيد أي: فلبث في الغيبة أمدا غير طويل: فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ وهي مدينة: بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم أي: سرير تجلس عليه، هائل مزخرف بأنواع الجواهر: وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا أي: هلا يسجدوا. كما قرأ بذلك. وجوز بعضهم أن يكون معمولا لما قبله. أي: فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، فحذف الجار مع (أن) أو تكون (لا) مزيدة، والمعنى: فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا: لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض أي: يظهر ما هو مخبوء فيهما من نبات ومعادن وغيرهما: ويعلم ما تخفون وما تعلنون قرئ بالتاء والياء على صيغة الغيبة. والجملة التحضيضية إما مستأنفة من كلامه تعالى، أو محكية عن قول الهدهد. واستظهر الزمخشري الثاني. قال: لأن في إخراج الخبء أمارة على أنه من كلام الهدهد، لهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض. وذلك بإلهام من يخرج الخبء في السماوات والأرض، جلت قدرته ولطف علمه. ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله، مخايل كل مختص بصناعة أو فن أو من العلم، في روائه ومنطقه وشمائله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية