القول في تأويل قوله تعالى :
[ 123 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19605_19860_19863_29677_30780_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون لما ذكر تعالى قصة أحد أتبعها بذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29313قصة بدر . وذلك لأن المسلمين يوم بدر كانوا في غاية الضعف عددا وعددا ، والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة . ثم إنه تعالى نصر المسلمين على الكافرين ، فصار ذلك من أقوى الدلائل على أن ثمرة التوكل عليه تعالى والصبر والتقوى هو النصر والمعونة والتأييد .
و ( بدر ) موضع بين الحرمين ، إلى
المدينة أقرب ، يقال هو منها على ثمانية وعشرين فرسخا . أو اسم بئر هناك ، حفرها رجل اسمه بدر، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123لعلكم تشكرون أي : راجين أن تشكروا ما أنعم به عليكم بتقواكم من نصرته . وقد أشير في مواضع من التنزيل إلى غزوة
بدر ، وكانت في شهر رمضان ، السنة الثانية من الهجرة . وكان سـببها :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن عيرا لقريش فيها أموال عظيمة مقبلة من الشام إلى مكة . معها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش ، عميدهم nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان ، ومعه nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ، ومخرمة بن نوفل .
فندب - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه العير . وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج . ولم يحتفل في الحشد ، لأنه لم يظن قتالا . وخرج مسرعا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، لم يكن معهم من الخيل إلا فرسان ، وكان معهم سبعون بعيرا يتعقبونها . واتصل خروجه nindex.php?page=showalam&ids=12026بأبي سفيان ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، وبعثه إلى أهل مكة يستنفرهم لعيرهم . فنفروا وأوعبوا . وخرج - صلى الله عليه وسلم - لثمان خلون من رمضان ، واستخلف على الصلاة nindex.php?page=showalam&ids=100عمرو بن أم مكتوم ، ورد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ، ودفع اللواء إلى nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير ، ودفع إلى [ ص: 961 ] nindex.php?page=showalam&ids=8علي راية ، وإلى رجل من الأنصار راية أخرى ، يقال : كانتا سوداوين . وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة . وراية الأنصار يومئذ مع nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، فسلكوا نقب المدينة إلى ذي الحليفة ، ثم انتهوا إلى صخيرات يمام ، ثم إلى بئر الروحاء ، ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء . وبعث - صلى الله عليه وسلم - قبلها بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء إلى بدر ، يتجسسان أخبار nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان وعيره ، ثم تنكب عن الصفراء يمينا ، وخرج على وادي دقران ، فبلغه خروج قريش ونفيرهم ، فاستشار أصحابه ، فتكلم المهاجرون ، وأحسنوا ، وهو يريد ما يقول الأنصار ، وفهموا ذلك ، فتكلم nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، وكان فيما قال : لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، فسر بنا يا رسول الله على بركة الله . فسر بذلك ، وقال : « سيروا وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين » .
ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر ، وبعث nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير nindex.php?page=showalam&ids=37وسعدا في نفر يلتمسون الخبر . فأصابوا غلامين لقريش ، فأتوا بهما ، وهو - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي ، وقالوا : نحن سقاة قريش ، فكذبوهما ، كراهية في الخبر ، ورجاء أن يكونا من العير للغنيمة وقلة المؤنة ، فجعلوا يضربونهما فيقولان : نحن من العير . فسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنكر عليهم ، وقال للغلامين : أخبراني أينقريش ؟ فأخبراه أنهم وراء الكثيب وأنهم ينحرون يوما عشرا من الإبل ويوما تسعا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « القوم ما بين التسعمائة والألف » .
وقد كان بسبس nindex.php?page=showalam&ids=76وعدي مضيا يتجسسان ولا خبر ، حتى نزلا وأناخا قرب الماء ، واستقيا في شن لهما ، ومجدي بن عمرو من جهينة يقربهما . فسمع عدي جارية من جواري الحي تقول لصاحبتها : العير تأتي غدا أو بعد غد ، وأعمل لهم وأقضيك الذي لك ، وجاءت إلى مجدي بن عمرو ، فصدقها . فرجع بسبس nindex.php?page=showalam&ids=76وعدي بالخبر . وجاء nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بعدهما يتجسس الخبر . فقال لمجدي : هل أحسست أحدا ؟ فقال : راكبين أناخا يميلان لهذا التل ، فاستقيا الماء ونهضا . فأتى nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان مناخهما . وفتت من أبعار رواحلهما . فقال : هذه - والله - علائف يثرب . فرجع سريعا وقد حذر ، وتنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا . وأوصى إلى قريش بأنا قد نجونا بالعير فارجعوا .
فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ، ونقيم به ثلاثا ، وتهابنا العرب أبدا ، [ ص: 962 ] ورجع الأخنس بن شريق بجميع بني زهرة ، وكان حليفهم ومطاعا فيهم ، وقال : إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت ، فارجعوا . وكان بنو عدي لم ينفروا مع القوم ، فلم يشهد بدرا من قريش عدوي ولا زهري . وسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا إلى ماء بدر ، وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم ، وأصاب مما يلي المسلمين دهس الوادي ، وأعانهم على السير . فنزل - صلى الله عليه وسلم - على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة ، فقال له الحباب بن المنذر : آلله أنزلك بهذا المنزل فلا نتحول عنه ، أم قصدت الحرب والمكيدة ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : « لا بل هو الرأي والحرب » . فقال : يا رسول الله ! ليس هذا بمنزل ، وإنما نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونبني عليه حوضا ، ونملؤه ونغور القلب كلها ، فنكون قد منعناهم الماء ، فاستحسنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثم بنوا عريشا على تل مشرف على المعركة يكون فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتيه النصر من ربه ، ومشى يريهم مصارع القوم واحدا واحدا .
ولما نزل قريش مما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحي يحزر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحزرهم وانصرف وخبرهم الخبر . ورام nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش ، ولا يكون الحرب ، فأبى أبو جهل ، وساعده المشركون ، وتواقفت الفئتان ، وعدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفوف بيده ، ورجع إلى العريش ، ومعه nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر وحده ، وطفق يدعو ويلح ، nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر يقاوله . ويقول في دعائه : اللهم ! إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، اللهم ! أنجز لي ما وعدتني .
nindex.php?page=showalam&ids=307وسعد بن معاذ وقوم معه من الأنصار على باب العريش يحمونه ، وأخفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انتبه ، فقال : أبشر يا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ! فقد أتى نصر الله . ثم خرج يحرض الناس . ورمى في وجوه القوم بحفنة من حصى وهو يقول : شاهت الوجوه . ثم تزاحفوا ، فخرج عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد يطلبون البراز ، فخرج إليهم عبيدة بن الحارث nindex.php?page=showalam&ids=135وحمزة بن عبد المطلب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ، فقتل nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي شيبة والوليد ، وضرب عتبة عبيدة ، فقطع رجله فمات ، وجاء nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي إلى عتبة فقتلاه ، [ ص: 963 ] وقد كان برز إليهم عوف ومعاذ ابنا عفراء nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة من الأنصار فأبوا إلا قومهم . وجال القوم جولة ، فهزم المشركون . وقتل منهم يومئذ سبعون رجلا . وأسر سبعون . واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا . ثم انجلت الحرب ، وانصرف إلى المدينة ، وقسم الغنائم في الصفراء ، ودخل المدينة لثمان بقين من رمضان ، وبسط القصة في السـير . ومن أبدعها سياقا وفقها ( زاد المعاد ) فليرجع إليه .
اَلْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 123 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19605_19860_19863_29677_30780_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ أُحُدٍ أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=29313قِصَّةِ بَدْرٍ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ عَدَدًا وَعُدَدًا ، وَالْكُفَّارُ كَانُوا فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَصَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ ، فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ ثَمَرَةَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى هُوَ النَّصْرُ وَالْمَعُونَةُ وَالتَّأْيِيدُ .
وَ ( بَدْرٌ ) مَوْضِعٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ ، إِلَى
الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ ، يُقَالُ هُوَ مِنْهَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا . أَوْ اسْمُ بِئْرٍ هُنَاكَ ، حَفَرَهَا رَجُلٌ اسْمُهُ بَدْرٌ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ : رَاجِينَ أَنْ تَشْكُرُوا مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ . وَقَدْ أُشِيرَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّنْزِيلِ إِلَى غَزْوَةِ
بَدْرٍ ، وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، السَّنَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ . وَكَانَ سَـبَبُهَا :
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَغَهُ أَنَّ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ مُقْبِلَةٌ مِنَ الشَّامِ إِلَى مَكَّةَ . مَعَهَا ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ، عَمِيدُهُمْ nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ ، وَمَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ .
فَنَدَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى هَذِهِ الْعِيرِ . وَأَمَرَ مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا بِالْخُرُوجِ . وَلَمْ يَحْتَفِلْ فِي الْحَشْدِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ قِتَالًا . وَخَرَجَ مُسْرِعًا فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا فَرَسَانِ ، وَكَانَ مَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا يَتَعَقَّبُونَهَا . وَاتَّصَلَ خُرُوجُهُ nindex.php?page=showalam&ids=12026بِأَبِي سُفْيَانَ ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ ، وَبَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ لِعِيرِهِمْ . فَنَفَرُوا وَأَوْعَبُوا . وَخَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الصَّلَاةِ nindex.php?page=showalam&ids=100عَمْرَو بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَرَدَّ أَبَا لُبَابَةَ مِنَ الرَّوْحَاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=104مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَدَفَعَ إِلَى [ ص: 961 ] nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَايَةً ، وَإِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ رَايَةً أُخْرَى ، يُقَالُ : كَانَتَا سَوْدَاوَيْنِ . وَجَعَلَ عَلَى السَّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ . وَرَايَةُ الْأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ مَعَ nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَسَلَكُوا نَقْبَ الْمَدِينَةِ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى صُخَيْرَاتِ يَمَامٍ ، ثُمَّ إِلَى بِئْرِ الرَّوْحَاءِ ، ثُمَّ رَجَعُوا ذَاتَ الْيَمِينِ عَنْ الطَّرِيقِ إِلَى الصَّفْرَاءِ . وَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهَا بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو وَعَدِيَّ بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ إِلَى بَدْرٍ ، يَتَجَسَّسَانِ أَخْبَارَ nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبِي سُفْيَانَ وَعِيرِهِ ، ثُمَّ تَنَكَّبَ عَنْ الصَّفْرَاءِ يَمِينًا ، وَخَرَجَ عَلَى وَادِي دَقْرَانَ ، فَبَلَغَهُ خُرُوجُ قُرَيْشٍ وَنَفِيرُهُمْ ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ ، فَتَكَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ ، وَأَحْسَنُوا ، وَهُوَ يُرِيدُ مَا يَقُولُ الْأَنْصَارُ ، وَفَهِمُوا ذَلِكَ ، فَتَكَلَّمَ nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ : لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ ، فَسِرْ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ . فَسُرَّ بِذَلِكَ ، وَقَالَ : « سِيرُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ » .
ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ دَقْرَانَ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَدْرٍ ، وَبَعَثَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا nindex.php?page=showalam&ids=15وَالزُّبَيْرَ nindex.php?page=showalam&ids=37وَسَعْدًا فِي نَفَرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ . فَأَصَابُوا غُلَامَيْنِ لِقُرَيْشٍ ، فَأَتَوْا بِهِمَا ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يُصَلِّي ، وَقَالُوا : نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ ، فَكَذَّبُوهُمَا ، كَرَاهِيَةً فِي الْخَبَرِ ، وَرَجَاءَ أَنْ يَكُونَا مِنَ الْعِيرِ لِلْغَنِيمَةِ وَقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُمَا فَيَقُولَانِ : نَحْنُ مِنَ الْعِيرِ . فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ لِلْغُلَامَيْنِ : أَخْبِرَانِي أَيْنَقُرَيْشٌ ؟ فَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُمْ وَرَاءَ الْكَثِيبِ وَأَنَّهُمْ يَنْحَرُونَ يَوْمًا عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ وَيَوْمًا تِسْعًا ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ وَالْأَلِفِ » .
وَقَدْ كَانَ بَسْبَسٌ nindex.php?page=showalam&ids=76وَعَدِيٌّ مَضَيَا يَتَجَسَّسَانِ وَلَا خَبَرَ ، حَتَّى نَزَلَا وَأَنَاخَا قُرْبَ الْمَاءِ ، وَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا ، وَمَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو مِنْ جُهَيْنَةَ يَقْرَبُهُمَا . فَسَمِعَ عَدِيٌّ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِي الْحَيِّ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا : الْعِيرُ تَأْتِي غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ ، وَأَعْمَلُ لَهُمْ وَأَقْضِيكَ الَّذِي لَكَ ، وَجَاءَتْ إِلَى مَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو ، فَصَدَّقَهَا . فَرَجَعَ بَسْبَسٌ nindex.php?page=showalam&ids=76وَعَدِيٌّ بِالْخَبَرِ . وَجَاءَ nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَهُمَا يَتَجَسَّسُ الْخَبَرَ . فَقَالَ لِمَجْدِيٍّ : هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا ؟ فَقَالَ : رَاكِبَيْنِ أَنَاخَا يَمِيلَانِ لِهَذَا التَّلِّ ، فَاسْتَقَيَا الْمَاءَ وَنَهَضَا . فَأَتَى nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا . وَفَتَّتَ مِنْ أَبْعَارِ رَوَاحِلِهِمَا . فَقَالَ : هَذِهِ - وَاَللَّهِ - عَلَائِفُ يَثْرِبَ . فَرَجَعَ سَرِيعًا وَقَدْ حَذِرَ ، وَتَنَكَّبَ بِالْعِيرِ إِلَى طَرِيقِ السَّاحِلِ فَنَجَا . وَأَوْصَى إِلَى قُرَيْشٍ بِأَنَّا قَدْ نَجَوْنَا بِالْعِيرِ فَارْجِعُوا .
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ مَاءَ بِدْرٍ ، وَنُقِيمَ بِهِ ثَلَاثًا ، وَتَهَابُنَا الْعَرَبُ أَبَدًا ، [ ص: 962 ] وَرَجَعَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ بِجَمِيعِ بَنِي زُهْرَةَ ، وَكَانَ حَلِيفَهُمْ وَمُطَاعًا فِيهِمْ ، وَقَالَ : إِنَّمَا خَرَجْتُمْ تَمْنَعُونَ أَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجَتْ ، فَارْجِعُوا . وَكَانَ بَنُو عَدِيٍّ لَمْ يَنْفِرُوا مَعَ الْقَوْمِ ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ عَدَوِيٌّ وَلَا زُهْرِيٌّ . وَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا إِلَى مَاءِ بَدْرٍ ، وَثَبَّطَهُمْ عَنْهُ مَطَرٌ نَزَلَ وَبْلُهُ مِمَّا يَلِيهِمْ ، وَأَصَابَ مِمَّا يَلِي الْمُسْلِمِينَ دَهْسَ الْوَادِي ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى السَّيْرِ . فَنَزَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : آللَّهُ أَنْزَلَكَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ فَلَا نَتَحَوَّلُ عَنْهُ ، أَمْ قَصَدْتَ الْحَرْبَ وَالْمَكِيدَةَ ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لَا بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ » . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلٍ ، وَإِنَّمَا نَأْتِي أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلُهُ وَنَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا ، وَنَمْلَؤُهُ وَنُغَوِّرُ الْقُلُبَ كُلَّهَا ، فَنَكُونُ قَدْ مَنَعْنَاهُمْ الْمَاءَ ، فَاسْتَحْسَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
ثُمَّ بَنَوْا عَرِيشًا عَلَى تَلٍّ مُشْرِفٍ عَلَى الْمَعْرَكَةِ يَكُونُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَأْتِيَهُ النَّصْرُ مِنْ رَبِّهِ ، وَمَشَى يُرِيهِمْ مَصَارِعَ الْقَوْمِ وَاحِدًا وَاحِدًا .
وَلَمَّا نَزَلَ قُرَيْشٌ مِمَّا يَلِيهِمْ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ يَحْزِرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَزَرَهُمْ وَانْصَرَفَ وَخَبَّرَهُمْ الْخَبَرَ . وَرَامَ nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنْ يَرْجِعَا بِقُرَيْشٍ ، وَلَا يَكُونُ الْحَرْبُ ، فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ ، وَسَاعَدَهُ الْمُشْرِكُونَ ، وَتَوَاقَفَتْ الْفِئَتَانِ ، وَعَدَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّفُوفَ بِيَدِهِ ، وَرَجَعَ إِلَى الْعَرِيشِ ، وَمَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ ، وَطَفِقَ يَدْعُو وَيُلِحُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ يُقَاوِلُهُ . وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ ! إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ ، اللَّهُمَّ ! أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي .
nindex.php?page=showalam&ids=307وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَقَوْمٌ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ يَحْمُونَهُ ، وَأَخْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ انْتَبَهَ ، فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ ! فَقَدْ أَتَى نَصْرُ اللَّهِ . ثُمَّ خَرَجَ يُحَرِّضُ النَّاسَ . وَرَمَى فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ بِحَفْنَةٍ مِنْ حَصًى وَهُوَ يَقُولُ : شَاهَتْ الْوُجُوهُ . ثُمَّ تَزَاحَفُوا ، فَخَرَجَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ يَطْلُبُونَ الْبِرَازَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ nindex.php?page=showalam&ids=135وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَتَلَ nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ شَيْبَةَ وَالْوَلِيدَ ، وَضَرَبَ عُتْبَةُ عُبَيْدَةَ ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ ، وَجَاءَ nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ إِلَى عُتْبَةَ فَقَتْلَاهُ ، [ ص: 963 ] وَقَدْ كَانَ بَرَزَ إِلَيْهِمْ عَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ nindex.php?page=showalam&ids=82وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَبَوْا إِلَّا قَوْمَهُمْ . وَجَالَ الْقَوْمُ جَوْلَةً ، فَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ . وَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ رَجُلًا . وَأُسِرَ سَبْعُونَ . وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا . ثُمَّ انْجَلَتْ الْحَرْبُ ، وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَقَسَّمَ الْغَنَائِمَ فِي الصَّفْرَاءِ ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَبَسْطُ الْقِصَّةِ فِي السِّـيَرِ . وَمِنْ أَبْدَعِهَا سِيَاقًا وَفِقْهًا ( زَادُ الْمَعَادِ ) فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ .