الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وكنت وأنا بالديار المصرية في سنة إحدى عشرة وسبعمائة قد استفتيت عن [ ص: 313 ] التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فكتبت في ذلك جوابا مبسوطا وقد أحببت إيراده هنا لما في ذلك من مزيد الفائدة فإن هذه القواعد - المتعلقة بتقرير التوحيد وحسم مادة الشرك والغلو - كلما تنوع بيانها ووضحت عباراتها كان ذلك نورا على نور . والله المستعان . وصورة السؤال : المسئول من السادة العلماء أئمة الدين أن يبينوا ما يجوز وما لا يجوز من nindex.php?page=treesubj&link=28703_28768الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين .
وصورة الجواب : الحمد لله رب العالمين . أجمع المسلمون على أن nindex.php?page=treesubj&link=28768النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة . ثم إن أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين واستفاضت به السنن من أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر من أمته ويشفع أيضا لعموم الخلق . فله صلى الله عليه وسلم شفاعات يختص بها لا يشركه فيها أحد وشفاعات يشركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين لكن ما له فيها أفضل مما لغيره فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكرمهم على ربه عز وجل وله من الفضائل التي ميزه الله بها على سائر النبيين ما يضيق هذا الموضع عن بسطه ومن ذلك " المقام [ ص: 314 ] المحمود " الذي يغبطه به الأولون والآخرون وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها في الصحيحين أحاديث متعددة وفي السنن والمساند مما يكثر عدده .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=28768_28703_29432الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن الشفاعة إنما هي للمؤمنين خاصة في رفع بعض الدرجات وبعضهم أنكر الشفاعة مطلقا . وأجمع أهل العلم على أن الصحابة كانوا يستشفعون به ويتوسلون به في حياته بحضرته كما ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " فيسقون . وفي البخاري أيضا عن ابن عمر أنه قال : ربما ذكرت قول الشاعر - وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب -
nindex.php?page=treesubj&link=28703_29432والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قد جاء مفسرا في سائر أحاديث الاستسقاء وهو من جنس الاستشفاع به وهو أن يطلب منه الدعاء والشفاعة ويطلب من الله أن يقبل دعاءه وشفاعته ونحن نقدمه بين أيدينا شافعا وسائلا لنا بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان - لما أجدب الناس بالشام - استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي فقال : " اللهم إنا نستشفع - ونتوسل - بخيارنا . يا يزيد ارفع يديك " فرفع يديه ودعا الناس حتى سقوا .
[ ص: 315 ] ولهذا قال العلماء : يستحب أن nindex.php?page=treesubj&link=29431_29432يستسقى بأهل الدين والصلاح وإذا كانوا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن . وهذا الاستشفاع والتوسل حقيقته التوسل بدعائه ; فإنه كان يدعو للمتوسل به المستشفع به والناس يدعون معه كما { nindex.php?page=hadith&LINKID=595220أن المسلمين لما أجدبوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه أعرابي فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا وما في السماء قزعة ; فنشأت سحابة من جهة البحر فمطروا أسبوعا لا يرون فيه الشمس ; حتى دخل عليهم الأعرابي - أو غيره - فقال : يا رسول الله انقطعت السبل وتهدم البنيان فادع الله يكشفها عنا . فرفع يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب ومنابت الشجر وبطون الأودية فانجابت عن المدينة كما ينجاب الثوب } . والحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما . وفي حديث آخر في سنن أبي داود وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=595221أن رجلا قال له : إنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي ذلك في وجوه أصحابه وقال ويحك أتدري ما الله ؟ إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك } .
وهذا يبين أن معنى nindex.php?page=treesubj&link=28768الاستشفاع بالشخص - في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - هو استشفاع بدعائه وشفاعته ليس هو السؤال بذاته ; فإنه لو كان هذا [ ص: 316 ] السؤال بذاته لكان سؤال الخلق بالله تعالى أولى من سؤال الله بالخلق ولكن لما كان معناه هو الأول أنكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " نستشفع بالله عليك " ولم ينكر قوله نستشفع بك على الله ; لأن الشفيع يسأل المشفوع إليه أن يقضي حاجة الطالب ; والله تعالى لا يسأل أحدا من عباده أن يقضي حوائج خلقه وإن كان بعض الشعراء ذكر استشفاعه بالله تعالى في مثل قوله : -
شفيعي إليك الله لا رب غيره وليس إلى رد الشفيع سبيل
فهذا كلام منكر لم يتكلم به عالم . وكذلك بعض الاتحادية ذكر أنه استشفع بالله سبحانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلاهما خطأ وضلال ; بل هو سبحانه المسئول المدعو الذي يسأله كل من في السموات والأرض ; ولكن هو تبارك وتعالى يأمر عباده فيطيعونه وكل من وجبت طاعته من المخلوقين فإنما وجبت لأن ذلك طاعة لله تعالى فالرسل يبلغون عن الله أمره ; فمن أطاعهم فقد أطاع الله ومن بايعهم فقد بايع الله . قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله } . وأولو الأمر من أهل العلم وأهل الإمارة إنما تجب طاعتهم إذا أمروا بطاعة الله ورسوله .
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595222على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه ما لم يؤمر بمعصية الله فإذا أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة } وقال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=595223لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق } . [ ص: 317 ] nindex.php?page=treesubj&link=29432وأما الشافع فسائل لا تجب طاعته في الشفاعة وإن كان عظيما وفي الحديث الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=6392أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بريرة أن تمسك زوجها ولا تفارقه لما أعتقت وخيرها النبي صلى الله عليه وسلم فاختارت فراقه وكان زوجها يحبها فجعل يبكي فسألها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمسكه فقالت أتأمرني ؟ فقال لا إنما أنا شافع } . وإنما قالت " أتأمرني ؟ " وقال : " إنما أنا شافع " لما استقر عند المسلمين أن طاعة أمره واجبة بخلاف شفاعته فإنه لا يجب قبول شفاعته ولهذا لم يلمها النبي صلى الله عليه وسلم على ترك قبول شفاعته فشفاعة غيره من الخلق أولى أن لا يجب قبولها . والخالق جل جلاله أمره أعلى وأجل من أن يكون شافعا إلى مخلوق بل هو سبحانه أعلى شأنا من أن يشفع أحد عنده إلا بإذنه . قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=26وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } { nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } { nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=29ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } . ودل الحديث المتقدم على أن nindex.php?page=treesubj&link=29432الرسول صلى الله عليه وسلم يستشفع به إلى الله عز وجل : أي يطلب منه أن يسأل ربه الشفاعة في الدنيا والآخرة ; فأما في الآخرة فيطلب منه الخلق الشفاعة في أن يقضي الله بينهم وفي أن يدخلوا الجنة ويشفع في أهل الكبائر من أمته ويشفع في بعض من يستحق النار أن لا يدخلها ويشفع في بعض من دخلها أن يخرج منها .
[ ص: 318 ] ولا نزاع بين جماهير الأمة أنه يجوز أن يشفع لأهل الطاعة المستحقين للثواب . ولكن كثيرا من أهل البدع والخوارج والمعتزلة أنكروا nindex.php?page=treesubj&link=28768شفاعته لأهل الكبائر فقالوا : لا يشفع لأهل الكبائر بناء على أن أهل الكبائر عندهم لا يغفر الله لهم ولا يخرجهم من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا غيرها
ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد ; بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته بمعنى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم فكان توسلهم بدعائه والاستشفاع به طلب شفاعته والشفاعة دعاء .
فأما nindex.php?page=treesubj&link=29432التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته - مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم بدعائهم - فليس هذا مشهورا عند الصحابة والتابعين بل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حيا كالعباس وكيزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس [ ص: 319 ] وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم وقد قال عمر : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا .
فجعلوا هذا بدلا عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به ويقولوا في دعائهم في الصحراء بالجاه ونحو ذلك من nindex.php?page=treesubj&link=29431_28704الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به ; فيقولون : نسألك أو نقسم عليك بنبيك أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس .
فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل ; فكيف بسيد ولد آدم صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ; وصاحب الكوثر [ ص: 320 ] والحوض المورود الذي آنيته عدد نجوم السماء وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ؟ . وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة حين يتأخر عنها آدم وأولو العزم - نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ويتقدم هو إليها وهو صاحب اللواء آدم ومن دونه تحت لوائه وهو سيد ولد آدم وأكرمهم على ربه عز وجل وهو إمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا ذو الجاه العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله .
وثبت ذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض وقد قال الله تعالى عن قومه إنهم قالوا : { nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=23لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } { nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=24وقد أضلوا كثيرا } . قال غير واحد من السلف : هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم فلما طال عليهم الأمد عبدوهم ; وقد ذكر البخاري في صحيحه هذا عن ابن عباس وذكر أن هذه الآلهة صارت إلى العرب وسمى قبائل العرب الذين كانت فيهم هذه الأصنام . فلما علمت الصحابة رضوان الله عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حسم مادة الشرك بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد - وإن كان المصلي يصلي لله عز وجل كما نهى عن nindex.php?page=treesubj&link=22755الصلاة وقت طلوع الشمس لئلا يشابه المصلين للشمس ; وإن كان المصلي إنما يصلي لله تعالى وكان الذي يقصد nindex.php?page=treesubj&link=2322_22755الدعاء بالميت أو عند قبره أقرب إلى الشرك من الذي لا يقصد إلا الصلاة لله عز وجل - لم يكونوا يفعلون ذلك . وكذلك علم الصحابة أن التوسل به إنما هو التوسل بالإيمان به وطاعته [ ص: 322 ] ومحبته وموالاته أو التوسل بدعائه وشفاعته فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة عن هذا وهذا . فلما لم يفعل الصحابة رضوان الله عليهم شيئا من ذلك ولا دعوا بمثل هذه الأدعية - وهم أعلم منا وأعلم بما يحب الله ورسوله وأعلم بما أمر الله به رسوله من الأدعية وما هو أقرب إلى الإجابة منا بل توسلوا بالعباس وغيره ممن ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم - دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكنا .
وقد قال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=595224اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } رواه مالك في موطئه ورواه غيره وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595225لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني } وفي الصحيحين أنه قال في مرض موته { nindex.php?page=hadith&LINKID=595226لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } يحذر ما فعلوا قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا . وفي صحيح مسلم عن جندب { nindex.php?page=hadith&LINKID=595227أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 323 ] قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30388لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله } . وقد روى الترمذي حديثا صحيحا { nindex.php?page=hadith&LINKID=595228عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم رجلا أن يدعو فيقول : اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي اللهم شفعه في } وروى النسائي نحو هذا الدعاء . وفي الترمذي وابن ماجه عن عثمان بن العتبية { nindex.php?page=hadith&LINKID=5176أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك . فقال : فادعه . فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا رسول الله يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في } قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . ورواه النسائي عن عثمان بن العتبية ولفظه { nindex.php?page=hadith&LINKID=595229أن رجلا أعمى قال : يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري . قال فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري اللهم فشفعه في قال فرجع وقد كشف الله عن بصره } .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده : حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمير بن يزيد [ ص: 324 ] الليثي المديني قال : سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن العتبية { nindex.php?page=hadith&LINKID=5176أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ادع الله أن يعافيني فقال إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك وإن شئت دعوت لك قال : لا بل ادع الله لي فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى اللهم فشفعني فيه وشفعه في . قال ففعل الرجل فبرأ } . فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء . فمن الناس من يقول : هذا يقتضي جواز nindex.php?page=treesubj&link=29432_28703التوسل به مطلقا حيا وميتا .
وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى الإقسام به على الله أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته أن يقضي حوائجهم ويظنون أن التوسل به لا يحتاج إلى أن يدعو هو لهم ولا إلى أن يطيعوه فسواء عند هؤلاء دعا الرسول لهم أو لم يدع الجميع عندهم توسل به وسواء أطاعوه أو لم يطيعوه ويظنون أن الله تعالى يقضي حاجة هذا الذي توسل به بزعمهم ولم يدع له الرسول كما يقضي حاجة هذا الذي توسل بدعائه ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كلاهما متوسل به عندهم ويظنون أن كل من سأل الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد توسل به كما توسل به ذلك الأعمى وأن ما أمر به الأعمى مشروع لهم . وقول هؤلاء باطل شرعا وقدرا فلا هم موافقون لشرع الله ولا ما يقولونه مطابق لخلق الله . [ ص: 325 ] ومن الناس من يقولون : هذه قضية عين يثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لا مماثل لها والفرق ثابت شرعا وقدرا بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يدع له ولا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر . وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا قال في دعائه " اللهم فشفعه في " . فعلم أنه شفيع فيه ولفظه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595230إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك فقال : ادع لي } فهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ويدعو هو أيضا لنفسه ويقول في دعائه " اللهم فشفعه في " فدل ذلك على أن معنى قوله : " أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد " أي بدعائه وشفاعته كما قال عمر " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا " .
فالحديثان معناهما واحد فهو صلى الله عليه وسلم علم رجلا أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلا عنه . فلو كان التوسل به حيا وميتا سواء والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدع له الرسول لم يعدلوا عن التوسل به - وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه وأقربهم إليه وسيلة - إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله . [ ص: 326 ] وكذلك لو كان أعمى توسل به ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى فعدولهم عن هذا إلى هذا - مع أنهم السابقون الأولون المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فإنهم أعلم منا بالله ورسوله وبحقوق الله ورسوله وما يشرع من الدعاء وينفع وما لم يشرع ولا ينفع وما يكون أنفع من غيره وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير وإنزال الغيث بكل طريق ممكن - دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه . ولهذا ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه وذلك أن التوسل به حيا هو الطلب لدعائه وشفاعته وهو من جنس مسألته أن يدعو لهم وهذا مشروع ; فما زال المسلمون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم .
وأما بعد موته فلم يكن الصحابة يطلبون منه الدعاء لا عند قبره ولا عند غير قبره كما يفعله كثير من الناس عند قبور الصالحين ; يسأل أحدهم الميت حاجته أو يقسم على الله به ونحو ذلك . وإن كان قد روي في ذلك حكايات عن بعض المتأخرين ; بل nindex.php?page=treesubj&link=29440_27519طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر لما استأذنه في العمرة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=112718لا تنسنا يا أخي من دعائك } - إن صح [ ص: 327 ] الحديث - وحتى { أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من nindex.php?page=showalam&ids=12338أويس القرني أن يستغفر للطالب } وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=10143إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول : ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة } مع أن طلبه من أمته الدعاء ليس هو طلب حاجة من المخلوق بل هو تعليم لأمته ما ينتفعون به في دينهم وبسبب ذلك التعليم والعمل بما علمهم يعظم الله أجره : فإنا إذا صلينا عليه مرة صلى الله علينا عشرا وإذا سألنا الله له الوسيلة حلت علينا شفاعته يوم القيامة وكل ثواب يحصل لنا على أعمالنا فله مثل أجرنا من غير أن ينقص من أجرنا شيء ; فإنه صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=36344من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا } وهو الذي دعا أمته إلى كل خير وكل خير تعمله أمته له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء . ولهذا لم يكن الصحابة والسلف يهدون إليه ثواب أعمالهم ولا يحجون عنه [ ص: 328 ] ولا يتصدقون ولا يقرءون القرآن ويهدون له لأن كل ما يعمله المسلمون من صلاة وصيام وحج وصدقة وقراءة له صلى الله عليه وسلم مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ; بخلاف الوالدين فليس كل ما عمله المسلم من الخير يكون لوالديه مثل أجره ولهذا يهدي الثواب لوالديه وغيرهما .
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مطيع لربه عز وجل في قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فإذا فرغت فانصب } { nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=8وإلى ربك فارغب } فهو صلى الله عليه وسلم لا يرغب إلى غير الله وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14241يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون } . فهؤلاء من أمته وقد مدحهم بأنهم لا يسترقون والاسترقاء أن يطلب من غيره أن يرقيه nindex.php?page=treesubj&link=17446_17441والرقية من نوع الدعاء وكان هو صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره ولا يطلب من أحد أن يرقيه ورواية من روى في هذا : " لا يرقون " ضعيفة غلط ; فهذا مما يبين حقيقة أمره لأمته بالدعاء أنه ليس من باب سؤال المخلوق للمخلوق الذي غيره أفضل منه ; فإن من لا يسأل الناس - بل لا يسأل إلا الله - أفضل ممن يسأل الناس ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم .
nindex.php?page=treesubj&link=19734_27450ودعاء الغائب للغائب أعظم إجابة من دعاء الحاضر لأنه أكمل إخلاصا وأبعد عن الشرك فكيف يشبه دعاء من يدعو لغيره بلا سؤال منه إلى دعاء [ ص: 329 ] من يدعو الله بسؤاله وهو حاضر ؟ وفي الحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595231أعظم الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب } وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=69458ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثله } . وذلك أن المخلوق يطلب من المخلوق ما يقدر المخلوق عليه والمخلوق قادر على دعاء الله ومسألته فلهذا كان nindex.php?page=treesubj&link=29431_19734_26146طلب الدعاء جائزا كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه والأفعال التي يقدر عليها .
فأما nindex.php?page=treesubj&link=28680_28685ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فلا يجوز أن يطلب إلا من الله سبحانه لا يطلب ذلك لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم ولا يجوز أن يقال لغير الله : اغفر لي واسقنا الغيث وانصرنا على القوم الكافرين أو اهد قلوبنا ونحو ذلك ; ولهذا روى الطبراني في معجمه { nindex.php?page=hadith&LINKID=595232أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال الصديق : قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فجاءوا إليه فقال إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله } وهذا في الاستعانة مثل ذلك . فأما ما يقدر عليه البشر فليس من هذا الباب وقد قال سبحانه : [ ص: 330 ] { nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=9إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } وفي دعاء موسى عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=595233اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وإليك المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ; ولا حول ولا قوة إلا بك } وقال أبو يزيد البسطامي : nindex.php?page=treesubj&link=28680استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق . وقال أبو عبد الله القرشي : استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=56قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } { nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } .
أحدهما : nindex.php?page=treesubj&link=28705الشفاعة التي نفاها الله تعالى كالتي أثبتها المشركون ومن ضاهاهم من جهال هذه الأمة وضلالهم وهي شرك .
والثاني : أن nindex.php?page=treesubj&link=28768يشفع الشفيع بإذن الله وهذه التي أثبتها الله تعالى لعباده الصالحين ولهذا كان سيد الشفعاء إذا طلب منه الخلق الشفاعة يوم القيامة يأتي ويسجد . قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595234فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقال : أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع } فإذا أذن له في الشفاعة شفع صلى الله عليه وسلم لمن أراد الله أن يشفع فيه .
قال أهل هذا القول : nindex.php?page=treesubj&link=29440_28703ولا يلزم من جواز التوسل والاستشفاع به - بمعنى أن يكون هو داعيا للمتوسل به - أن يشرع ذلك في مغيبه وبعد موته ; مع أنه هو لم يدع للمتوسل به بل المتوسل به أقسم له أو سأل بذاته مع كون الصحابة فرقوا بين الأمرين ; وذلك لأنه في حياته يدعو هو لمن توسل به ودعاؤه هو لله سبحانه أفضل دعاء الخلق فهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله فدعاؤه لمن دعا له وشفاعته له أفضل دعاء مخلوق لمخلوق فكيف يقاس هذا بمن لم يدع له الرسول ولم يشفع له ؟ ومن سوى بين من دعا له الرسول وبين من لم يدع له الرسول وجعل هذا التوسل كهذا التوسل فهو من أضل الناس .
وأيضا فإنه ليس في طلب الدعاء منه ودعائه هو والتوسل بدعائه ضرر [ ص: 333 ] بل هو خير بلا شر وليس في ذلك محذور ولا مفسدة فإن أحدا من الأنبياء عليهم السلام لم يعبد في حياته بحضوره فإنه ينهى من يعبده ويشرك به ولو كان شركا أصغر كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم من سجد له عن السجود له وكما قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=30523لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء محمد } وأمثال ذلك .
وأما بعد موته فيخاف الفتنة والإشراك به كما أشرك بالمسيح والعزير وغيرهما عند قبورهم . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30388لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله } أخرجاه في الصحيحين وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=595235اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد } وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=595236لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } يحذر ما فعلوا .
وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان أحدهما : أن لا نعبد إلا الله . والثاني : أن لا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بعبادة مبتدعة . وهذان الأصلان هما nindex.php?page=treesubj&link=29428_28664تحقيق " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " كما قال تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7ليبلوكم أيكم أحسن عملا } . قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : أخلصه وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا . والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة . وذلك تحقيق قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } . [ ص: 334 ] وكان أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول في دعائه له : اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا . وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } . وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=35339من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وفي لفظ في الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=595237من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وفي الصحيح وغيره أيضا يقول الله تعالى : { nindex.php?page=hadith&LINKID=6944أنا أغنى الشركاء عن الشرك ; من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء ; وهو كله للذي أشرك } . ولهذا قال الفقهاء : nindex.php?page=treesubj&link=20681_28633العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود وقال " والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك " nindex.php?page=treesubj&link=28750_28747والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته . وموالاته ومحبته . وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته . فقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=13ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } وأمثال ذلك في القرآن كثير .
ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما مضت به السنة وجاءت به الشريعة [ ص: 335 ] ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفو ما ليس له به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فإن الله تعالى قد حرم ذلك كله .
وقد جاء في الأحاديث النبوية ذكر ما سأل الله تعالى به كقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=69368اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم } رواه أبو داود وغيره وفي لفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=69369اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه . وقد اتفق العلماء على أنه nindex.php?page=treesubj&link=16377لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى وهو الحلف بالمخلوقات ; فلو nindex.php?page=treesubj&link=16377حلف بالكعبة أو بالملائكة ; أو بالأنبياء أو بأحد من الشيوخ أو بالملوك لم تنعقد يمينه ; ولا يشرع له ذلك ; بل ينهى عنه إما نهي تحريم ; وإما نهي تنزيه . فإن للعلماء في ذلك قولين .
والصحيح أنه نهي تحريم . ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595238من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36247من حلف بغير الله فقد أشرك } ولم يقل أحد من العلماء المتقدمين أنه تنعقد اليمين بأحد من الأنبياء إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم فإن عن أحمد روايتين في أنه تنعقد اليمين به وقد طرد بعض أصحابه - Multitarajem.php?tid=13371,13372كابن عقيل - الخلاف في سائر الأنبياء وهذا ضعيف .
وأصل القول بانعقاد nindex.php?page=treesubj&link=16377اليمين بالنبي ضعيف شاذ ولم يقل به أحد من العلماء [ ص: 336 ] فيما نعلم والذي عليه الجمهور كمالك والشافعي وأبي حنيفة أنه لا تنعقد اليمين به كإحدى الروايتين عن أحمد وهذا هو الصحيح . وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=28680_29453الاستعاذة بالمخلوقات بل إنما يستعاذ بالخالق تعالى وأسمائه وصفاته ولهذا احتج السلف - كأحمد وغيره - على أن كلام الله غير مخلوق فيما احتجوا به بقول النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1280أعوذ بكلمات الله التامات } قالوا : فقد استعاذ بها ولا يستعاذ بمخلوق .
ولهذا نهى العلماء عن nindex.php?page=treesubj&link=28680_17440التعازيم والإقسام التي يستعملها بعض الناس في حق المصروع وغيره التي تتضمن الشرك ; بل نهوا عن كل ما لا يعرف معناه من ذلك خشية أن يكون فيه شرك بخلاف ما كان من الرقى المشروعة فإنه جائز . فإذا لا يجوز أن يقسم لا قسما مطلقا ولا قسما على غيره إلا بالله عز وجل ولا يستعيذ إلا بالله عز وجل . nindex.php?page=treesubj&link=28680_29431والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه وإما أن يكون طالبا بذلك السبب : كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم ; وكما nindex.php?page=treesubj&link=29440يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين . [ ص: 337 ] فإن كان إقساما على الله بغيره فهذا لا يجوز . وإن كان سؤالا بسبب يقتضي المطلوب كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله مثل nindex.php?page=treesubj&link=29441السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك فهذا جائز . وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين فهذا غير مشروع وقد نهى عنه غير واحد من العلماء وقالوا : إنه لا يجوز ورخص فيه بعضهم والأول أرجح كما تقدم وهو سؤال بسبب لا يقتضي حصول المطلوب بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضي لحصول المطلوب كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة فهذا جائز ; لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دعوا به وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة كما قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } والوسيلة هي الأعمال الصالحة وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } .
وأما إذا nindex.php?page=treesubj&link=28703_29441لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا ولكن توسلنا بنفس ذواتهم لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضي إجابة دعائنا فكنا متوسلين بغير وسيلة ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا ولا مشهورا عن السلف . وقد نقل في ( منسك المروذي عن أحمد nindex.php?page=treesubj&link=28704دعاء فيه سؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا قد يخرج على إحدى الروايتين عنه في جواز القسم به [ ص: 338 ] وأكثر العلماء على النهي في الأمرين ولا ريب أن لهم عند الله الجاه العظيم - كما قال تعالى في حق موسى وعيسى عليهما السلام وقد تقدم ذكر ذلك - لكن ما لهم عند الله من المنازل والدرجات أمر يعود نفعه إليهم ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم ومحبتنا لهم ; فإذا توسلنا إلى الله تعالى بإيماننا بنبيه ومحبته وموالاته واتباع سنته فهذا أعظم الوسائل . وأما التوسل بنفس ذاته مع عدم التوسل بالإيمان به وطاعته فلا يجوز أن يكون وسيلة فالمتوسل بالمخلوق إذا لم يتوسل بالإيمان بالمتوسل به ولا بطاعته فبأي شيء يتوسل ؟ .
nindex.php?page=treesubj&link=28705والإنسان إذا توسل إلى غيره بوسيلة فإما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك مثل أن يقال لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه : اشفع لنا عنده وهذا جائز . وإما أن يقسم عليه كما يقول بحياة ولدك فلان وبتربة أبيك فلان وبحرمة شيخك فلان ونحو ذلك nindex.php?page=treesubj&link=28703والإقسام على الله تعالى بالمخلوقين لا يجوز ولا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=28680_16377الإقسام على مخلوق بمخلوق . وإما أن يسأل بسبب يقتضي المطلوب كما قال الله تعالى . { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } وسيأتي بيان ذلك . وقد تبين أن الإقسام على الله سبحانه بغيره لا يجوز ولا يجوز أن يقسم بمخلوق أصلا وأما nindex.php?page=treesubj&link=28768التوسل إليه بشفاعة المأذون لهم في الشفاعة فجائز والأعمى كان قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له كما طلب الصحابة منه [ ص: 339 ] الاستسقاء وقوله " أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة " أي بدعائه وشفاعته لي ولهذا تمام الحديث " اللهم فشفعه في " . فالذي في الحديث متفق على جوازه وليس هو مما نحن فيه وقد قال تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } . فعلى قراءة الجمهور بالنصب : إنما يسألون بالله وحده لا بالرحم وتساؤلهم بالله تعالى يتضمن إقسام بعضهم على بعض بالله وتعاهدهم بالله . وأما على قراءة الخفض فقد قال طائفة من السلف : هو nindex.php?page=treesubj&link=16535_16377قولهم أسألك بالله وبالرحم وهذا إخبار عن سؤالهم وقد يقال إنه ليس بدليل على جوازه فإن كان دليلا على جوازه فمعنى قوله أسألك بالرحم ليس إقساما بالرحم - والقسم هنا لا يسوغ - لكن بسبب الرحم أي لأن الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقا كسؤال الثلاثة لله تعالى بأعمالهم الصالحة وكسؤالنا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته . ومن هذا الباب ما روي عن أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أن ابن أخيه nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه وليس هذا من باب الإقسام ; فإن الإقسام بغير جعفر أعظم بل من باب حق الرحم لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر وجعفر حقه على علي .
ومن هذا الباب : الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=108415في nindex.php?page=treesubj&link=28680_28704دعاء الخارج إلى الصلاة اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة [ ص: 340 ] ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك . أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } .
وهذا الحديث في إسناده عطية العوفي وفيه ضعف فإن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو من هذا الباب لوجهين : -
وفي الصحيح في حديث معاذ { nindex.php?page=hadith&LINKID=595239حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم } . وفي الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر { nindex.php?page=hadith&LINKID=595240عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا } .
وإذا كان حق السائلين والعابدين له هو الإجابة والإثابة ; بذلك فذاك سؤال لله بأفعاله ; كالاستعاذة بنحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=15698أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك [ ص: 341 ] أنت كما أثنيت على نفسك } فالاستعاذة بمعافاته التي هي فعله كالسؤال بإثابته التي هي فعله .
وروى الطبراني في ( كتاب الدعاء { nindex.php?page=hadith&LINKID=595241عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول : يا عبدي إنما هي أربع : واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة بينك وبين خلقي ; فالتي لي أن تعبدني لا تشرك بي شيئا والتي هي لك أجزيك بها أحوج ما تكون إليه والتي بيني وبينك منك الدعاء ومني الإجابة والتي بينك وبين خلقي فأت إلى الناس ما تحب أن يأتوه إليك } .
وتقسيمه في الحديث إلى قوله : واحدة لي وواحدة لك هو مثل تقسيمه في حديث الفاتحة حيث يقول الله تعالى : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595242قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ; نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل } . والعبد يعود عليه نفع النصفين والله تعالى يحب النصفين ; لكن هو سبحانه يحب أن يعبد ; وما يعطيه العبد من الإعانة والهداية هو وسيلة إلى ذلك فإنما يحبه لكونه طريقا إلى عبادته والعبد يطلب ما يحتاج إليه أولا ; وهو محتاج إلى الإعانة على العبادة والهداية إلى الصراط المستقيم ; وبذلك يصل إلى العبادة إلى غير ذلك مما يطول الكلام فيما يتعلق بذلك وليس هذا موضعه وإن كنا خرجنا عن المراد .
( الوجه الثاني ) أن nindex.php?page=treesubj&link=28703الدعاء له سبحانه وتعالى والعمل له سبب لحصول مقصود العبد فهو كالتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته وقد تقدم أن الدعاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالح إما أن يكون إقساما به [ ص: 342 ] أو سببا به فإن كان قوله " بحق السائلين عليك " إقساما فلا يقسم على الله إلا به وإن كان سببا فهو سبب بما جعله هو سبحانه سببا وهو دعاؤه وعبادته .
فهذا كله يشبه بعضه بعضا وليس في شيء من ذلك دعاء له بمخلوق من غير دعاء منه ولا عمل صالح منا .
وإذا nindex.php?page=treesubj&link=28704قال السائل : أسألك بحق الملائكة أو بحق الأنبياء وحق الصالحين ; ولا يقول لغيره أقسمت عليك بحق هؤلاء - فإذا لم يجز له أن يحلف به ولا يقسم على مخلوق به فكيف يقسم على الخالق به ؟ وإن كان لا يقسم به وإنما يتسبب به فليس في مجرد ذوات هؤلاء سبب يوجب تحصيل مقصوده ولكن لا بد من سبب منه كالإيمان بالملائكة والأنبياء أو منهم كدعائهم . ولكن كثيرا من الناس تعودوا كما تعودوا الحلف بهم حتى nindex.php?page=treesubj&link=28704يقول أحدهم : وحقك على الله وحق هذه الشيبة على الله . وإذا nindex.php?page=treesubj&link=28704قال القائل : أسألك بحق فلان أو بجاهه : أي أسألك بإيماني به ومحبتي له وهذا من أعظم الوسائل . قيل : من قصد هذا المعنى فهو معنى صحيح لكن ليس هذا مقصود عامة هؤلاء فمن قال : أسألك بإيماني بك وبرسولك ونحو ذلك أو بإيماني برسولك ومحبتي له ونحو ذلك فقد أحسن في ذلك كما قال تعالى في دعاء المؤمنين : { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار } وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين } وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=53ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } . وكان ابن مسعود يقول : اللهم أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا سحر فاغفر لي . ومن هذا الباب حديث الثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى الغار وانطبقت عليهم الصخرة ثم دعوا الله سبحانه بأعمالهم الصالحة ففرج عنهم وهو ما ثبت في الصحيحين . وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا خالد بن خراش العجلاني وإسماعيل بن إبراهيم قالا حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16205صالح المري عن ثابت عن أنس قال : دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ثقيل فلم نبرح حتى قبض فبسطنا عليه ثوبه وله أم عجوز كبيرة عند رأسه فالتفت إليها بعضنا وقال : يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله . قالت : وما ذاك مات ابني ؟ قلنا : نعم . قالت : أحق ما تقولون ؟ قلنا : نعم . فمدت يديها إلى الله فقالت : اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعقبني عند كل شدة فرجا فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم . قال : فكشفت الثوب عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه .
وروي في كتاب الحلية nindex.php?page=showalam&ids=12181لأبي نعيم { أن داود قال : بحق آبائي عليك إبراهيم وإسحاق ويعقوب . فأوحى الله تعالى إليه : يا داود وأي حق لآبائك علي ؟ } وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يعتضد بها ولا يعتمد عليها . [ ص: 344 ] وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر ما يقدر عليه . وأما nindex.php?page=treesubj&link=28681_28680المخلوق الغائب والميت فلا يطلب منه شيء . يحقق هذا الأمر أن التوسل به والتوجه به لفظ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته ; ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل . وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى ويقسم عليه بذاته والله تعالى لا يقسم عليه بشيء من المخلوقات بل لا يقسم بها بحال فلا يقال أقسمت عليك يا رب بملائكتك ولا بكعبتك ولا بعبادك الصالحين كما لا يجوز أن يقسم الرجل بهذه الأشياء بل إنما يقسم بالله تعالى بأسمائه وصفاته ولهذا كان السنة أن nindex.php?page=treesubj&link=28685يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته فيقول { nindex.php?page=hadith&LINKID=595243أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك } . الحديث كما جاءت به السنة .
وأما أن nindex.php?page=treesubj&link=28680_16377يسأل الله ويقسم عليه بمخلوقاته فهذا لا أصل له في دين الإسلام : وكذلك قوله " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وبكلماتك التامات " . [ ص: 345 ] مع أن هذا الدعاء الثالث في جواز الدعاء به قولان للعلماء قال الشيخ أبو الحسن القدوري في كتابه المسمى بشرح الكرخي : قال nindex.php?page=showalam&ids=15536بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف قال : قال أبو حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول " بمعاقد العز من عرشك " أو " بحق خلقك " . وهو قول أبي يوسف قال أبو يوسف : " معقد العز من عرشه " هو الله فلا أكره هذا وأكره أن nindex.php?page=treesubj&link=28680_28704_16377يقول : " بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت والمشعر الحرام " قال القدوري : المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للمخلوق على الخالق فلا يجوز - يعني وفاقا - وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما يقتضي المنع أن يسأل الله بغيره . فإن قيل : الرب سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته وليس لنا أن نقسم عليه إلا به . فهلا قيل : يجوز أن يقسم عليه بمخلوقاته وأن لا يقسم على مخلوق إلا بالخالق تعالى ؟ قيل لأن إقسامه بمخلوقاته من باب مدحه والثناء عليه وذكر آياته وإقسامنا نحن بذلك شرك إذا أقسمنا به لحض غيرنا أو لمنعه أو تصديق خبر أو تكذيبه .
ومن قال لغيره : أسألك بكذا . فإما أن يكون مقسما فهذا لا يجوز بغير الله تعالى والكفارة في هذا على المقسم لا على المقسم عليه كما صرح بذلك أئمة الفقهاء . وإن لم يكن مقسما فهو من باب السؤال فهذا لا كفارة فيه على واحد منهما . فتبين أن السائل لله بخلقه إما أن يكون حالفا بمخلوق وذلك لا يجوز . وإما أن يكون سائلا به وقد تقدم تفصيل ذلك . وإذا قال " بالله أفعل كذا " [ ص: 346 ] فلا كفارة فيه على واحد منهما وإذا nindex.php?page=treesubj&link=16535_16478قال : " أقسمت عليك بالله لتفعلن أو " والله لتفعلن " فلم يبر قسمه لزمت الكفارة الحالف . والذي يدعو بصيغة السؤال فهو من باب السؤال به وأما إذا nindex.php?page=treesubj&link=28702_29440أقسم على الله تعالى مثل أن يقول : أقسمت عليك يا رب لتفعلن كذا كما كان يفعل البراء بن مالك وغيره من السلف فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=19246رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره } وفي الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=69371أنه قال لما قال أنس بن النضر : والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية الربيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره } وهذا من باب الحلف بالله لتفعلن هذا الأمر فهو إقسام عليه تعالى به وليس إقساما عليه بمخلوق . وينبغي nindex.php?page=treesubj&link=27699للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة فإن ذلك لا ريب في فضله وحسنه وأنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وقد تقدم أن nindex.php?page=treesubj&link=28704ما يذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم { إذا كانت لكم حاجة فاسألوا الله بجاهي } حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شيء من كتب الحديث وإنما المشروع الصلاة عليه في دعاء . ولهذا لما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء وغيره ذكروا الصلاة عليه لم يذكروا فيما شرع للمسلمين في هذه الحال التوسل به كما لم يذكر أحد من العلماء [ ص: 347 ] دعاء غير الله والاستعانة المطلقة بغيره في حال من الأحوال ; وإن كان بينهما فرق ; فإن دعاء غير الله كفر ولهذا لم ينقل دعاء أحد من الموتى والغائبين - لا الأنبياء ولا غيرهم - عن أحد من السلف وأئمة العلم وإنما ذكره بعض المتأخرين ممن ليس من أئمة العلم المجتهدين بخلاف قولهم : أسألك بجاه نبينا أو بحقه فإن هذا مما نقل عن بعض المتقدمين فعله ولم يكن مشهورا بينهم ولا فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بل السنة تدل على النهي عنه كما نقل ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما . ورأيت في فتاوي الفقيه أبي محمد بن عبد السلام قال : لا يجوز أن nindex.php?page=treesubj&link=28703يتوسل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح حديث الأعمى : فلم يعرف صحته - ثم رأيت عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما من العلماء أنهم قالوا : لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=28703الإقسام على الله بأحد من الأنبياء ورأيت في كلام nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أنه في النبي صلى الله عليه وسلم لكن قد يخرج على إحدى الروايتين عنه في جواز الحلف به - وقد تقدم أن هذا الحديث لا يدل إلا على التوسل بدعائه ليس من باب الإقسام بالمخلوق على الله تعالى ولا من باب السؤال بذات الرسول كما تقدم . والذين يتوسلون بذاته لقبول الدعاء عدلوا عما أمروا به وشرع لهم - وهو من أنفع الأمور لهم - إلى ما ليس كذلك فإن الصلاة عليه من أعظم الوسائل التي بها يستجاب الدعاء وقد أمر الله بها . والصلاة عليه في الدعاء هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } . [ ص: 348 ] وفي الصحيح عنه أنه قال . { nindex.php?page=hadith&LINKID=69074من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا } وعن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=64864سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بعده بما شاء } رواه أحمد وأبو داود - وهذا لفظه - والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث صحيح .
وفي صحيح مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10143إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ; ثم صلوا علي ; فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ; فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة } . وفي سنن أبي داود والنسائي عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=595244أن رجلا قال : يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل كما يقولون فإذا انتهيت سل تعطه } وفي المسند عن جابر بن عبد الله قال " من قال حين ينادي المنادي : اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عنه رضاء لا سخط بعده استجاب الله له دعوته ؟ . وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=595245الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة } رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي : حديث حسن . [ ص: 349 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=595246ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء قلما ترد على داع دعوته : عند حصول النداء والصف في سبيل الله } رواه أبو داود .
وفي المسند والترمذي وغيرهما عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=595247كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة . جاء الموت بما فيه } . { قال أبي : قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال ما شئت قلت ; الربع ؟ قال : ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت : النصف . قال ؟ ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت : الثلثين ؟ قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك وفي لفظ إذا تكفى همك ويغفر ذنبك } . وقول السائل : أجعل لك من صلاتي ؟ يعني من دعائي ; فإن الصلاة في اللغة هي الدعاء قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=595248اللهم صل على آل أبي أوفى } { nindex.php?page=hadith&LINKID=595249وقالت : امرأة : صل علي يا رسول الله وعلى زوجي فقال صلى الله عليك وعلى زوجك } . فيكون مقصود السائل أي يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به أستجلب به [ ص: 350 ] الخير وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء قال : " ما شئت " فلما انتهى إلى قوله : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=595250إذا تكفى همك ويغفر ذنبك } . وفي الرواية الأخرى { nindex.php?page=hadith&LINKID=595251إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك } . وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات ودفع المضرات ; فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب كما بسط ذلك في مواضعه .
وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين nindex.php?page=treesubj&link=27699الأدعية الشرعية وأعرضوا عن nindex.php?page=treesubj&link=29496الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك . والمراتب في هذا الباب ثلاث : - ( إحداها أن nindex.php?page=treesubj&link=28678يدعو غير الله وهو ميت أو غائب سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول : يا سيدي فلان أغثني أو أنا أستجير بك أو أستغيث بك أو انصرني على عدوي . ونحو ذلك فهذا هو الشرك بالله . nindex.php?page=treesubj&link=28681_28677والمستغيث بالمخلوقات قد يقضي الشيطان حاجته أو بعضها وقد يتمثل له في صورة الذي استغاث به فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به ; وإنما هو شيطان دخله وأغواه لما أشرك بالله كما يتكلم الشيطان في الأصنام وفي المصروع وغير ذلك ومثل هذا واقع كثيرا في زماننا وغيره وأعرف من ذلك ما يطول وصفه في قوم استغاثوا بي أو بغيري وذكروا أنه أتى شخص على صورتي أو صورة غيري وقضى حوائجهم فظنوا أن ذلك من بركة الاستغاثة ( بي أو بغيري وإنما هو شيطان أضلهم وأغواهم وهذا هو أصل عبادة الأصنام واتخاذ الشركاء مع الله تعالى في الصدر الأول من القرون الماضية كما ثبت ذلك فهذا أشرك بالله نعوذ بالله من ذلك [ ص: 351 ] وأعظم من ذلك أن يقول : اغفر لي وتب علي كما يفعله طائفة من الجهال المشركين . وأعظم من ذلك أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة أفضل من استقبال القبلة حتى يقول بعضهم : هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام . وأعظم من ذلك أن يرى السفر إليه من جنس الحج حتى يقول إن السفر إليه مرات يعدل حجة وغلاتهم يقولون : الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة . ونحو ذلك فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه .
( الثانية أن nindex.php?page=treesubj&link=28681_28680_29431_28699يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين : ادع الله لي أو ادع لنا ربك أو اسأل الله لنا كما تقول النصارى لمريم وغيرها - فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة ; وإن كان nindex.php?page=treesubj&link=2321السلام على أهل القبور جائزا ومخاطبتهم جائزة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم { nindex.php?page=hadith&LINKID=73857السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . يغفر الله لنا ولكم نسأل الله لنا ولكم العافية . اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم } . وروى أبو عمر بن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام } . [ ص: 352 ] وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=595253ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام } لكن ليس من المشروع أن يطلب من الأموات لا دعاء ولا غيره . وفي موطأ مالك أن ابن عمر كان يقول : " السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت " ثم ينصرف . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار قال : رأيت nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر . وكذلك أنس بن مالك وغيره نقل عنهم أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أرادوا الدعاء استقبلوا القبلة يدعون الله تعالى لا يدعون مستقبلي الحجرة وإن كان قد وقع في بعض ذلك طوائف من الفقهاء والصوفية والعامة من لا اعتبار بهم فلم يذهب إلى ذلك إمام متبع في قوله ولا من له في الأمة لسان صدق عام .
ومذهب الأئمة الأربعة - مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد - وغيرهم من أئمة الإسلام أن nindex.php?page=treesubj&link=28699الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة . واختلفوا في وقت السلام عليه فقال الثلاثة - مالك والشافعي وأحمد - : يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه وقال أبو حنيفة : لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم . ثم في مذهبه قولان : - [ ص: 353 ] قيل يستدبر الحجرة وقيل يجعلها عن يساره . فهذا نزاعهم في وقت السلام وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة لا الحجرة . والحكاية التي تذكر عن مالك أنه قال للمنصور لما سأله عن استقبال الحجرة فأمره بذلك وقال : " هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم " : كذب على مالك ليس لها إسناد معروف وهو خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره مثل ما ذكروا عنه أنه سئل عن nindex.php?page=treesubj&link=28699أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لأنفسهم فأنكر مالك ذلك وذكر أنه من البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان وقال : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها . ولا ريب أن الأمر كما قاله مالك فإن الآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين تبين أن هذا لم يكن من عملهم وعادتهم ولو كان استقبال الحجرة عند الدعاء مشروعا لكانوا هم أعلم بذلك وكانوا أسبق إليه ممن بعدهم والداعي يدعو الله وحده . وقد نهي عن استقبال الحجرة عند دعائه لله تعالى كما نهي عن استقبال الحجرة عند الصلاة لله تعالى كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي مرثد [ ص: 354 ] الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30040لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } . فلا يجوز أن nindex.php?page=treesubj&link=28698يصلي إلى شيء من القبور لا قبور الأنبياء ولا غيرهم لهذا الحديث الصحيح .
ولا خلاف بين المسلمين أنه nindex.php?page=treesubj&link=28698لا يشرع أن يقصد الصلاة إلى القبر بل هذا من البدع المحدثة وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=28698_28808قصد شيء من القبور لا سيما قبور الأنبياء والصالحين عند الدعاء فإذا لم يجز قصد استقباله عند الدعاء لله تعالى فدعاء الميت نفسه أولى أن لا يجوز كما أنه لا يجوز أن يصلي مستقبله فلأن لا يجوز الصلاة له بطريق الأولى . فعلم أنه لا يجوز أن nindex.php?page=treesubj&link=28681_28680يسأل الميت شيئا : لا يطلب منه أن يدعو الله له ولا غير ذلك ولا يجوز أن يشكى إليه شيء من مصائب الدنيا والدين ; ولو جاز أن يشكى إليه ذلك في حياته فإن ذلك في حياته لا يفضي إلى الشرك وهذا يفضي إلى الشرك لأنه في حياته مكلف أن يجيب سؤال من سأله لما له في ذلك من الأجر والثواب وبعد الموت ليس مكلفا بل ما يفعله من ذكر لله تعالى ودعاء ونحو ذلك - كما أن موسى يصلي في قبره ; وكما صلى الأنبياء خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ببيت المقدس وتسبيح أهل الجنة والملائكة - فهم يمتعون بذلك وهم يفعلون ذلك بحسب ما يسره الله لهم ويقدره لهم ليس هو من باب التكليف الذي يمتحن به العباد . وحينئذ . فسؤال السائل للميت لا يؤثر في ذلك شيئا ; بل ما جعله الله فاعلا له هو يفعله وإن لم يسأله العبد ; كما يفعل الملائكة ما يؤمرون به وهم إنما [ ص: 355 ] يطيعون أمر ربهم لا يطيعون أمر مخلوق ; كما قال سبحانه وتعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=26وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } فهم لا يعملون إلا بأمره سبحانه وتعالى . ولا يلزم من جواز الشيء في حياته جوازه بعد موته ; فإن بيته كانت الصلاة فيه مشروعة وكان يجوز أن يجعل مسجدا . ولما دفن فيه حرم أن يتخذ مسجدا ; كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=595254 : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } يحذر ما فعلوا . ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا . وفي صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=595255إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } . وقد كان صلى الله عليه وسلم في حياته يصلي خلفه وذلك من أفضل الأعمال ولا يجوز بعد موته أن يصلي الرجل خلف قبره وكذلك في حياته يطلب منه أن يأمر وأن يفتي وأن يقضي ولا يجوز أن يطلب ذلك منه بعد موته . وأمثال ذلك كثير . وقد كره مالك وغيره أن nindex.php?page=treesubj&link=28699يقول الرجل : زرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا اللفظ لم يرد . والأحاديث المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة بل كذب . وهذا اللفظ صار مشتركا في عرف المتأخرين يراد به ( nindex.php?page=treesubj&link=28696الزيارة البدعية : التي في معنى الشرك ; كالذي يزور القبر ليسأله أو يسأل الله به أو يسأل الله عنده . [ ص: 356 ] و ( nindex.php?page=treesubj&link=28696الزيارة الشرعية : هي أن يزوره لله تعالى : للدعاء له والسلام عليه كما يصلي على جنازته . فهذا الثاني هو المشروع ولكن كثير من الناس لا يقصد بالزيارة إلا المعنى الأول فكره مالك أن يقول : زرت قبره لما فيه من إيهام المعنى الفاسد الذي يقصده أهل البدع والشرك .
( الثالثة أن nindex.php?page=treesubj&link=28704يقال : أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهي عنه . وتقدم أيضا أن هذا ليس بمشهور عن الصحابة بل عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء العباس وغيره . وقد تبين ما في لفظ " التوسل " من الاشتراك بين ما كانت الصحابة تفعله وبين ما لم يكونوا يفعلونه فإن لفظ التوسل والتوجه في عرف الصحابة ولغتهم هو التوسل والتوجه بدعائه وشفاعته . ولهذا يجوز أن nindex.php?page=treesubj&link=29440يتوسل ويتوجه بدعاء كل مؤمن وإن كان بعض الناس من المشايخ المتبوعين يحتج بما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور أو فاستعينوا بأهل القبور } فهذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة . [ ص: 357 ] وقد قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=58وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا } وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه غير مشروع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما هو أقرب من ذلك - عن اتخاذ القبور مساجد ونحو ذلك - ولعن أهله تحذيرا من التشبه بهم فإن ذلك أصل عبادة الأوثان . كما قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=23وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } . فإن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح . فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروهم ثم اتخذوا الأصنام على صورهم كما تقدم ذكر ذلك عن ابن عباس وغيره من علماء السلف . فمن فهم معنى قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين } عرف أنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله وحده وأنه يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه وكذلك الاستغاثة لا تكون إلا بالله والتوكل لا يكون إلا عليه { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وما النصر إلا من عند الله } فالنصر المطلق - وهو خلق ما يغلب به العدو - لا يقدر عليه إلا الله وفي هذا القدر كفاية لمن هداه الله والله أعلم .
[ ص: 359 ] فصل وإذا تبين ما أمر الله به ورسوله وما نهى الله عنه ورسوله - في حق أشرف الخلق وأكرمهم على الله عز وجل وسيد ولد آدم وخاتم الرسل والنبيين وأفضل الأولين والآخرين وأرفع الشفعاء منزلة وأعظمهم جاها عند الله تبارك وتعالى - تبين أن من دونه من الأنبياء والصالحين أولى بأن لا يشرك به ولا يتخذ قبره وثنا يعبد ولا يدعى من دون الله لا في حياته ولا في مماته .
ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين مثل أن nindex.php?page=treesubj&link=28680يقول : يا سيدي فلانا أغثني وانصرني وادفع عني أو أنا في حسبك ونحو ذلك ; بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم - لما كانوا من جنس عباد الأوثان - صار الشيطان يضلهم ويغويهم كما يضل عباد الأوثان ويغويهم فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة كما تخاطب الشياطين الكهان وبعض ذلك صدق لكن لا بد أن يكون في ذلك ما هو كذب بل الكذب أغلب عليه من الصدق .
[ ص: 360 ] وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك أو يظن أن الله تعالى صور ملكا - على صورته - فعل ذلك ويقول أحدهم : هذا سر الشيخ وحاله وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم ; وأعرف من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ودفعنا عنهم ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في nindex.php?page=treesubj&link=28681_29431_28685الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان .
وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلامس يرون أيضا من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به فيقضي بعض حوائجهم .
وهؤلاء الذين nindex.php?page=treesubj&link=28681_29431_28808_28818_29553يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجرى له بعض هذه الأمور أو يحكى لهم بعض هذه الأمور فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل .
ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ [ ص: 361 ] الذي يشرك به ويستغيث به فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه فيظن ذلك كرامة لشيخه وإنما ذلك كله من الشياطين . وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان .
وكثير من هؤلاء يطير في الهواء وتكون الشياطين قد حملته وتذهب به إلى مكة وغيرها ويكون مع ذلك زنديقا يجحد الصلاة وغيرها مما فرض الله ورسوله ويستحل المحارم التي حرمها الله ورسوله وإنما يقترن به أولئك الشياطين لما فيه من الكفر والفسوق والعصيان حتى إذا آمن بالله ورسوله وتاب والتزم طاعة الله ورسوله فارقته تلك الشياطين وذهبت تلك الأحوال الشيطانية من الإخبارات والتأثيرات ; وأنا أعرف من هؤلاء عددا كثيرا بالشام ومصر والحجاز واليمن وأما الجزيرة والعراق وخراسان والروم ففيها من هذا الجنس أكثر مما بالشام وغيرها وبلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب أعظم . وإنما ظهرت هذه الأحوال الشيطانية التي أسبابها الكفر والفسوق والعصيان بحسب ظهور أسبابها فحيث قوي الإيمان والتوحيد ونور الفرقان والإيمان وظهرت آثار النبوة والرسالة ضعفت هذه الأحوال الشيطانية وحيث ظهر الكفر والفسوق والعصيان قويت هذه الأحوال الشيطانية والشخص الواحد الذي يجتمع فيه هذا وهذا الذي تكون فيه مادة تمده للإيمان ومادة تمده للنفاق يكون فيه من هذا الحال وهذا الحال .
والمشركون الذين لم يدخلوا في الإسلام مثل البخشية والطونية والبدى [ ص: 364 ] ونحو ذلك من علماء المشركين وشيوخهم الذين يكونون للكفار من الترك والهند الجوار وغيرهم تكون الأحوال الشيطانية فيهم أكثر ويصعد أحدهم في الهواء ويحدثهم بأمور غائبة ويبقى الدف الذي يغنى لهم به يمشي في الهواء ويضرب رأس أحدهم إذا خرج عن طريقهم ولا يرون أحدا يضرب له ويطوف الإناء الذي يشربون منه عليهم ولا يرون من يحمله ويكون أحدهم في مكان فمن نزل منهم عنده ضيفه طعاما يكفيهم ويأتيهم بألوان مختلفة . وذلك من الشياطين تأتيه من تلك المدينة القريبة منه أو من غيرها تسرقه وتأتي به . وهذه الأمور كثيرة عند من يكون مشركا أو ناقص الإيمان من الترك وغيرهم وعند التتار من هذا أنواع كثيرة .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=28680الداخلون في الإسلام إذا لم يحققوا التوحيد واتباع الرسول بل دعوا الشيوخ الغائبين واستغاثوا بهم فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان . ومن هؤلاء nindex.php?page=treesubj&link=28795_29535_29542_29552قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل يحمل أحدهم فيوقف بعرفات مع الحجاج من غير أن يحرم إذا حاذى المواقيت ولا يبيت بمزدلفة ولا يطوف طواف الإفاضة ويظن أنه حصل له بذلك عمل صالح وكرامة عظيمة من كرامات الأولياء ولا يعلم أن هذا من تلاعب الشيطان به . فإن مثل هذا الحج ليس مشروعا ولا يجوز باتفاق علماء المسلمين ومن ظن أن هذا عبادة وكرامة لأولياء الله فهو ضال جاهل . ولهذا لم يكن أحد من الأنبياء والصحابة يفعل بهم مثل هذا فإنهم أجل [ ص: 365 ] قدرا من ذلك وقد جرت هذه القضية لبعض من حمل هو وطائفة معه من الإسكندرية إلى عرفة فرأى ملائكة تنزل وتكتب أسماء الحجاج فقال : هل كتبتموني ؟ قالوا أنت : لم تحج كما حج الناس أنت لم تتعب ولم تحرم ولم يحصل لك من الحج الذي يثاب الناس عليه ما حصل للحجاج . وكان بعض الشيوخ قد طلب منه بعض هؤلاء أن يحج معهم في الهواء فقال لهم : هذا الحج لا يسقط به الفرض عنكم لأنكم لم تحجوا كما أمر الله ورسوله .
ودين nindex.php?page=treesubj&link=29530_29428_28750_28664الإسلام مبني على أصلين : على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء وعلى أن يعبد بما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وهذان هما nindex.php?page=treesubj&link=29428_28664حقيقة قولنا : " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " . فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما . والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يعبد إلا الله ولا يدعى إلا الله ولا يخاف إلا الله ولا يطاع إلا الله .
والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله تعالى أمره ونهيه وتحليله وتحريمه فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه ; والرسول صلى الله عليه وسلم واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده وتحليله وتحريمه ; وسائر ما بلغه من كلامه . وأما في إجابة الدعاء وكشف البلاء والهداية والإغناء فالله تعالى هو الذي يسمع كلامهم ويرى مكانهم ويعلم سرهم ونجواهم ; وهو سبحانه قادر على [ ص: 366 ] إنزال النعم وإزالة الضر والقسم من غير احتياج منه إلى أن يعرفه أحد أحوال عباده أو يعينه على قضاء حوائجهم . والأسباب التي بها يحصل ذلك هو خلقها ويسرها . فهو مسبب الأسباب وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . { nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=29يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } فأهل السموات يسألونه وأهل الأرض يسألونه وهو سبحانه لا يشغله سمع كلام هذا عن سمع كلام هذا ولا يغلطه اختلاف أصواتهم ولغاتهم بل يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ولا يبرمه إلحاح الملحين بل يحب الإلحاح في الدعاء .