الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وأما من قال : { أفمن كان على بينة من ربه } إنه محمد صلى الله عليه وسلم كما قاله طائفة من السلف فقد يريدون بذلك التمثيل لا التخصيص فإن المفسرين كثيرا ما يريدون ذلك ومحمد هو أول من كان على بينة من ربه وتلاه شاهد منه وكذلك الأنبياء وهو أفضلهم وإمامهم والمؤمنون تبع له وبه صاروا على بينة من ربهم .

                والخطاب قد يكون لفظه له ومعناه عام كقوله : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } { لئن أشركت ليحبطن عملك } { فإذا فرغت فانصب } { قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي } ونحو ذلك وذلك أن الأصل فيما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به ونهي عنه وأبيح له سار في حق أمته كمشاركة أمته له في الأحكام وغيرها حتى يقوم دليل التخصيص فما ثبت في حقه من الأحكام ثبت في حق الأمة إذا لم يخصص هذا مذهب السلف والفقهاء ودلائل ذلك كثيرة كقوله : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } الآية ولما أباح له الموهوبة قال : { خالصة لك من دون المؤمنين } الآية .

                فإذا كان هذا مع كون الصيغة خاصة فكيف تجعل الصيغة العامة له وللمؤمنين مختصة به ؟ ولفظ " من " أبلغ صيغ العموم ; لا سيما إذا كانت شرطا أو استفهاما كقوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقوله : { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } وقوله : { أومن كان ميتا فأحييناه } وقوله { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله } .

                و " أيضا " : فقد ذكر بعد ذلك قوله : { أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } وذكر بعد هذا : { مثل الفريقين } وقد تقدم قبل هذا ذكر الفريقين وقوله : { أولئك يؤمنون به } إشارة إلى جماعة ولم يقدم قبل هذا ما يصلح أن يكون مشارا إليه إلا ( من والضمير يعود تارة إلى لفظ ( من وتارة إلى معناها كقوله : { ومنهم من يستمع إليك } { ومنهم من يستمعون إليك } { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى } { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } الآية .

                وأما الإشارة إلى معناها فهو أظهر من الضمير . فقوله : { أولئك يؤمنون به } دليل على أن الذي على بينة من ربه كثيرون لا واحد قال ابن أبي حاتم : ثنا عامر بن صالح عن أبيه عن الحسن البصري : { أفمن كان على بينة من ربه } . قال : المؤمن على بينة من ربه وهذا الذي قاله الحسن البصري هو الصواب والرسول هو أول المؤمنين كما قال : { وأمرت أن أكون من المؤمنين } .

                ومن قال : إن الشاهد من الله هو محمد كما رواه ابن أبي حاتم ثنا الأشج ثنا أبو أسامة عن عوف عن سليمان الفلاني عن الحسين بن علي : { ويتلوه شاهد منه } يعني محمدا شاهدا من الله فهنا معنى كونه شاهدا من الله هو معنى كونه رسول الله وهو يشهد للمؤمنين بأنهم على حق وإن كان يشهد لنفسه بأنه رسول الله فشهادته لنفسه معلومة قد علم أنه صادق فيها بالبراهين الدالة على نبوته وأما شهادته للمؤمنين فهو أنها إنما تعلم من جهته بما بلغه من القرآن ويخبر به عن [ ص: 84 ] ربه فهو إذا شهد كان شاهدا من الله .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية