[ ص: 239 ] وقال : فصل " في طريقتي العلم والعمل "
nindex.php?page=treesubj&link=28749_28991قال الله تعالى لموسى وهارون : { nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } وقال في السورة بعينها {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا } .
فذكر في كل واحدة من الرسالتين العظيمتين - رسالة
موسى ورسالة
محمد - أن ذلك لأجل التذكر أو الخشية ولم يقل : ليتذكر ويخشى ولا قال : ليتقون ويحدث لهم ذكرا ; بل جعل المطلوب أحد الأمرين وهذا مطابق لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } ونحو ذلك .
[ ص: 240 ] وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه نعم العبد
صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وذلك يرجع إلى تحقيق قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=45أولي الأيدي والأبصار } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إن المجرمين في ضلال وسعر } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=124ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } الآية ونحو ذلك .
وسبب ذلك أن الخير إما بمعرفة الحق واتباعه في العلم والعمل جميعا صلاح القول والعمل : العلم والإرادة . والعلم أصل العمل [ و ] أصل الإرادة والمحبة وغير ذلك وهو مستلزم له ما لم يحصل معارض مانع . فالعلم بالحق يوجب اتباعه إلا لمعارض راجح : مثل اتباع الهوى بالاستكبار ونحوه كحال الذين قال الله فيهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } ونحو ذلك .
فإن أصل الفطرة التي فطر الناس عليها إذا سلمت من الفساد [ إذا ] رأت الحق اتبعته وأحبته . إذ الحق نوعان : حق موجود فالواجب معرفته والصدق في الإخبار عنه وضد ذلك الجهل والكذب .
وحق مقصود وهو النافع للإنسان فالواجب إرادته والعمل به وضد ذلك إرادة الباطل واتباعه .
ومن المعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28784_28661_18467_18979_19474الله خلق في النفوس محبة العلم دون الجهل ومحبة الصدق دون الكذب ومحبة النافع دون الضار وحيث دخل ضد ذلك فلمعارض من هوى وكبر وحسد ونحو ذلك ; كما أنه في صالح الجسد خلق الله فيه محبة الطعام والشراب الملائم له دون الضار فإذا اشتهى ما يضره أو كره ما ينفعه فلمرض في الجسد وكذلك أيضا إذا اندفع عن النفس المعارض من الهوى والكبر والحسد وغير ذلك : أحب القلب ما ينفعه من العلم النافع والعمل الصالح كما أن
[ ص: 242 ] الجسد إذا اندفع عنه المرض أحب ما ينفعه من الطعام والشراب فكل واحد من وجود المقتضي وعدم الدافع : سبب للآخر وذلك سبب لصلاح حال الإنسان وضدهما سبب لضد ذلك فإذا ضعف العلم غلبه الهوى الإنسان وإن وجد العلم والهوى وهما المقتضي والدافع فالحكم للغالب .
وإذا كان كذلك فصلاح بني آدم الإيمان والعمل الصالح ولا يخرجهم عن ذلك إلا شيئان : أحدهما : الجهل المضاد للعلم فيكونون ضلالا والثاني اتباع الهوى والشهوة اللذين في النفس فيكونون غواة مغضوبا عليهم ; ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=29024قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى } { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم وما غوى } وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46865عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ } فوصفهم بالرشد الذي هو خلاف الغي وبالهدى الذي هو خلاف الضلال وبهما يصلح العلم والعمل جميعا ويصير الإنسان عالما عادلا لا جاهلا ولا ظالما .
[ ص: 243 ] وهم في الصلاح على ضربين : تارة يكون العبد إذا عرف الحق وتبين له اتبعه وعمل به فهذا هو الذي يدعى بالحكمة وهو الذي يتذكر وهو الذي يحدث له القرآن ذكرا .
والثاني أن يكون له من الهوى والمعارض ما يحتاج معه إلى الخوف الذي ينهى النفس عن الهوى ; فهذا يدعى بالموعظة الحسنة وهذا هو القسم الثاني المذكور في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44أو يخشى } وفي قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187لعلهم يتقون } وقد قال في السورة في قصة
فرعون : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24اذهب إلى فرعون إنه طغى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18فقل هل لك إلى أن تزكى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=19وأهديك إلى ربك فتخشى } فجمع بين التزكي والهدى والخشية كما جمع بين العلم والخشية في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء } وفي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } وفي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=67وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68ولهديناهم صراطا مستقيما
} وذلك لما ذكرناه من أن كل واحد من العلم بالحق الذي يتضمنه التذكر والذكر الذي يحدثه القرآن ومن الخشية المانعة من اتباع الهوى سبب لصلاح حال الإنسان وهو مستلزم للآخر إذا قوي على
[ ص: 244 ] ضده فإذا قوي العلم والتذكر دفع الهوى ; وإذا اندفع الهوى بالخشية أبصر القلب وعلم . وهاتان هما الطريقة العلمية والعملية كل منهما إذا صحت تستلزم ما تحتاج إليه من الأخرى وصلاح العبد ما يحتاج إليه ويجب عليه منهما جميعا ; ولهذا كان فساده بانتفاء كل منهما . فإذا انتفى العلم الحق كان ضالا غير مهتد وإذا انتفى اتباعه كان غاويا مغضوبا عليه .
ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم وما غوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى } وقال في ضد ذلك : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } وقال في ضده : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=124ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقال في ضده : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إن المجرمين في ضلال وسعر } قال
ابن عباس : " تكفل الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة " .
فهو سبحانه يجمع بين الهدى والسعادة وبين الضلال والشقاوة
[ ص: 245 ] بين حسنة الدنيا والآخرة وسيئة الدنيا والآخرة ويقرن بين العلم النافع والعمل الصالح بين العلم الطيب والعمل الصالح كما يقرن بين ضديهما وهو " الضلال " و " الغي " : اتباع الظن وما تهوى الأنفس . والقرينان متلازمان عند الصحة والسلامة من المعارض وقد يتخلف أحدهما عن الآخر عند المعارض الراجح .
فلهذا إذا كان في مقام الذم والنهي والاستعاذة كان الذم والنهي لكل منهما : من الضلال والغي : من الجهل والظلم : من الضلال والغضب ولأن كلا منهما صار مكروها مطلوب العدم لا سيما وهو مستلزم للآخر وأما في مقام الحمد والطلب ومنة الله فقد يطلب أحدهما وقد يطلب كل منهما وقد يحمد أحدهما وقد يحمد كل منهما لأن كلا منهما خير مطلوب محمود وهو سبب لحصول الآخر ; لكن كمال الصلاح يكون بوجودهما جميعا وهذا قد يحصل له إذا حصل أحدهما ولم يعارضه معارض والداعي للخلق الآمر لهم يسلك بذلك طريق الرفق واللين فيطلب أحدهما لأنه مطلوب في نفسه وهو سبب للآخر ; فإن ذلك أرفق من أن يأمر العبد بهما جميعا فقد يثقل ذلك عليه والأمر بناء والنهي هدم والأمر هو يحصل العافية بتناول الأدوية والنهي من باب الحمية والبناء والعافية تأتي شيئا بعد شيء وأما الهدم فهو أعجل والحمية أعم وإن كان قد يحصل فيهما
[ ص: 246 ] ترتيب أيضا فكيف إذا كان كل واحد من الأمرين سببا وطريقا إلى حصول المقصود مع حصول الآخر .
فقوله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44لعله يتذكر أو يخشى }
nindex.php?page=treesubj&link=28991وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا } طلب وجود أحد الأمرين بتبليغ الرسالة وجاء بصيغة : ( لعل تسهيلا للأمر ورفقا وبيانا لأن حصول أحدهما طريق إلى حصول المقصود فلا يطلبان جميعا في الابتداء ولهذا جاء في الأثر : {
إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها } لا سيما أصول الحسنات التي تستلزم سائرها مثل الصدق فإنه أصل الخير كما في الصحيحين عن
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597699عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا .
} ولهذا قال سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=221هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=222تنزل على كل أفاك أثيم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=7ويل لكل أفاك أثيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=8يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها } ولهذا يذكر أن
[ ص: 247 ] بعض المشايخ أراد أن يؤدب بعض أصحابه الذين لهم ذنوب كثيرة فقال : يا بني : أنا آمرك بخصلة واحدة فاحفظها لي ; ولا آمرك الساعة بغيرها التزم الصدق وإياك والكذب وتوعده على الكذب بوعيد شديد فلما التزم ذلك الصدق دعاه إلى بقية الخير ونهاه عما كان عليه فإن الفاجر لا حد له في الكذب .
[ ص: 239 ] وَقَالَ : فَصْلٌ " فِي طَرِيقَتَيْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ "
nindex.php?page=treesubj&link=28749_28991قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ : { nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } وَقَالَ فِي السُّورَةِ بِعَيْنِهَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } .
فَذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرِّسَالَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ - رِسَالَةِ
مُوسَى وَرِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ - أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّذَكُّرِ أَوْ الْخَشْيَةِ وَلَمْ يَقُلْ : لِيَتَذَكَّرَ وَيَخْشَى وَلَا قَالَ : لِيَتَّقُونِ وَيُحْدِثَ لَهُمْ ذِكْرًا ; بَلْ جَعَلَ الْمَطْلُوبَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } وَنَحْوُ ذَلِكَ .
[ ص: 240 ] وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِعْمَ الْعَبْدُ
صهيب لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=45أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=124وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } الْآيَةُ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَيْرَ إمَّا بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا صَلَاحُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ : الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ . وَالْعِلْمُ أَصْلُ الْعَمَلِ [ و ] أَصْلُ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُعَارِضٌ مَانِعٌ . فَالْعِلْمُ بِالْحَقِّ يُوجِبُ اتِّبَاعَهُ إلَّا لِمُعَارِضِ رَاجِحٍ : مِثْلَ اتِّبَاعِ الْهَوَى بِالِاسْتِكْبَارِ وَنَحْوَهُ كَحَالِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } وَنَحْوَ ذَلِكَ .
فَإِنَّ أَصْلَ الْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا إذَا سَلِمَتْ مِنْ الْفَسَادِ [ إذَا ] رَأَتْ الْحَقَّ اتَّبَعَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ . إذْ الْحَقُّ نَوْعَانِ : حَقٌّ مَوْجُودٌ فَالْوَاجِبُ مَعْرِفَتُهُ وَالصِّدْقُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَضِدُّ ذَلِكَ الْجَهْلُ وَالْكَذِبُ .
وَحَقٌّ مَقْصُودٌ وَهُوَ النَّافِعُ لِلْإِنْسَانِ فَالْوَاجِبُ إرَادَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَضِدُّ ذَلِكَ إرَادَةُ الْبَاطِلِ وَاتِّبَاعُهُ .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28784_28661_18467_18979_19474اللَّهَ خَلَقَ فِي النُّفُوسِ مَحَبَّةَ الْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَمَحَبَّةَ الصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ وَمَحَبَّةَ النَّافِعِ دُونَ الضَّارِّ وَحَيْثُ دَخَلَ ضِدُّ ذَلِكَ فَلِمُعَارِضِ مِنْ هَوًى وَكِبْرٍ وَحَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ; كَمَا أَنَّهُ فِي صَالِحِ الْجَسَدِ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ مَحَبَّةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُلَائِمِ لَهُ دُونَ الضَّارِّ فَإِذَا اشْتَهَى مَا يَضُرُّهُ أَوْ كَرِهَ مَا يَنْفَعُهُ فَلِمَرَضِ فِي الْجَسَدِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا انْدَفَعَ عَنْ النَّفْسِ الْمُعَارِضُ مِنْ الْهَوَى وَالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : أَحَبَّ الْقَلْبُ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا أَنَّ
[ ص: 242 ] الْجَسَدَ إذَا انْدَفَعَ عَنْهُ الْمَرَضُ أَحَبَّ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الدَّافِعِ : سَبَبٌ لِلْآخَرِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِصَلَاحِ حَالِ الْإِنْسَانِ وَضِدُّهُمَا سَبَبٌ لِضِدِّ ذَلِكَ فَإِذَا ضَعُفَ الْعِلْمُ غَلَبَهُ الْهَوَى الْإِنْسَانُ وَإِنْ وُجِدَ الْعِلْمُ وَالْهَوَى وَهُمَا الْمُقْتَضِي وَالدَّافِعُ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَلَاحُ بَنِي آدَمَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ ذَلِكَ إلَّا شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : الْجَهْلُ الْمُضَادُّ لِلْعِلْمِ فَيَكُونُونَ ضُلَّالًا وَالثَّانِي اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ اللَّذَيْنِ فِي النَّفْسِ فَيَكُونُونَ غُوَاةً مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ ; وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29024قَالَ : { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46865عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } فَوَصَفَهُمْ بِالرُّشْدِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْغَيِّ وَبِالْهُدَى الَّذِي هُوَ خِلَافُ الضَّلَالِ وَبِهِمَا يَصْلُحُ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ جَمِيعًا وَيَصِيرُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا عَادِلًا لَا جَاهِلًا وَلَا ظَالِمًا .
[ ص: 243 ] وَهُمْ فِي الصَّلَاحِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : تَارَةً يَكُونُ الْعَبْدُ إذَا عَرَفَ الْحَقَّ وَتَبَيَّنَ لَهُ اتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُدْعَى بِالْحِكْمَةِ وَهُوَ الَّذِي يَتَذَكَّرُ وَهُوَ الَّذِي يُحْدِثُ لَهُ الْقُرْآنُ ذِكْرًا .
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْهَوَى وَالْمُعَارِضِ مَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْخَوْفِ الَّذِي يَنْهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى ; فَهَذَا يُدْعَى بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44أَوْ يَخْشَى } وَفِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وَقَدْ قَالَ فِي السُّورَةِ فِي قِصَّةِ
فِرْعَوْنَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18فَقُلْ هَلْ لَكَ إلَى أَنْ تَزَكَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=19وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فَجَمَعَ بَيْنَ التَّزَكِّي وَالْهُدَى وَالْخَشْيَةِ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْخَشْيَةِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=67وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
} وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ التَّذَكُّرُ وَالذِّكْرُ الَّذِي يُحْدِثُهُ الْقُرْآنُ وَمِنْ الْخَشْيَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى سَبَبٌ لِصَلَاحِ حَالِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ إذَا قَوِيَ عَلَى
[ ص: 244 ] ضِدِّهِ فَإِذَا قَوِيَ الْعِلْمُ وَالتَّذَكُّرُ دُفِعَ الْهَوَى ; وَإِذَا انْدَفَعَ الْهَوَى بِالْخَشْيَةِ أَبْصَرَ الْقَلْبُ وَعَلِمَ . وَهَاتَانِ هُمَا الطَّرِيقَةُ الْعِلْمِيَّةُ وَالْعَمَلِيَّةُ كُلٌّ مِنْهُمَا إذَا صَحَّتْ تَسْتَلْزِمُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأُخْرَى وَصَلَاحُ الْعَبْدِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا ; وَلِهَذَا كَانَ فَسَادُهُ بِانْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا . فَإِذَا انْتَفَى الْعِلْمُ الْحَقُّ كَانَ ضَالًّا غَيْرَ مُهْتَدٍ وَإِذَا انْتَفَى اتِّبَاعُهُ كَانَ غَاوِيًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِ .
وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى } وَقَالَ فِي ضِدِّ ذَلِكَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } وَقَالَ فِي ضِدِّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=124وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } وَقَالَ فِي ضِدِّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : " تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ " .
فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْهُدَى وَالسَّعَادَةِ وَبَيْنَ الضَّلَالِ وَالشَّقَاوَةِ
[ ص: 245 ] بَيْنَ حَسَنَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسَيِّئَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَقْرِنُ بَيْنَ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ بَيْنَ الْعَلَمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا يَقْرِنُ بَيْنَ ضِدَّيْهِمَا وَهُوَ " الضَّلَالُ " و " الْغَيُّ " : اتِّبَاعُ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ . وَالْقَرِينَانِ مُتَلَازِمَانِ عِنْدَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ عِنْدَ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ .
فَلِهَذَا إذَا كَانَ فِي مَقَامِ الذَّمِّ وَالنَّهْيِ وَالِاسْتِعَاذَةِ كَانَ الذَّمُّ وَالنَّهْيُ لِكُلِّ مِنْهُمَا : مِنْ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ : مِنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ : مِنْ الضَّلَالِ وَالْغَضَبِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ مَكْرُوهًا مَطْلُوبَ الْعَدَمِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ وَأَمَّا فِي مَقَامِ الْحَمْدِ وَالطَّلَبِ وَمِنَّةِ اللَّهِ فَقَدْ يُطْلَبُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يُطْلَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقَدْ يُحْمَدُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يُحْمَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَيْرٌ مَطْلُوبٌ مَحْمُودٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْآخَرِ ; لَكِنَّ كَمَالَ الصَّلَاحِ يَكُونُ بِوُجُودِهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا قَدْ يَحْصُلُ لَهُ إذَا حَصَلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَالدَّاعِي لِلْخَلْقِ الْآمِرُ لَهُمْ يسلك بِذَلِكَ طَرِيقَ الرِّفْقِ وَاللِّينِ فَيَطْلُبُ أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ سَبَبٌ لِلْآخَرِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ مِنْ أَنْ يَأْمُرَ الْعَبْدَ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَدْ يَثْقُلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِنَاءٌ وَالنَّهْيُ هَدْمٌ وَالْأَمْرُ هُوَ يُحَصِّلُ الْعَافِيَةَ بِتَنَاوُلِ الْأَدْوِيَةِ وَالنَّهْيُ مِنْ بَابِ الْحَمِيَّةِ وَالْبِنَاءُ وَالْعَافِيَةُ تَأْتِي شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَأَمَّا الْهَدْمُ فَهُوَ أَعْجَلُ وَالْحَمِيَّةُ أَعَمُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْصُلُ فِيهِمَا
[ ص: 246 ] تَرْتِيبٌ أَيْضًا فَكَيْفَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ سَبَبًا وَطَرِيقًا إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ حُصُولِ الْآخَرِ .
فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }
nindex.php?page=treesubj&link=28991وَقَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } طَلَبَ وُجُودَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَجَاءَ بِصِيغَةِ : ( لَعَلَّ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ وَرِفْقًا وَبَيَانًا لِأَنَّ حُصُولَ أَحَدِهِمَا طَرِيقٌ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ فَلَا يُطْلَبَانِ جَمِيعًا فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ : {
إنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةُ بَعْدَهَا وَإِنَّ مِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةُ بَعْدَهَا } لَا سِيَّمَا أُصُولُ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ سَائِرَهَا مِثْلَ الصِّدْقِ فَإِنَّهُ أَصْلُ الْخَيْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597699عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا .
} وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=221هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=222تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=7وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=8يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } وَلِهَذَا يُذْكَرُ أَنَّ
[ ص: 247 ] بَعْضَ الْمَشَايِخِ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّبَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَهُمْ ذُنُوبٌ كَثِيرَةٌ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ : أَنَا آمُرُك بِخَصْلَةِ وَاحِدَةٍ فَاحْفَظْهَا لِي ; وَلَا آمُرُك السَّاعَةَ بِغَيْرِهَا الْتَزِمْ الصِّدْقَ وَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ وَتَوَعَّدَهُ عَلَى الْكَذِبِ بِوَعِيدِ شَدِيدٍ فَلَمَّا الْتَزَمَ ذَلِكَ الصِّدْقَ دَعَاهُ إلَى بَقِيَّةِ الْخَيْرِ وَنَهَاهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْفَاجِرَ لَا حَدَّ لَهُ فِي الْكَذِبِ .