[ ص: 635 ] وقال رحمه الله تعالى فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=28632_28649لفظ " الإسلام " يستعمل على وجهين : " متعديا " كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم } الآية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596462وقوله صلى الله عليه وسلم في دعاء المنام . أسلمت نفسي إليك } . ويستعمل " لازما " كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=131إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=83وله أسلم من في السماوات والأرض } وقوله عن
بلقيس : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } . وهو يجمع معنيين : ( أحدهما الانقياد والاستسلام . و ( الثاني : إخلاص ذلك وإفراده . كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل } .
nindex.php?page=treesubj&link=28635_28664وعنوانه قول لا إله إلا الله . وله معنيان .
[ ص: 636 ] ( أحدهما : الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء ; كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة . و ( الثاني ما اختص به
محمد من الدين والشرعة والمنهاج - وهو الشريعة والطريقة والحقيقة -
nindex.php?page=treesubj&link=28635وله مرتبتان : ( أحدهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس . و ( الثاني : أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن . فبالتفسير الأول [ جاءت ] الآيتان في كتاب الله والحديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعم من الإيمان
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28649فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا . وبالتفسير الثاني يقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إن الدين عند الله الإسلام } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وذلك دين القيمة } وقوله : آمركم بالإيمان بالله وفسره بخصال الإسلام وعلى هذا التفسير فالإيمان التام والدين والإسلام سواء وهو الذي لم يفهم
المعتزلة غيره .
وقد يراد به معنى ثالث هو كماله وهو قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=90003المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } فيكون أسلم غيره أي جعله سالما منه . ولفظ الإيمان : قيل أصله التصديق - وليس مطابقا له ; بل لا بد أن يكون تصديقا عن غيب وإلا فالخبر عن مشهود ليس تصديقه إيمانا ; لأنه من الأمن الذي هو الطمأنينة وهذا إنما يكون في المخبر الذي قد يقع فيه ريب والمشهودات لا ريب فيها . إلا على هذا - فأما تصديق القلب فقط كما تقول
[ ص: 637 ] الجهمية ومن اتبعهم من
الأشعرية وأما القلب واللسان كما تقوله
المرجئة أو باللسان كما تقوله
الكرامية وأما التصديق بالقلب والقول والعمل - فإن الجميع يدخل في مسمى التصديق على مذهب
أهل الحديث كما فسره شيخ الإسلام وغيره - . وقيل : بل هو الإقرار ; لأن التصديق إنما يطابق الخبر فقط وأما الإقرار فيطابق الخبر والأمر كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } ولأن قر وآمن : متقاربان . فالإيمان دخول في الأمن والإقرار دخول في الإقرار وعلى هذا فالكلمة إقرار والعمل بها إقرار أيضا . ثم هو في الكتاب بمعنيين : أصل وفرع واجب فالأصل الذي في القلب وراء العمل فلهذا يفرق بينهما بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25آمنوا وعملوا الصالحات } والذي يجمعهما كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يستأذنك الذين يؤمنون } . وحديث " الحيا " و "
وفد عبد القيس " وهو مركب من أصل لا يتم بدونه ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق كالحج وكالبدن والمسجد وغيرهما من الأعيان والأعمال والصفات فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول : الذي يزعم
المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط وبهذا تزول شبهات الفرق .
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28635وأصله القلب وكماله العمل الظاهر بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب .
[ ص: 635 ] وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=28632_28649لَفْظُ " الْإِسْلَامِ " يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ : " مُتَعَدِّيًا " كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } الْآيَةَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596462وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاءِ الْمَنَامِ . أَسْلَمْت نَفَسِي إلَيْك } . وَيُسْتَعْمَلُ " لَازِمًا " كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=131إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=83وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَقَوْلِهِ عَنْ
بلقيس : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . وَهُوَ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا الِانْقِيَادُ وَالِاسْتِسْلَامُ . وَ ( الثَّانِي : إخْلَاصُ ذَلِكَ وَإِفْرَادُهُ . كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } .
nindex.php?page=treesubj&link=28635_28664وَعُنْوَانُهُ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . وَلَهُ مَعْنَيَانِ .
[ ص: 636 ] ( أَحَدُهُمَا : الدِّينُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ ; كَمَا دَلَّ عَلَى اتِّحَادِ دِينِهِمْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَ ( الثَّانِي مَا اخْتَصَّ بِهِ
مُحَمَّدٌ مِنْ الدِّينِ وَالشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ - وَهُوَ الشَّرِيعَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَالْحَقِيقَةُ -
nindex.php?page=treesubj&link=28635وَلَهُ مَرْتَبَتَانِ : ( أَحَدُهُمَا الظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَهِيَ الْمَبَانِي الْخَمْسُ . وَ ( الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الظَّاهِرُ مُطَابِقًا لِلْبَاطِنِ . فَبِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ [ جَاءَتْ ] الْآيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْحَدِيثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِيمَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28649فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا . وَبِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي يُقَالُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } وَقَوْلُهُ : آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَفَسَّرَهُ بِخِصَالِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالْإِيمَانُ التَّامُّ وَالدِّينُ وَالْإِسْلَامُ سَوَاءٌ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَفْهَمْ
الْمُعْتَزِلَةُ غَيْرَهُ .
وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنًى ثَالِثٌ هُوَ كَمَالِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=90003الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ } فَيَكُونُ أَسْلَمَ غَيْرَهُ أَيْ جَعَلَهُ سَالِمًا مِنْهُ . وَلَفْظُ الْإِيمَانِ : قِيلَ أَصْلُهُ التَّصْدِيقُ - وَلَيْسَ مُطَابِقًا لَهُ ; بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَصْدِيقًا عَنْ غَيْبٍ وَإِلَّا فَالْخَبَرُ عَنْ مَشْهُودٍ لَيْسَ تَصْدِيقُهُ إيمَانًا ; لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْنِ الَّذِي هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُخْبِرِ الَّذِي قَدْ يَقَعُ فِيهِ رَيْبٌ وَالْمَشْهُودَاتُ لَا رَيْبَ فِيهَا . إلَّا عَلَى هَذَا - فَأَمَّا تَصْدِيقُ الْقَلْبِ فَقَطْ كَمَا تَقُولُ
[ ص: 637 ] الجهمية وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ
الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَمَّا الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ كَمَا تَقُولُهُ
الْمُرْجِئَةُ أَوْ بِاللِّسَانِ كَمَا تَقُولُهُ
الكرامية وَأَمَّا التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ - فَإِنَّ الْجَمِيعَ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى التَّصْدِيقِ عَلَى مَذْهَبِ
أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا فَسَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ - . وَقِيلَ : بَلْ هُوَ الْإِقْرَارُ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إنَّمَا يُطَابِقُ الْخَبَرَ فَقَطْ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَيُطَابِقُ الْخَبَرَ وَالْأَمْرَ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا } وَلِأَنَّ قَرَّ وَآمَنَ : مُتَقَارِبَانِ . فَالْإِيمَانُ دُخُولٌ فِي الْأَمْنِ وَالْإِقْرَارُ دُخُولٌ فِي الْإِقْرَارِ وَعَلَى هَذَا فَالْكَلِمَةُ إقْرَارٌ وَالْعَمَلُ بِهَا إقْرَارٌ أَيْضًا . ثُمَّ هُوَ فِي الْكِتَابِ بِمَعْنَيَيْنِ : أَصْلٌ وَفَرْعٌ وَاجِبٌ فَالْأَصْلُ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَرَاءَ الْعَمَلِ فَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وَاَلَّذِي يَجْمَعُهُمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } . وَحَدِيثُ " الْحَيَّا " وَ "
وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ " وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَصْلٍ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَمِنْ وَاجِبٍ يَنْقُصُ بِفَوَاتِهِ نَقْصًا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعُقُوبَةَ وَمِنْ مُسْتَحَبٍّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ عُلُوُّ الدَّرَجَةِ فَالنَّاسُ فِيهِ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمُقْتَصِدٌ وَسَابِقٌ كَالْحَجِّ وَكَالْبَدَنِ وَالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْمَالِ وَالصِّفَاتِ فَمِنْ سَوَاءِ أَجْزَائِهِ مَا إذَا ذَهَبَ نَقْصٌ عَنْ الْأَكْمَلِ وَمِنْهُ مَا نَقَصَ عَنْ الْكَمَالِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ أَوْ فِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْهُ مَا نَقَصَ رُكْنُهُ وَهُوَ تَرْكُ الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ : الَّذِي يَزْعُمُ
الْمُرْجِئَةُ والجهمية أَنَّهُ مُسَمًّى فَقَطْ وَبِهَذَا تَزُولُ شُبُهَاتُ الْفِرَقِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28635وَأَصْلُهُ الْقَلْبُ وَكَمَالُهُ الْعَمَلُ الظَّاهِرُ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ أَصْلَهُ الظَّاهِرُ وَكَمَالَهُ الْقَلْبُ .