الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 638 ] وقال رحمه الله فصل : معلوم أن nindex.php?page=treesubj&link=29428_28647أصل " الإيمان " هو الإيمان بالله ورسوله وهو أصل العلم الإلهي كما بينته في أول الجزء . فأما " الإيمان بالله " فهو في الجملة قد أقر به جمهور الخلائق إلا شواذ الفرق من الفلاسفة الدهرية والإسماعيلية ونحوهم أو من نافق فيه من المظهرين للتمسك بالملل وإنما يقع اختلاف أهل الملل في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وعباداته ونحو ذلك . وأما " nindex.php?page=treesubj&link=28664_28633_28750الإيمان بالرسول " فهو المهم إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه إذ هو الطريق إلى الله سبحانه ; ولهذا كان ركنا الإسلام : " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار ; لا مجرد التصديق . والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد - تصديق الرسول [ ص: 639 ] فيما أخبر والانقياد له فيما أمر كما أن nindex.php?page=treesubj&link=29428_28750الإقرار بالله هو الاعتراف به والعبادة له فالنفاق يقع كثيرا في حق الرسول وهو أكثر ما ذكره الله في القرآن من نفاق المنافقين في حياته والكفر هو عدم الإيمان سواء كان معه تكذيب أو استكبار أو إباء أو إعراض ; فمن nindex.php?page=treesubj&link=29430_28845لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهو كافر . ثم هنا " نفاقان " : نفاق لأهل العلم والكلام ونفاق لأهل العمل والعبادة - فأما nindex.php?page=treesubj&link=28845_28842النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه فأن لا يرى وجوب تصديق الرسول فيما أخبر به ولا وجوب طاعته فيما أمر به وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر - علما وعملا وأنه يجوز تصديقه وطاعته ; لكنه يقول : إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدا ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته ; إما بطريق الفلسفة والصبوء أو بطريق التهود والتنصر كما هو : قول الصابئة الفلاسفة في هذه المسألة وفي غيرها فإنهم وإن صدقوه وأطاعوه فإنهم لا يعتقدون وجوب ذلك على جميع أهل الأرض ; بحيث يكون التارك لتصديقه وطاعته معذبا ; بل يرون ذلك مثل التمسك بمذهب إمام أو طريقة شيخ أو طاعة ملك ; وهذا دين التتار ومن دخل معهم .
أما النفاق الذي هو دون هذا ; فأن nindex.php?page=treesubj&link=28843يطلب العلم بالله من غير خبره ; أو العمل لله من غير أمره ; كما يبتلى بالأول كثير من المتكلمة . وبالثاني كثير من المتصوفة فهم يعتقدون أنه يجب تصديقه أو تجب طاعته لكنهم في سلوكهم العلمي [ ص: 640 ] والعملي غير سالكين هذا المسلك بل يسلكون مسلكا آخر : إما من جهة القياس والنظر وإما من جهة الذوق والوجد ; وإما من جهة التقليد ; وما جاء عن الرسول إما أن يعرضوا عنه وإما أن يردوه إلى ما سلكوه ; فانظر نفاق هذين الصنفين مع اعترافهم باطنا وظاهرا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وأفضل الخلق وأنه رسول وأنه أعلم الناس لكن إذا لم يوجبوا متابعته وسوغوا ترك متابعته كفروا وهذا كثير جدا لكن بسط الكلام في حكم هؤلاء : له موضع غير هذا .