الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 201 ] وسئل قدس الله روحه عن الأقضية : هل هي مقتضية للحكمة أم لا ؟ وإذا كانت مقتضية للحكمة : فهل أراد من الناس ما هم فاعلوه أم لا ؟ وإذا كانت الإرادة قد تقدمت : فما معنى وجود العذر والحالة هذه ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله رب العالمين . نعم لله حكمة بالغة في أقضيته وأقداره وإن لم يعلمه العباد فإن الله علم علما وعلمه لعباده أو لمن يشاء منهم وعلم علما لم يعلمه لعباده { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما }

                . وهو سبحانه أراد من العباد ما هم فاعلوه إرادة تكوين كما اتفق المسلمون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكما قال : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا }

                . وكما قال : { ولا يزالون مختلفين } { إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } وكما قال : { ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } وكما قال : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء }

                . ولكن لم يرد المعاصي من أصحابها إرادة أمر وشرع ومحبة ورضى ودين بل ذلك كما قال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وكما قال تعالى : { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم } { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما } { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } وقال تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } وكما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }

                . وبالتقسيم والتفصيل في المقال يزول الاشتباه ويندفع الضلال وقد بسطت الكلام في ذلك بما يليق به في غير موضع من القواعد إذ ليس هذا موضع بسط ذلك . وأما قول السائل : ما معنى وجود العذر ؟ فالمعذور الذي يعرف أنه معذور هو من كان عاجزا عن الفعل مع إرادته له : كالمريض العاجز عن القيام والصيام والجهاد والفقير العاجز عن الإنفاق ونحو ذلك وهؤلاء ليسوا مكلفين ولا معاقبين على ما تركوه وكذلك العاجز عن السماع والفهم : كالصبي والمجنون ; ومن لم تبلغه الدعوة . [ ص: 203 ]

                وأما من جعل محبا مختارا راضيا بفعل السيئات حتى فعلها فليس مجبورا على خلاف مراده ولا مكرها على ما يرضاه فكيف يسمى هذا معذورا بل ينبغي أن يسمى مغرورا ولكن بسط ذلك يحتاج إلى الحكمة في الخلق والأمر فهذا مذكور في موضعه . وهذا المكان لا يسعه والله أعلم وصلى الله على محمد .




                الخدمات العلمية