الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد أيد الله دعوة الحق بإرسال محمد يكشف به الظلمات، فقال تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

                                                          الضمير يعود على لفظ الذي يأبى إلا أن يتم نوره، وكان من إتمام نوره إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أبطل الشرك وأبطل مقالة أهل الكتاب التي ليس لها من الحق سلطان تقوم عليه.

                                                          قال تعالى: أرسل رسوله بالهدى ودين الحق الهدى هو القرآن، وهو ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من هداية أخرجت العرب من الظلمات، والقرآن فيه الهدى الكامل كما قال تعالى: شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

                                                          و(الباء) في قوله تعالى: (بالهدى) للمصاحبة أي: مصاحبا للهدى أي: معه المعجزة الباهرة، والهداية الكاملة.

                                                          [ ص: 3287 ] وأضاف الرسول إليه سبحانه في قوله: (رسوله) تنويها بشأنه، وتشريفا وتكريما، وللإشارة إلى أنه ناصره ومؤيده وقاهر عدوه مهما يكونوا.

                                                          وقوله تعالى: ليظهره على الدين كله اللام للتعليل أو للعاقبة، وعلى أنها للتعليل يكون المعنى أنه أرسله ليظهره على الدين، فالإرسال وكونه رسوله علة للإظهار، أو للعاقبة، ويكون لتكون عاقبة الإرسال أن يظهره على الدين كله.

                                                          ودين الحق هو التوحيد، والإضافة للبيان، أي: الدين الحق، والإضافة تدل على أنه الدين الحق الذي هو لباب الأديان الحق كلها، ولذا قال تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وهو التوحيد.

                                                          وقال تعالى: ليظهره على الدين كله (الدين كله) قالوا: إن المراد على الأديان كلها، ولكنا نرى أن المراد الدين الحق الذي ذكره أولا; لأن إعادة المعرفة معرفة تكون عينها، ومعنى ظهوره على الدين كله المراد بقاؤه ظاهرا معروفا؛ لأنه خاتم الرسل وآخرهم، ويتضمن كل ما جاءت به الرسل جميعا، وهذا هو معنى "كله" فهو الدين الجامع لكل الرسالات السابقة، فمن آمن بها فقد آمن بكل الشرائع السماوية السابقة سليمة غير محرفة.

                                                          هذا ما نختاره والله الموفق للصواب.

                                                          وقد جاءت أخبار كثيرة تدل على انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وإنها لصادقة (راجع تفسير الحافظ ابن كثير ) وفي هذه الأخبار الصحاح إشارة إلى أن الأمراء هم الذين يفسدون أمر المسلمين، فقد جاء في مسند الإمام أحمد رضي الله عنه: " سمعت شقيق بن حبان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلوا قال شاب منهم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " صدق رسول الله [ ص: 3288 ] صلى الله عليه وسلم؛ فحكام المسلمين هم الذين أفسدوا الناس وكانوا حجة على هذا الدين، ومهما يكن فإن الله أظهر الدين على الدين كله، وقال: ولو كره المشركون الذين عادوا الله وعادوا الحق، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.

                                                          وإن الله تعالى حافظ دينه، وإذا كان المسلمون قد غلبوا على أمرهم بعمل حكامهم فإنه لا تزال طائفة منهم قائمة على الحق تنادي به وتحفظه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية