nindex.php?page=treesubj&link=28723_29676_29677_29747_30670_31160_31788_32024_32338_34081_34200_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا .
يبين الله تعالى معنى أنهم لم يضروا الرسول شيئا، فإن الله معه وهو في مكة، ثم وهو خارج منها، وإنه لن يتركه أبدا، وقد كان معه، وقد نصره يوم الفرقان وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه (إلا) (إن) الشرطية المدغمة في (لا) أي: إن كنتم لا تنصرونه وتخاذلتم عن نصرته فهو في غنى عنكم ولن يخذل؛ إذ قد نصره الله تعالى وهو في قلة من العدد، ولم يكن معه أحد، فالماضي دليل على ما يكون في الحاضر، ويكون الماضي جوابا للشرط الذي هو في الحاضر إذا كان الماضي فاصلا وفصله مستمد من الحاضر كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ولذا دخلت (الفاء) في الجواب لتبين أنه جواب الشرط.
وخلاصة المعنى السامي: إن كنتم لا تنصرونه في الحاضر فلن يغلب؛ لأن الله ناصره، وقد نصره في الماضي، وصور الله تعالى الماضي أو أعاد صورته في الأذهان فقال تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين وإذ ظرف للماضي متعلق بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فقد نصره الله والمشركون لم يقصدوا إلى إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - بل فكروا في أمور ثلاثة: إما أن يثبتوه - أي يحبسوه - أو يقتلوه أو يخرجوه، وأرادوا تنفيذ القتل، فاجتمعوا حول داره ليقتلوه، وأتوا من كل بطن من بطونهم بفتى نهد؛ ليضربوه ضربة رجل واحد، فيضيع دمه في القبائل، ويرضى
بنو هاشم بديته، ولكن الله حارسه.
وقد كان ما ذكرناه من قبل، وقد جاء في بعض كلام المفسرين أنه خرج فارا من القتل، وإن كان ذكر الفرار غير سليم; فإن الهجرة كانت مقررة في علم الله تعالى، وفي نظام الدعوة من قبل ما دبروه أو مكروه في يوم الندوة بدليل ما كان
[ ص: 3309 ] من هجرة عدد من المؤمنين من قبل، ولم يبق
بمكة إلا النبي
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ، ولعل بعض
بني هاشم .
فالهجرة كانت مقررة، ويصح أن ينسب إلى المشركين أنهم أخرجوه على أساس أنهم كانوا السبب في خروجه; وذلك لأنهم عادوا الدعوة المحمدية، ونابذوها، وآذوا أهلها، ولم يعاضدوا
محمدا - صلى الله عليه وسلم - في دينه الذي بعث به، فلم يعودوا صالحين لأن تقام دعوة الحق في أرض مكة; لأنه لا يمكن أن تقوم دولة في ظل دولة الأوثان، وقد كانت تناوئها، وتعذب أهلها، فكانت الهجرة أمرا لا بد منه لإقامة دولة الحق والوحدانية في
المدينة التي وجد الإسلام فيها بيئة صالحة، فغرس فيها غرسه.
وقد صور الله تعالى في كلامه الحكيم كيف كان نصره سبحانه في الهجرة، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا
قال سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثاني اثنين حال كونه واحدا من اثنين، أي أنه في قلة ليس معه إلا واحد، وهم يقتفون آثارهما ويتتبعونهما، ويلجآن إلى غار، يتتبعهما فيه عدد من رجالهم، وأرسلوا واحدا يسير وراءهم إلى
المدينة ، وإنهما عندما نزلا في الغار عشش على ظاهره الحمام والعنكبوت، وما ذلك إلا من عمل الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية، ولقد كان من يقتفي الآثار قد انتهى اقتفاؤه إلى هذا الغار، وقال: ها هنا انتهى الأثر، ولكن ظاهر الحال يكذب القافي؛ لأن العنكبوت قد نسج خيوطه، والحمام قد عشش عليه، فكيف؟ وذلك من فعل خالق الغار، وخالق الحمام والعنكبوت الذي أحكم خلقه وقدره تقديرا، ولقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661397نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رءوسنا، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه! فقال: "يا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
[ ص: 3310 ] وكما قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تحزن إن الله معنا أي: إن الله تعالى يصحبهما بحراسته وحمايته فلا يتمكن منهما.
والغار كان في جبل ثور على سير ساعة من
مكة، وهو في الجهة اليمنى منها، وقد مكثا فيه ثلاثة أيام، كانت تأتي لهما فيها بالطعام
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر ، أم الشهيد
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير الذي قتله الأمويون قتلة فاجرة، وهتكوا حرمة البيت الحرام.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فأنـزل الله سكينته عليه الضمير في (عليه) يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل قوله تعالى من بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وأيده بجنود لم تروها فالضمير بلا ريب يعود إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
والجنود الذين أيد الله تعالى بهم نبيه ما وقت التأييد؟ قالوا: يحتمل أن يكون ذلك التأييد هو حراسة الملائكة لرسول الله وهو في الغار، فهو كان في حراسة الله تعالى، وأمر ملائكته الأطهار بحراسته وحمايته من أعدائه، ويحتمل أن التأييد كان فيما جاء من بعد من حروب قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصوصا غزوة بدر الكبرى، فقد صرح فيها بتأييد الملائكة.
ونختار الاحتمال الثاني لسببين:
أولهما - أن التأييد يكون في معركة حربية، وكانت بعد الهجرة أول معركة "بدر الكبرى".
وثانيهما -
nindex.php?page=treesubj&link=28675_28656أن الله تعالى جعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا.
وقد وصف الله تعالى بأن هذه الجنود لم يروها، وإن التعبير عن الملائكة الذين أيدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنود يدل على أن التأييد كان في معركة، وأقربها بعد الهجرة، وهي التي انقلب بها ميزان القوى في البلاد العربية، ذلك أن قريشا كانت لهم القوة في البلاد العربية، والسلطان الأدبي فيها، فلما قهروا في بدر هبط سلطانهم، وضعف نفوذهم، ولذا كانوا بجدع الأنف يحاولون في الغزوات المتتالية إعادته فما استطاعوا إلى ذلك.
[ ص: 3311 ] و(الكلمة) في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وجعل كلمة الذين كفروا السفلى يراد بها الدولة والقوة; لأن قوة الدولة تجعل كلمتها نافذة أو مردودة عليها، فإذا كانت قوية كانت لها الكلمة النافذة، وإذا كانت ضعيفة كانت كلمتها غير نافذة، وعبر الله تعالى عنها بـ(السفلى) للدلالة على أنها مغلوبة وفوقها غيرها، وقد جعلت واقعة بدر كلمة الإسلام هي العليا، ودولته هي العليا، وعبر سبحانه وتعالى عن الإسلام بكلمة الله; لأنه دين التوحيد ونبيه مبعوث من الله، وذلك بيان للحقيقة، وتشريف للدين الحنيف.
خلاصة القول أن الله تعالى يبين للذين يقعدون عن الجهاد ولا ينصرون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجاهدون - بأنهم إن لم ينصروه فالله ناصره، وقد نصره في هجرته، ولم يمكن المشركين منه، ثم نصره في حربه مع المشركين، وأيده بجنود لم يروها حتى صارت كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وختم سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40والله عزيز حكيم أي: قادر غالب يدبر الأمور بحكمته وعلمه،
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29676_29677_29747_30670_31160_31788_32024_32338_34081_34200_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يَضُرُّوا الرَّسُولَ شَيْئًا، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَهُوَ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْهَا، وَإِنَّهُ لَنْ يَتْرُكَهُ أَبَدًا، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ، وَقَدْ نَصَرَهُ يَوْمَ الْفُرْقَانِ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلا تَنْصُرُوهُ (إِلَّا) (إِنِ) الشَّرْطِيَّةُ الْمُدْغَمَةُ فِي (لَا) أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ لَا تَنْصُرُونَهُ وَتَخَاذَلْتُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ فَهُوَ فِي غِنًى عَنْكُمْ وَلَنْ يُخْذَلَ؛ إِذْ قَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَدَدِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَالْمَاضِي دَلِيلٌ عَلَى مَا يَكُونُ فِي الْحَاضِرِ، وَيَكُونُ الْمَاضِي جَوَابًا لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَاضِرِ إِذَا كَانَ الْمَاضِي فَاصِلًا وَفَصْلُهُ مُسْتَمَدٌّ مِنَ الْحَاضِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَلِذَا دَخَلَتِ (الْفَاءُ) فِي الْجَوَابِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ.
وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى السَّامِي: إِنْ كُنْتُمْ لَا تَنْصُرُونَهُ فِي الْحَاضِرِ فَلَنْ يُغْلَبَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ، وَقَدْ نَصَرَهُ فِي الْمَاضِي، وَصَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاضِيَ أَوْ أَعَادَ صُورَتَهُ فِي الْأَذْهَانِ فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ وَإِذْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ وَالْمُشْرِكُونَ لَمْ يَقْصِدُوا إِلَى إِخْرَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ فَكَرُّوا فِي أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا أَنْ يُثْبِتُوهُ - أَيْ يَحْبَسُوهُ - أَوْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، وَأَرَادُوا تَنْفِيذَ الْقَتْلِ، فَاجْتَمَعُوا حَوْلَ دَارِهِ لِيَقْتُلُوهُ، وَأَتَوْا مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ بُطُونِهِمْ بِفَتًى نَهْدٍ؛ لِيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَضِيعُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، وَيَرْضَى
بَنُو هَاشِمٍ بِدِيَتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَارِسُهُ.
وَقَدْ كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ خَرَجَ فَارًّا مِنَ الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الْفِرَارِ غَيْرَ سَلِيمٍ; فَإِنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مُقَرَّرَةً فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي نِظَامِ الدَّعْوَةِ مِنْ قَبْلِ مَا دَبَّرُوهُ أَوْ مَكَرُوهُ فِي يَوْمِ النَّدْوَةِ بِدَلِيلِ مَا كَانَ
[ ص: 3309 ] مِنْ هِجْرَةِ عَدَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَبْقَ
بِمَكَّةَ إِلَّا النَّبِيُّ
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَ
بَنِي هَاشِمٍ .
فَالْهِجْرَةُ كَانَتْ مُقَرَّرَةً، وَيَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا السَّبَبَ فِي خُرُوجِهِ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَادَوُا الدَّعْوَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ، وَنَابَذُوهَا، وَآذَوْا أَهْلَهَا، وَلَمْ يُعَاضِدُوا
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دِينِهِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ، فَلَمْ يَعُودُوا صَالِحِينَ لِأَنْ تُقَامَ دَعْوَةُ الْحَقِّ فِي أَرْضِ مَكَّةَ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ دَوْلَةٌ فِي ظِلِّ دَوْلَةِ الْأَوْثَانِ، وَقَدْ كَانَتْ تُنَاوِئُهَا، وَتُعَذِّبُ أَهْلَهَا، فَكَانَتِ الْهِجْرَةُ أَمْرًا لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِقَامَةِ دَوْلَةِ الْحَقِّ وَالْوَحْدَانِيَّةِ فِي
الْمَدِينَةِ الَّتِي وَجَدَ الْإِسْلَامُ فِيهَا بِيئَةً صَالِحَةً، فَغَرَسَ فِيهَا غَرْسَهُ.
وَقَدْ صَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِهِ الْحَكِيمِ كَيْفَ كَانَ نَصْرُهُ سُبْحَانَهُ فِي الْهِجْرَةِ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثَانِيَ اثْنَيْنِ حَالَ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنَ اثْنَيْنِ، أَيْ أَنَّهُ فِي قِلَّةٍ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَهُمْ يَقْتَفُونَ آثَارَهُمَا وَيَتَتَبَّعُونَهُمَا، وَيَلْجَآنِ إِلَى غَارٍ، يَتَتَبَّعُهُمَا فِيهِ عَدَدٌ مِنْ رِجَالِهِمْ، وَأَرْسَلُوا وَاحِدًا يَسِيرُ وَرَاءَهُمْ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَإِنَّهُمَا عِنْدَمَا نَزَلَا فِي الْغَارِ عَشَّشَ عَلَى ظَاهِرِهِ الْحَمَامُ وَالْعَنْكَبُوتُ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مِنْ عَمَلِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَقَدْ كَانَ مَنْ يَقْتَفِي الْآثَارَ قَدِ انْتَهَى اقْتِفَاؤُهُ إِلَى هَذَا الْغَارِ، وَقَالَ: هَا هُنَا انْتَهَى الْأَثَرُ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْحَالِ يُكَذِّبُ الْقَافِيَ؛ لِأَنَّ الْعَنْكَبُوتَ قَدْ نَسَجَ خُيُوطَهُ، وَالْحَمَامَ قَدْ عَشَّشَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ؟ وَذَلِكَ مِنْ فِعْلِ خَالِقِ الْغَارِ، وَخَالِقِ الْحَمَامِ وَالْعَنْكَبُوتِ الَّذِي أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَلَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661397نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، وَهُمْ عَلَى رُءُوسِنَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ! فَقَالَ: "يَا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ".
[ ص: 3310 ] وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا أَيْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَصْحَبُهُمَا بِحِرَاسَتِهِ وَحِمَايَتِهِ فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُمَا.
وَالْغَارُ كَانَ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ عَلَى سَيْرِ سَاعَةٍ مِنْ
مَكَّةَ، وَهُوَ فِي الْجِهَةِ الْيُمْنَى مِنْهَا، وَقَدْ مَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَانَتْ تَأْتِي لَهُمَا فِيهَا بِالطَّعَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، أَمُّ الشَّهِيدِ
nindex.php?page=showalam&ids=16414عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الَّذِي قَتَلَهُ الْأُمَوِيُّونَ قِتْلَةً فَاجِرَةً، وَهَتَكُوا حُرْمَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَأَنْـزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي (عَلَيْهِ) يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ بَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا فَالضَّمِيرُ بِلَا رَيْبٍ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْجُنُودُ الَّذِينَ أَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ نَبِيَّهُ مَا وَقَتُ التَّأْيِيدِ؟ قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّأْيِيدُ هُوَ حِرَاسَةَ الْمَلَائِكَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ فِي الْغَارِ، فَهُوَ كَانَ فِي حِرَاسَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ الْأَطْهَارَ بِحِرَاسَتِهِ وَحِمَايَتِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّأْيِيدَ كَانَ فِيمَا جَاءَ مِنْ بَعْدُ مِنْ حُرُوبٍ قَامَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُصُوصًا غَزْوَةَ بَدْرٍ الْكُبْرَى، فَقَدْ صُرِّحَ فِيهَا بِتَأْيِيدِ الْمَلَائِكَةِ.
وَنَخْتَارُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ لِسَبَبَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا - أَنَّ التَّأْيِيدَ يَكُونُ فِي مَعْرَكَةٍ حَرْبِيَّةٍ، وَكَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَوَّلُ مَعْرَكَةٍ "بَدْرٌ الْكُبْرَى".
وَثَانِيهِمَا -
nindex.php?page=treesubj&link=28675_28656أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ هَذِهِ الْجُنُودَ لَمْ يَرَوْهَا، وَإِنَّ التَّعْبِيرَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أَيَّدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجُنُودِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْيِيدَ كَانَ فِي مَعْرَكَةٍ، وَأَقْرَبُهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَهِيَ الَّتِي انْقَلَبَ بِهَا مِيزَانُ الْقُوَى فِي الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ، ذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ لَهُمُ الْقُوَّةُ فِي الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالسُّلْطَانُ الْأَدَبِيُّ فِيهَا، فَلَمَّا قُهِرُوا فِي بَدْرٍ هَبَطَ سُلْطَانُهُمْ، وَضَعُفَ نُفُوذُهُمْ، وَلِذَا كَانُوا بِجَدْعِ الْأَنْفِ يُحَاوِلُونَ فِي الْغَزَوَاتِ الْمُتَتَالِيَةِ إِعَادَتَهُ فَمَا اسْتَطَاعُوا إِلَى ذَلِكَ.
[ ص: 3311 ] وَ(الْكَلِمَةُ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى يُرَادُ بِهَا الدَّوْلَةُ وَالْقُوَّةُ; لِأَنَّ قُوَّةَ الدَّوْلَةِ تَجْعَلُ كَلِمَتَهَا نَافِذَةً أَوْ مَرْدُودَةً عَلَيْهَا، فَإِذَا كَانَتْ قَوِيَّةً كَانَتْ لَهَا الْكَلِمَةُ النَّافِذَةُ، وَإِذَا كَانَتْ ضَعِيفَةً كَانَتْ كَلِمَتُهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ، وَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِـ(السُّفْلَى) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا مَغْلُوبَةٌ وَفَوْقَهَا غَيْرُهَا، وَقَدْ جَعَلَتْ وَاقِعَةُ بَدْرٍ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ هِيَ الْعُلْيَا، وَدَوْلَتَهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَعَبَّرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الْإِسْلَامِ بِكَلِمَةِ اللَّهِ; لِأَنَّهُ دِينُ التَّوْحِيدِ وَنَبِيُّهُ مَبْعُوثٌ مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ بَيَانٌ لِلْحَقِيقَةِ، وَتَشْرِيفٌ لِلدِّينِ الْحَنِيفِ.
خُلَاصَةُ الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَيِّنُ لِلَّذِينَ يَقْعُدُونَ عَنِ الْجِهَادِ وَلَا يَنْصُرُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُجَاهِدُونَ - بِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَنْصُرُوهُ فَاللَّهُ نَاصِرُهُ، وَقَدْ نَصَرَهُ فِي هِجْرَتِهِ، وَلَمْ يُمَكِّنِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ، ثُمَّ نَصَرَهُ فِي حَرْبِهِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ يَرَوْهَا حَتَّى صَارَتْ كَلِمَتُهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا هِيَ السُّفْلَى.
وَخَتَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ: قَادِرٌ غَالِبٌ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ،