قال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=23465_30415_34148_34513_842_844_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار .
ذكرت هذه الآية أربع خصال للمؤمنين، أولها:
nindex.php?page=treesubj&link=19572الصبر ابتغاء وجه الله تعالى، nindex.php?page=treesubj&link=24589_844وإقامة الصلاة nindex.php?page=treesubj&link=23468والإنفاق من رزق الله تعالى،
nindex.php?page=treesubj&link=28852_19508_30496_30524ودرء السيئة بالحسنة.
أما الصفة أو الخصلة الأولى: وهي الصبر ابتغاء وجه الله، فإن معناها ضبط النفس عن الشهوات، وتسيطر على منازع النفس فتقوى الإرادة، وتكون الأهواء أمة لها، ولا تكون سيدا عليه، وإن الصبر في المصائب التي تنزل، والإصرار على الوقوف عند أمر الله تعالى ونهيه، ولقد فسر
ابن كثير الصبر ابتغاء وجه ربهم بقوله: " الصبر عن المحارم والمآثم، فقطعوا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه " وفسره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بقوله: «(صبروا) مطلق فيما يصبر عليه من
[ ص: 3934 ] المصائب في النفوس والأموال، ومشاق التكليف ابتغاء وجه الله، لا ليقال ما أصبره، وأحمله للنوازل، وأوقره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع، ولا لئلا يشمت به الأعداء كقول القائل: (وتجلدي للشامتين أريهم)، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع، ولا مر فيه للفائت كقول القائل:
ما إن جزعت ولا هلعـ ـت ولا يرد بكاي زندا
فكل عمل له وجوه، فعلى المؤمن أن ينوي منها ما كان حسنا عند الله، وإلا لم يستحق ثوابا، وكان فعلا كلا فعل» اهـ. قيل هذا الكلام بليغ، وفيه بيان متى يكون الصبر ابتغاء وجه ربه، ومتى لا يكون، وإنه بلا ريب كلام حق، ولكني أزيد عليه، بأن كلمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم لا بد أن يكون في موضع معين يكون الصبر فيه ابتغاء وجه الله، أي يبيع المؤمن نفسه لله تعالى صابرا محتسبا، وهو الجهاد، فهذه الجملة السامية أو الخصلة الكريمة مع أنها تفيد أن
nindex.php?page=treesubj&link=19571الصبر في كل أحواله خير، وخصوصا إذا لم تقصد به المفاخرة، كما جاء على لسان بعض الشعراء، فإن الأخص هو الصبر في الجهاد، يدفع نوازع النفس، وبالتقدم للميدان رجاء ما عند الله تعالى، والصبر في كل أحواله خير.
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22ابتغاء وجه ربهم أن يطلب رضا ذات الله تعالى العلية عليه.
وعبر بالوجه عن الذات؛ لأنه في أصل معناه اللغوي ما يواجه الإنسان.
والخصلة الثانية:
nindex.php?page=treesubj&link=24589إقامة الصلاة، أي الإتيان بها مستوفية الأركان، وبخشوع وخضوع، وبأداء حقيقة معناها الناهية عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر [ ص: 3935 ] وإن الصلاة إذا أقيمت لقويت النفس، وناجى المؤمن ربه حق المناجاة، وقرب من ربه، وامتلأت نفسه به، وصار قلبه نورا، وفكره نورا، واستقامت نفسه وقلبه.
الخصلة الثالثة: كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22مما رزقناهم معناها: إنفاق بعض ما رزقناهم، أي من حلال مكاسبهم، فالكسب الحلال رزق من الله، وإضافة الرزق إلى الله تعالى يقتضي أولا ما ذكرنا وهو أن يكون حلالا، ويعتبر ثانيا
nindex.php?page=treesubj&link=23467أن المال مال الله تعالى فهو الذي رزق، وما تكلف من إنفاق إنما هو مما أعطاك، فقد أعطاك لتنفق، فهو ابتلاك بالمال لتنفقه وتشكر، وابتلى غيرك بالفقر ليصبر، والله فضل بعضكم على بعض في الرزق.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22سرا وعلانية ولكل حال فضلها، ففضل السر الستر على من يعطيه، وألا يكون تفاخرا، وأن يكون العطاء لوجه الله لا رياء فيه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944205 " من تصدق يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك " ، وفي العلانية فضل أحيانا كأن تحرض الناس على العطاء، وأن يمنع الاتهام بالشح ليقي نفسه منه.
والخصلة الرابعة: بينها سبحانه وتعالى بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22ويدرءون بالحسنة السيئة
(درأ) بمعنى دفع، ومن ذلك قوله تعالى في اللعان:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين
ودرء السيئة بالحسنة فسرها المفسرون بأنه دفع الإساءة بالإحسان، ومقابلة الحرمان بالإعطاء، والقطيعة بالوصل، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655532 " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه
[ ص: 3936 ] قال في معنى هذه الآية: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيئ غيرهم، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا.
وجملة هذه المعاني تتجه إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19572_30524_19508نشر التسامح، ومنع مبادلة السوء بالسوء حتى لا يؤدي ذلك إلى التقاطع والتدابر، وأن يكون بأس المسلمين بينهم شديدا، وهذا هو ما أمر الله تعالى به منعا للعداوة، فقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم
هذا معنى سليم مستقيم، ويصح أن نقول: إن معنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22ويدرءون بالحسنة السيئة أن الإكثار من الحسنات يدفع السيئات، ذلك أن الحسنات طهارة للنفس، والطهارة تزيل أخباث النفس، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات فإن السيئات تخط في القلب خطوطا، والحسنات تزيلها، أو تذهب بنكتها السوداء، ويصح أن يراد المعنيان. ولقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الحسنة تمحو السيئة، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664280«وأتبع السيئة الحسنة تمحها».
وقد بين الله تعالى جزاء المؤمنين الذين اتصفوا بهذه الصفات السامية المطهرة للنفوس وللجماعات، وهي تدل على أن هذه الصفات هي سبب الجزاء العظيم،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22أولئك لهم عقبى الدار وعقبى الدار (الجنة)، ولذا بينها سبحانه وتعالى بقوله:
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=23465_30415_34148_34513_842_844_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ .
ذَكَرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَرْبَعَ خِصَالٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَوَّلُهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=19572الصَّبْرُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، nindex.php?page=treesubj&link=24589_844وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ nindex.php?page=treesubj&link=23468وَالْإِنْفَاقُ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى،
nindex.php?page=treesubj&link=28852_19508_30496_30524وَدَرْءِ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ.
أَمَّا الصِّفَةُ أَوِ الْخَصْلَةُ الْأُولَى: وَهِيَ الصَّبْرُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا ضَبْطُ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَتُسَيْطِرُ عَلَى مَنَازِعِ النَّفْسِ فَتَقْوَى الْإِرَادَةُ، وَتَكُونُ الْأَهْوَاءُ أَمَةً لَهَا، وَلَا تَكُونُ سَيِّدًا عَلَيْهِ، وَإِنَّ الصَّبْرَ فِي الْمَصَائِبِ الَّتِي تَنْزِلُ، وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَهْيِهِ، وَلَقَدْ فَسَّرَ
ابْنُ كَثِيرٍ الصَّبْرَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ بِقَوْلِهِ: " الصَّبْرُ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ، فَقَطَعُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ " وَفَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِقَوْلِهِ: «(صَبَرُوا) مُطْلَقٌ فِيمَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ مِنَ
[ ص: 3934 ] الْمَصَائِبِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، وَمَشَاقِّ التَّكْلِيفِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، لَا لِيُقَالَ مَا أَصْبَرَهُ، وَأَحْمَلَهُ لِلنَّوَازِلِ، وَأَوْقَرَهُ عِنْدَ الزَّلَازِلِ، وَلَا لِئَلَّا يُعَابَ بِالْجَزَعِ، وَلَا لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِ الْأَعْدَاءُ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: (وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ)، وَلَا لِأَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ الْهَلَعِ، وَلَا مَرَّ فِيهِ لِلْفَائِتِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ:
مَا إِنْ جَزِعْتُ وَلَا هَلَعْـ ـتُ وَلَا يَرُدُّ بُكَايَ زَنْدًا
فَكُلُّ عَمَلٍ لَهُ وُجُوهٌ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْوِيَ مِنْهَا مَا كَانَ حَسَنًا عِنْدَ اللَّهِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَوَابًا، وَكَانَ فِعْلًا كُلًّا فَعَلَ» اهـ. قِيلَ هَذَا الْكَلَامُ بَلِيغٌ، وَفِيهِ بَيَانُ مَتَى يَكُونُ الصَّبْرُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ، وَمَتَى لَا يَكُونُ، وَإِنَّهُ بِلَا رَيْبٍ كَلَامُ حَقٍّ، وَلَكِنِّي أَزِيدُ عَلَيْهِ، بِأَنَّ كَلِمَةَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ يَكُونُ الصَّبْرُ فِيهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، أَيْ يَبِيعُ الْمُؤْمِنُ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَهُوَ الْجِهَادُ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ السَّامِيَةُ أَوِ الْخَصْلَةُ الْكَرِيمَةُ مَعَ أَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19571الصَّبْرَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ خَيْرٌ، وَخُصُوصًا إِذَا لَمْ تُقْصَدُ بِهِ الْمُفَاخِرَةُ، كَمَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ، فَإِنَّ الْأَخَصَّ هُوَ الصَّبْرُ فِي الْجِهَادِ، يَدْفَعُ نَوَازِعَ النَّفْسِ، وَبِالتَّقَدُّمِ لِلْمَيْدَانِ رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّبْرُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ خَيْرٌ.
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ أَنْ يَطْلُبَ رِضَا ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَلِيَّةِ عَلَيْهِ.
وَعَبَّرَ بِالْوَجْهِ عَنِ الذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ مَا يُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ.
وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ:
nindex.php?page=treesubj&link=24589إِقَامَةُ الصَّلَاةِ، أَيِ الْإِتْيَانُ بِهَا مُسْتَوْفِيَةَ الْأَرْكَانِ، وَبِخُشُوعٍ وَخُضُوعٍ، وَبِأَدَاءِ حَقِيقَةِ مَعْنَاهَا النَّاهِيَةِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ ص: 3935 ] وَإِنَّ الصَّلَاةَ إِذَا أُقِيمَتْ لَقَوِيَتِ النَّفْسُ، وَنَاجَى الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ حَقَّ الْمُنَاجَاةِ، وَقَرُبَ مِنْ رَبِّهِ، وَامْتَلَأَتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَصَارَ قَلْبُهُ نُورًا، وَفِكْرُهُ نُورًا، وَاسْتَقَامَتْ نَفْسُهُ وَقَلْبُهُ.
الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ: كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ مَعْنَاهَا: إِنْفَاقُ بَعْضِ مَا رَزَقْنَاهُمْ، أَيْ مِنْ حَلَالِ مَكَاسِبِهِمْ، فَالْكَسْبُ الْحَلَالُ رِزْقٌ مِنَ اللَّهِ، وَإِضَافَةُ الرِّزْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي أَوَّلًا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا، وَيُعْتَبَرُ ثَانِيًا
nindex.php?page=treesubj&link=23467أَنَّ الْمَالَ مَالُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي رَزَقَ، وَمَا تَكَلَّفُ مِنْ إِنْفَاقٍ إِنَّمَا هُوَ مِمَّا أَعْطَاكَ، فَقَدْ أَعْطَاكَ لِتُنْفِقَ، فَهُوَ ابْتَلَاكَ بِالْمَالِ لِتُنْفِقَهُ وَتَشْكُرَ، وَابْتَلَى غَيْرَكَ بِالْفَقْرِ لِيَصْبِرَ، وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22سِرًّا وَعَلانِيَةً وَلِكُلِّ حَالٍ فَضْلُهَا، فَفَضْلُ السِّرِّ السَّتْرُ عَلَى مَنْ يُعْطِيهِ، وَأَلَّا يَكُونَ تَفَاخُرًا، وَأَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا رِيَاءَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944205 " مَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ " ، وَفِي الْعَلَانِيَةِ فَضْلٌ أَحْيَانًا كَأَنْ تُحَرِّضَ النَّاسَ عَلَى الْعَطَاءِ، وَأَنْ يَمْنَعَ الِاتِّهَامَ بِالشُّحِّ لِيَقِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ.
وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ: بَيَّنَهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
(دَرَأَ) بِمَعْنَى دَفَعَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي اللِّعَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ
وَدَرْءُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ فَسَّرَهَا الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّهُ دَفْعُ الْإِسَاءَةِ بِالْإِحْسَانِ، وَمُقَابَلَةُ الْحِرْمَانِ بِالْإِعْطَاءِ، وَالْقَطِيعَةِ بِالْوَصْلِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655532 " لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا " ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
[ ص: 3936 ] قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: يَدْفَعُونَ بِالْحَسَنِ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئِ غَيْرِهِمْ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إِذَا حُرِمُوا أَعْطَوْا، وَإِذَا ظُلِمُوا عَفَوْا، وَإِذَا قُطِعُوا وَصَلُوا.
وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَعَانِي تَتَّجِهُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19572_30524_19508نَشْرِ التَّسَامُحِ، وَمَنْعِ مُبَادَلَةِ السُّوءِ بِالسُّوءِ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَأَنْ يَكُونَ بَأْسُ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ شَدِيدًا، وَهَذَا هُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَنْعًا لِلْعَدَاوَةِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
هَذَا مَعْنًى سَلِيمٌ مُسْتَقِيمٌ، وَيَصِحُّ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْحَسَنَاتِ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ، ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَاتِ طَهَارَةٌ لِلنَّفْسِ، وَالطَّهَارَةُ تُزِيلُ أَخْبَاثَ النَّفْسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَإِنَّ السَّيِّئَاتِ تَخُطُّ فِي الْقَلْبِ خُطُوطًا، وَالْحَسَنَاتُ تُزِيلُهَا، أَوْ تَذْهَبُ بِنُكْتِهَا السَّوْدَاءِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَيَانِ. وَلَقَدْ أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ الْحَسَنَةَ تَمْحُو السَّيِّئَةَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664280«وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا».
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى جَزَاءَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ السَّامِيَةِ الْمُطَهِّرَةِ لِلنُّفُوسِ وَلِلْجَمَاعَاتِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ هِيَ سَبَبُ الْجَزَاءِ الْعَظِيمِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ وَعُقْبَى الدَّارِ (الْجَنَّةُ)، وَلِذَا بَيَّنَهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: