الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال الله تعالى:

                                                          فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

                                                          ابتدأت الدعوة المحمدية بإعلانها بين أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان أول من آمن خديجة، ثم علي بن أبي طالب، ثم زيد بن حارثة، ثم بين أصدقائه الذين يعرفون أمانته وفضل خلقه وعظمة نفسه كأبي بكر ثم أصدقائه كعثمان، وهكذا نبتت في خفاء كما نبتت البذرة في ركن مستور مغشى بلباب، حتى أمر الله نبيه أن يجهر وسط عشيرته فقال: وأنذر عشيرتك الأقربين فجمعهم وأنذرهم ومنهم من ردوا سيئا كأبي لهب، ولكن العبادة كانت في خفاء لا يخرج المؤمنون جهارا، والإيذاء مع ذلك يتوالى، حتى دخل بعض الأقوياء بأشخاصهم فوق شرفهم النسبي كحمزة بن عبد المطلب والفاروق عمر بن الخطاب، فكان الجهر وتلقي الأذى بالمجاهرة ونزل قوله تعالى: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين

                                                          اصدع، معناها اجهر بما تدعو إليه مأمورا به، ولا تبال أحدا، وأعرض عنهم، والصدع شق الشيء الصلب وتفريق أجزائه، أو الوصول إلى ما وراءه ولا [ ص: 4116 ] يبقى حاجزا، أو من الصديع وهو ظهور الفجر الصادق يشق ظلام الليل البهيم، ويحيط النور الأبيض يشق الجو المظلم.

                                                          والمعنى حينئذ: اجهر بالحق، وشق به ظلام الجاهلية، كما يشق الفجر بنوره ظلمة الليل.

                                                          وقوله تعالى: بما تؤمر أي أن شق الظلام بالنور هو بما تؤمر، فهو النور الذي يشق الظلام.

                                                          وقوله تعالى وأعرض عن المشركين أي لا تلتفت إليهم، ولا تبال بهم، ولا تدهن معهم بقول في دين الله تعالى، ولا تحسب إن ممالأتهم تدنيهم، إنما يدنيهم الجهر بالحق مع الموعظة الحسنة من غير جفوة، ولا إدهان ودوا لو تدهن فيدهنون

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية