وقوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32409_32412_32413_34252_34263_34383_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جعل لكم من أنفسكم ، أي: خلق لكم من ذات أنفسكم أزواجا، فتضمنت معنى الخلق، وصيرورتها زوجا، كما في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها
وإن هذه الآية وما يماثلها من الآيات تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=31808الزوجة خلقت من ذات الزوج ونفسه، وأنهما أصل الوجود الإنساني وأن عمران الأرض ابتدأ بالأسرة، والأسرة هي وحدة الجماعة الإنسانية، واللبنة الأولى في بنائه، وقد ابتدأ بالأسرة ومنها تتوالد الأسر فقال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة والحفدة جمع حافد ككتبة جمع كاتب، والحافد هو المسرع في الطاعة والخدمة، ومنه قول القانت في قنوته: " وإليك نسعى ونحفد "، والحفدة تشمل أولاد الأبناء وأولاد البنات.
والكلام في الذرية الذين يتوالدون من الزوجين، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قولا غريبا فقد جاء فيه " وقيل: وجعل لكم الغنى وجعل لكم حفدة، أي: خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم " وهو قول غريب بعيد عن معنى الآية؛ لأن الآية في بيان التوالد الإنساني من الزوجين والبنين والأحفاد، كقوله فيما تلونا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وبث منهما رجالا كثيرا ونساء فما مناسبة الخدمة وهم أناسي كسائر الأناسي، ولا يكون نعمة على الجميع أن يكون بعضهم خدما؟!.
وإنه سبحانه وقد عمر الكون الإنساني بهذا التناسل الذي باركه رب العالمين فلم يخرجهم إلى الوجود غير مرزوقين محرومين، بل خلق معهم أرزاقهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72ورزقكم من الطيبات و (من) هنا بيانية، والمعنى رزقكم الطيبات، والطيبات
[ ص: 4221 ] هي الأطعمة والزينة واللبس، والكسب الحلال، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق والطيبات هي غير الخبائث، وهي الأمور المقززة التي تعافها النفس كالميتة والدم ولحم الخنزير، كما قال الله تعالى في وصف النبي الأمي في بشارة التوراة والإنجيل به:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث
ومع أنه أنعم عليهم بنعمة الوجود ونعمة التوالد، وأكرمهم بالرزق الطيب الحلال، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها
مع كل هذا أشركوا بالله، واتبعوا الباطل وكفروا بالحق، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون الفاء للإفصاح عن شرط مقدر، وتقديم (بالباطل) على الفعل؛ للإشارة إلى أنهم لا يؤمنون إلا بالباطل، ولا يؤمنون بحق قط، وبنعمة الله نعمة الإيجاد والرزق يكفرون ولا يشكرون، وأكد سبحانه كفرهم بالنعمة بتقديم النعمة على الفعل، وبالضمير (هم) والجملة الاسمية.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32409_32412_32413_34252_34263_34383_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، أَيْ: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ ذَاتِ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا، فَتَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْخَلْقِ، وَصَيْرُورَتِهَا زَوْجًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا
وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا يُمَاثِلُهَا مِنَ الْآيَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31808الزَّوْجَةَ خُلِقَتْ مِنْ ذَاتِ الزَّوْجِ وَنَفْسِهِ، وَأَنَّهُمَا أَصْلُ الْوُجُودِ الْإِنْسَانِيِّ وَأَنَّ عُمْرَانَ الْأَرْضِ ابْتَدَأَ بِالْأُسْرَةِ، وَالْأُسْرَةُ هِيَ وَحْدَةُ الْجَمَاعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَاللَّبِنَةُ الْأَوْلَى فِي بِنَائِهِ، وَقَدِ ابْتَدَأَ بِالْأُسْرَةِ وَمِنْهَا تَتَوَالَدُ الْأُسَرُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَالْحَفَدَةُ جَمْعُ حَافِدٍ كَكَتَبَةٍ جَمْعُ كَاتِبٍ، وَالْحَافِدُ هُوَ الْمُسْرِعُ فِي الطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَانِتِ فِي قُنُوتِهِ: " وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ "، وَالْحَفَدَةُ تَشْمَلُ أَوْلَادَ الْأَبْنَاءِ وَأَوْلَادَ الْبَنَاتِ.
وَالْكَلَامُ فِي الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ يَتَوَالَدُونَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا فَقَدْ جَاءَ فِيهِ " وَقِيلَ: وَجَعَلَ لَكُمُ الْغِنَى وَجَعَلَ لَكُمْ حَفَدَةً، أَيْ: خَدَمًا يُحْفِدُونَ فِي مَصَالِحِكُمْ وَيُعِينُونَكُمْ " وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي بَيَانِ التَّوَالُدِ الْإِنْسَانِيِّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْبَنِينَ وَالْأَحْفَادِ، كَقَوْلِهِ فِيمَا تَلَوْنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً فَمَا مُنَاسَبَةُ الْخِدْمَةِ وَهُمْ أَنَاسِيٌّ كَسَائِرِ الْأَنَاسِيِّ، وَلَا يَكُونُ نِعْمَةً عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ خَدَمًا؟!.
وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَقَدْ عَمَّرَ الْكَوْنَ الْإِنْسَانِيَّ بِهَذَا التَّنَاسُلِ الَّذِي بَارَكَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَلَمْ يُخْرِجْهُمْ إِلَى الْوُجُودِ غَيْرَ مَرْزُوقِينَ مَحْرُومِينَ، بَلْ خَلَقَ مَعَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ (مِنْ) هُنَا بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى رَزَقَكُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَالطَّيِّبَاتُ
[ ص: 4221 ] هِيَ الْأَطْعِمَةُ وَالزِّينَةُ وَاللُّبْسُ، وَالْكَسْبُ الْحَلَالُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ وَالطَّيِّبَاتُ هِيَ غَيْرُ الْخَبَائِثِ، وَهِيَ الْأُمُورُ الْمُقَزِّزَةُ الَّتِي تَعَافُهَا النَّفْسُ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ فِي بِشَارَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَمَعَ أَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَةِ الْوُجُودِ وَنِعْمَةِ التَّوَالُدِ، وَأَكْرَمَهُمْ بِالرِّزْقِ الطَّيِّبِ الْحَلَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا
مَعَ كُلِّ هَذَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، وَاتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَكَفَرُوا بِالْحَقِّ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ الْفَاءُ لِلْإِفْصَاحِ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، وَتَقْدِيمُ (بِالْبَاطِلِ) عَلَى الْفِعْلِ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِالْبَاطِلِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِحَقٍّ قَطُّ، وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ نِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَالرِّزْقِ يَكْفُرُونَ وَلَا يَشْكُرُونَ، وَأَكَّدَ سُبْحَانَهُ كُفْرَهُمْ بِالنِّعْمَةِ بِتَقْدِيمِ النِّعْمَةِ عَلَى الْفِعْلِ، وَبِالضَّمِيرِ (هُمْ) وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ.