الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ؛ إن الطريق لإقامة الاستخلاف على أساس من العدل والاستقامة والاتصال بالله (تعالى)؛ يكون بثلاثة أمور؛ مذكورة في هذه الآية الكريمة؛ الأمر الأول: إقامة الصلاة؛ وقد أمر بها - سبحانه - في قوله (تعالى): وأقيموا الصلاة ؛ أي: صلوا صلاة مقومة؛ تستشعر فيها جلال الله (تعالى)؛ وكبرياءه؛ وتحس فيها أنك في حضرة الله (تعالى)؛ وكأنك تراه في مثولك بين يديه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك؛ وهذه تربية روحية؛ واتصال بالله - سبحانه وتعالى - فيكون امرأ يألف؛ ويؤلف؛ والأمر الثاني: إيتاء الزكاة؛ أي: إعطاؤها لولي الأمر؛ وهو يصرفها في مصارفها؛ وهذا الأمر ذكره بقوله (تعالى): وآتوا الزكاة ؛ عبر - سبحانه - بقوله: وآتوا ؛ دون " أدوا " ؛ للإشارة إلى أنها عطاء يعطى؛ ويعطيها المزكي على أنها مغنم؛ لا على أنها مغرم؛ وهي تعاون اجتماعي؛ لا مذلة فيه لفقير؛ ولا استطالة لغني؛ والأمر الثالث: طاعة الرسول في كل ما يأمر به وينهى عنه؛ وينظم به الدولة الإسلامية؛ ويقيم دعائم الحكم على أساس من العدل؛ وتنسيق الأمور؛ وهذا هو الأمر الثالث؛ وقد ذكره - سبحانه وتعالى - بقوله: وأطيعوا الرسول ؛ وطاعته في حياته باتباع أوامره في تنظيم الدولة؛ وتوزيع قواها كلها؛ بحيث يتبع في توسيد الأمور للقائمين بها؛ في الحرب؛ والسلم؛ على سواء؛ وبعد مماته تكون طاعته باتباع ما أثر عن سنته؛ فهي المحجة الواضحة؛ والطاعة للأمير الذي ينفذ الحق والعدل؛ ويقيم [ ص: 5223 ] حكمه على دعائم من القرآن؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ ولا يطيع الذين يخالفون الكتاب والسنة إلا في طاعة الله؛ حتى لا تكون الأمور فوضى؛ ويضطرب ميزان الحق والعدل؛ وتعطل الحدود؛ ولا تقام الفرائض؛ ولا تقاد الجيوش؛ ولا تسد الثغور؛ ولا يحمى الحمى.

                                                          ثم قال (تعالى): لعلكم ترحمون ؛ أي: رجاء أن ترحموا ببقاء العزة؛ وألا تكونوا نهبا مقسوما بين الأمم؛ وألا تتداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها؛ والرجاء هنا من الناس؛ لا من الله (تعالى)؛ فالله (تعالى) لا يرجو؛ لأنه عالم الغيب؛ وما يكنه المستقبل.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية