خلق الإنسان
ذكر سبحانه وتعالى خلق الأرض وتمليكه الإنسان حق الانتفاع بها ، وأشار إلى خلق السماوات فكان من بعد ذلك أن تكلم على خلق الإنسان الذي سخر له هذا الوجود الكوني ، من أرض وسماء ، فقال تعالت كلماته : * * *
nindex.php?page=treesubj&link=29747_31807_31808_31825_34091_34265_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )
* * *
وقبل أن نتعرف القصة الحقيقية التي صورها القرآن لخلق الإنسان نذكر عوالم ثلاثة للعقلاء جاء ذكر بعضها في بيان علاقة الإنسان في خلقه وتكوينه بها .
وهذه العوالم الثلاثة هي :
nindex.php?page=treesubj&link=29728_28734عالم الملائكة وهم خلق الله تعالى ، قيل إنه سبحانه خلقهم من نور ، وهم أرواح طاهرة مطهرة لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . لا يتصور منهم معصية ولا يكون منهم إلا الطاعة ، ركب الله تعالى كونهم على أنه لا تتصور منهم معصية ، فليست شهوات ولا أهواء ، وهي بواعث العصيان .
والثاني من هذه العوالم : هو
nindex.php?page=treesubj&link=28796عالم الجن ، وعبارات القرآن تدل على أنهم خلقوا من نار ، وقد ذكر ذلك إبليس الذي هو من الجن ، فقال في غروره مفضلا
[ ص: 193 ] نفسه على
آدم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ،
nindex.php?page=treesubj&link=34105وإبليس كان من الجن ، ولكنه جن فاسق ، فقد ذكر عنه ربه أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50كان من الجن ففسق عن أمر ربه
والجن يظهر أن فيهم أهواء وشهوات ، ولذلك كان منهم العاصون ، ومنهم العادلون المقسطون ، وأنهم مكلفون ، وأنهم سمعوا القرآن ، وسمعوا من قبل توراة
موسى ، وقد قال تعالى فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .
والجن كما ذكر القرآن عالم غير عالم الملائكة ، وغير عالم الإنسان ، وتأويل القول فيهم أنهم من عالم الإنسان ، وأنهم قبيلة منهم - تأويل بغير دليل ، يخالف ظاهر القرآن ، وليس لقائله من سند إلا أن يكون تحريفا للقول عن مواضعه .
والعالم الثالث هو :
nindex.php?page=treesubj&link=28661عالم الإنسان ، وقد خلق من سلالة من طين ، والعالمان الخفيان ، وهما عالم الملائكة وعالم الجن ، تدل الآيات الكريمات على أنهما خلقا
[ ص: 194 ] قبل العالم الثالث ، وهو الإنسان ، بدليل أن الملائكة ذكر الله تعالى لهم أنه جاعل الإنسان خليفة ، وأنهم عجبوا أن يكون خليفة في الأرض من يفسد فيها ويهلك الحرث ، وبدليل أن أبليس الذي كان من الجن عصى ربه ، فلم يسجد ، وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
والإنسان خلق فيه العقل المدرك الذي يرفعه إلى درجة الملائكة ، وخلق فيه الشهوة والهوى اللذان يجعلانه مفسدا فيها ويهلك الحرث والنسل ، وذلك وجه استغرابهم .
ولنذكر القصة الكاملة الحقيقية التي يصور الله تعالى فيها خلق هذا العالم الثالث ، وهو الإنسان .
أعلم الله تعالى الملائكة - وهم جمع ملك - بأنه سيجعل في الأرض من يسكن ظاهرها ، ويحكم فيها ، وينسل فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني جاعل في الأرض خليفة ، أي يكون ساكنا فيها بالخلافة عمن كانوا فيها ، ولم يذكر سبحانه وتعالى من كانوا فيها أهم كانوا من الملائكة أم كانوا من الجن ، أم كانوا خلقا آخر ، ولقد ترك الله سبحانه وتعالى ذكر من خلفهم ، فلنسكت عما ترك ، ولا نرجم بالغيب ، حتى لا نطلب ما ليس لنا به علم .
وقد يقال إن (خليفة ) معناها الخلافة عن الله تعالى في الأرض ، بمعنى أن الله تعالى بما أعطاه من قوة العقل والتفكير والتدبير ، والسيطرة على نفسه ، وعلى ما في الوجود ، في الأرض ، التي خلفه الله تعالى عليها ليكون خليفة خلافة نسبية عن الله تعالى ، والله تعالى غالب على كل أمره ، وأموره .
قد يكون هذا هو الظاهر ، أو أن (خليفة ) معناه أنه وجنسه خلائف يخلف بعضهم بعضا ، كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب [ ص: 195 ] وعندي أن ما أشرنا مرجحين له : وهو أنه خليفة عن الله تعالى وهي خلافة نسبية ، ترك الله تعالى له الخلافة ، ليبلوه فيما ملكه من منافع الأرض التي خلقها جميعا له .
ذكر الله تعالى لملائكته أنه جعل له تعالى خليفة في هذه الأرض ، ويظهر أن الله تعالى أعلمهم بطبيعة هذا العالم الثالث في هذا الوجود من أنه أوتي عقلا مدركا ، وشهوة قد تكون طاغية ، وأنها إن طغت أفسدت ، وأهلكت .
ولذلك قالوا لربهم مستغربين : أتجعل فيها من يفسد فيها ، لأنه ركبت فيه الشهوة وإذا غلبت أفسدت ، وإن الشهوات إذا تحكمت كانت الأثرة ، وكان التنازع ، ومع التنازع سفك الدماء ، ولذا قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ ! وقد كانوا مع اعتقادهم في الإنسان ذلك الاعتقاد أشاروا إلى أنهم أولى منه بالخلافة في الأرض من غير أن يعترضوا على الله تعالى في حكمه ، بل أبدوا استغرابهم من أن الله تعالى يتركهم إلى المفسد السافك للدماء ، وهم المسبحون بحمد الله المقدسون له] . فقالوا مقابلين بين حالهم وحال الإنسان ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30ونحن نسبح بحمدك أي نحن نذكرك مديمين بحمدك على ما أنعمت ، لأن ذاته العلية تستحق الحمد في ذاته ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30ونقدس لك أي نعظمك وننزهك لك أنت . أي : لأجل ذاتك العلية .
يبين الله تعالى لهم ، أن الله يعلم ذلك ، فيعلم أحوالهم وأنهم في تسبيح دائم ، وتقديس ملازم ، ولكن في الإنسان ما يجعله جديرا بالخلافة في الأرض ليبلوه فيما آتاه الله تعالى من خيرها ، فهو يعلمه ويعلمهم ، ويعلم الجدير منهم بأن يجعله في الأرض ، ولذلك قال تعالى ردا لاستغرابهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون أعلم الجدير بما أعطي وغير الجدير .
وقد بين الله تعالى ما أودعه نفس الإنسان من العلم بالأشياء أو الاستعداد للعلم بها ، أو أودع نفسه الاستعداد بعلمه بالأشياء كلها مما لا يعلمون هم ، فقال تعالى : * * *
خَلْقُ الْإِنْسَانِ
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلْقَ الْأَرْضِ وَتَمْلِيكَهُ الْإِنْسَانَ حَقَّ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَأَشَارَ إِلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ فَكَانَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ الَّذِي سَخَّرَ لَهُ هَذَا الْوُجُودَ الْكَوْنِيَّ ، مِنْ أَرْضٍ وَسَمَاءٍ ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ : * * *
nindex.php?page=treesubj&link=29747_31807_31808_31825_34091_34265_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ )
* * *
وَقَبْلَ أَنْ نَتَعَرَّفَ الْقِصَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي صَوَّرَهَا الْقُرْآنُ لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ نَذْكُرُ عَوَالِمَ ثَلَاثَةٍ لِلْعُقَلَاءِ جَاءَ ذِكْرُ بَعْضِهَا فِي بَيَانِ عَلَاقَةِ الْإِنْسَانِ فِي خَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ بِهَا .
وَهَذِهِ الْعَوَالِمُ الثَّلَاثَةُ هِيَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29728_28734عَالَمُ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى ، قِيلَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَهُمْ مِنْ نُورٍ ، وَهُمْ أَرْوَاحٌ طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَةٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ . لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ مَعْصِيَةٌ وَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ إِلَّا الطَّاعَةُ ، رَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ مَعْصِيَةٌ ، فَلَيْسَتْ شَهَوَاتٌ وَلَا أَهْوَاءٌ ، وَهِيَ بَوَاعِثُ الْعِصْيَانِ .
وَالثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْعَوَالِمِ : هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28796عَالَمُ الْجِنِّ ، وَعِبَارَاتُ الْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ نَارٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ إِبْلِيسُ الَّذِي هُوَ مِنَ الْجِنِّ ، فَقَالَ فِي غُرُورِهِ مُفَضِّلًا
[ ص: 193 ] نَفْسَهُ عَلَى
آدَمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34105وَإِبْلِيسُ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ، وَلَكِنَّهُ جِنٌّ فَاسِقٌ ، فَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ رَبُّهُ أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
وَالْجِنُّ يَظْهَرُ أَنَّ فِيهِمْ أَهْوَاءَ وَشَهَوَاتٍ ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْهُمُ الْعَاصُونَ ، وَمِنْهُمُ الْعَادِلُونَ الْمُقْسِطُونَ ، وَأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ ، وَأَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقُرْآنَ ، وَسَمِعُوا مِنْ قَبْلُ تَوْرَاةَ
مُوسَى ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا .
وَالْجِنُّ كَمَا ذَكَرَ الْقُرْآنُ عَالَمٌ غَيْرُ عَالَمِ الْمَلَائِكَةِ ، وَغَيْرُ عَالَمِ الْإِنْسَانِ ، وَتَأْوِيلُ الْقَوْلِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ عَالَمِ الْإِنْسَانِ ، وَأَنَّهُمْ قَبِيلَةٌ مِنْهُمْ - تَأْوِيلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ ، وَلَيْسَ لِقَائِلِهِ مِنْ سَنَدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْرِيفًا لِلْقَوْلِ عَنْ مَوَاضِعِهِ .
وَالْعَالَمُ الثَّالِثُ هُوَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28661عَالَمُ الْإِنْسَانِ ، وَقَدْ خُلِقَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ، وَالْعَالَمَانِ الْخَفِيَّانِ ، وَهُمَا عَالَمُ الْمَلَائِكَةِ وَعَالَمُ الْجِنِّ ، تَدُلُّ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ عَلَى أَنَّهُمَا خُلِقَا
[ ص: 194 ] قَبْلَ الْعَالَمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَنَّهُ جَاعِلُ الْإِنْسَانِ خَلِيفَةً ، وَأَنَّهُمْ عَجِبُوا أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ أَبِلِيسَ الَّذِي كَانَ مِنَ الْجِنِّ عَصَى رَبَّهُ ، فَلَمْ يَسْجُدْ ، وَقَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ .
وَالْإِنْسَانُ خِلُقَ فِيهِ الْعَقْلُ الْمُدْرِكُ الَّذِي يَرْفَعُهُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَلَائِكَةِ ، وَخُلِقَ فِيهِ الشَّهْوَةُ وَالْهَوَى اللَّذَانِ يَجْعَلَانِهِ مُفْسِدًا فِيهَا وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ، وَذَلِكَ وَجْهُ اسْتِغْرَابِهِمْ .
وَلْنَذْكُرِ الْقِصَّةَ الْكَامِلَةَ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي يُصَوِّرُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا خَلْقَ هَذَا الْعَالَمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ .
أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ - وَهُمْ جَمْعُ مَلَكٍ - بِأَنَّهُ سَيَجْعَلُ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَسْكُنُ ظَاهِرَهَا ، وَيَحْكُمُ فِيهَا ، وَيَنْسِلُ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، أَيْ يَكُونُ سَاكِنًا فِيهَا بِالْخِلَافَةِ عَمَّنْ كَانُوا فِيهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ كَانُوا فِيهَا أَهُمْ كَانُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ كَانُوا مِنَ الْجِنِّ ، أَمْ كَانُوا خَلْقًا آخَرَ ، وَلَقَدْ تَرَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذِكْرَ مَنْ خَلْفَهُمْ ، فَلْنَسْكُتْ عَمَّا تَرَكَ ، وَلَا نَرْجُمْ بِالْغَيْبِ ، حَتَّى لَا نَطْلُبَ مَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ .
وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ (خَلِيفَةً ) مَعْنَاهَا الْخِلَافَةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ قُوَّةِ الْعَقْلِ وَالتَّفْكِيرِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَالسَّيْطَرَةِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَعَلَى مَا فِي الْوُجُودِ ، فِي الْأَرْضِ ، الَّتِي خَلَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا لِيَكُونَ خَلِيفَةً خِلَافَةً نِسْبِيَّةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَالِبٌ عَلَى كُلِّ أَمْرِهِ ، وَأُمُورِهِ .
قَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، أَوْ أَنَّ (خَلِيفَةً ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَجِنْسَهُ خَلَائِفُ يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ [ ص: 195 ] وَعِنْدِي أَنَّ مَا أَشَرْنَا مُرَجِّحِينَ لَهُ : وَهُوَ أَنَّهُ خَلِيفَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ خِلَافَةٌ نِسْبِيَّةٌ ، تَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْخِلَافَةَ ، لِيَبْلُوَهُ فِيمَا مَلَّكَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ الَّتِي خَلَقَهَا جَمِيعًا لَهُ .
ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ تَعَالَى خَلِيفَةً فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ، وَيَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ بِطَبِيعَةِ هَذَا الْعَالَمِ الثَّالِثِ فِي هَذَا الْوُجُودِ مِنْ أَنَّهُ أُوتِيَ عَقْلًا مُدْرِكًا ، وَشَهْوَةً قَدْ تَكُونُ طَاغِيَةً ، وَأَنَّهَا إِنْ طَغَتْ أَفْسَدَتْ ، وَأَهْلَكَتْ .
وَلِذَلِكَ قَالُوا لِرَبِّهِمْ مُسْتَغْرِبِينَ : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ، لِأَنَّهُ رُكِّبَتْ فِيهِ الشَّهْوَةُ وَإِذَا غَلَبَتْ أَفْسَدَتْ ، وَإِنَّ الشَّهَوَاتِ إِذَا تَحَكَّمَتْ كَانَتِ الْأَثَرَةُ ، وَكَانَ التَّنَازُعُ ، وَمَعَ التَّنَازُعِ سَفْكُ الدِّمَاءِ ، وَلِذَا قَالُوا : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ؟ ! وَقَدْ كَانُوا مَعَ اعْتِقَادِهِمْ فِي الْإِنْسَانِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ أَشَارُوا إِلَى أَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْهُ بِالْخِلَافَةِ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَرِضُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ ، بَلْ أَبْدَوُا اسْتِغْرَابَهُمْ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتْرُكُهُمْ إِلَى الْمُفْسِدِ السَّافِكِ لِلدِّمَاءِ ، وَهُمُ الْمُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ اللَّهِ الْمُقَدِّسُونَ لَهُ] . فَقَالُوا مُقَابِلِينَ بَيْنَ حَالِهِمْ وَحَالِ الْإِنْسَانِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أَيْ نَحْنُ نَذْكُرُكَ مُدِيمِينَ بِحَمْدِكَ عَلَى مَا أَنْعَمْتَ ، لِأَنَّ ذَاتَهُ الْعَلِيَّةَ تَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ فِي ذَاتِهِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَنُقَدِّسُ لَكَ أَيْ نُعَظِّمُكَ وَنُنَزِّهُكَ لَكَ أَنْتَ . أَيْ : لِأَجْلِ ذَاتِكَ الْعَلِيَّةِ .
يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ ، أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ ، فَيَعْلَمُ أَحْوَالَهُمْ وَأَنَّهُمْ فِي تَسْبِيحٍ دَائِمٍ ، وَتَقْدِيسٍ مُلَازِمٍ ، وَلَكِنَّ فِي الْإِنْسَانِ مَا يَجْعَلُهُ جَدِيرًا بِالْخِلَافَةِ فِي الْأَرْضِ لِيَبْلُوَهُ فِيمَا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَيْرِهَا ، فَهُوَ يُعَلِّمُهُ وَيُعَلِّمُهُمْ ، وَيَعْلَمُ الْجَدِيرَ مِنْهُمْ بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْأَرْضِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى رَدًّا لِاسْتِغْرَابِهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ أَعْلَمُ الْجَدِيرَ بِمَا أُعْطِي وَغَيْرَ الْجَدِيرِ .
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَوْدَعَهُ نَفْسَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ أَوِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْعِلْمِ بِهَا ، أَوْ أَوْدَعَ نَفْسَهُ الِاسْتِعْدَادَ بِعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ هُمْ ، فَقَالَ تَعَالَى : * * *