الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : - جل وعز - : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ؛ هذا يسمى " التحريم المبهم " ؛ وكثير من أهل العلم لا يفرق في المبهم وغير المبهم تفريقا مقنعا؛ وإنما كان يسمى هذا المبهم من المحرمات؛ لأنه لا يحل بوجه ولا سبب؛ واللاحق به وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ؛ والرضاعة قد أدخلت هذه المحرمات في الإبهام؛ وأمهات نسائكم ؛ قد اختلف الناس في هذه؛ فجعلها بعضهم مبهمة؛ وجعلها بعضهم غير مبهمة؛ فالذي جعلها مبهمة قال : إن الرجل إذا تزوج المرأة حرمت عليه أمها؛ دخل بها أو لم يدخل بها؛ واحتج بأن " اللاتي دخلتم بهن " ؛ إنما هو متصل بالربائب؛ وروي عن ابن عباس أنه قال : " وأمهات نسائكم " ؛ من المبهمة. [ ص: 34 ] وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ؛ قال أبو العباس محمد بن يزيد : اللاتي دخلتم بهن نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب لا غير؛ قال : والدليل على ذلك إجماع الناس أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها؛ وأن من أجاز أن يكون قوله : من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ؛ هو لأمهات نسائكم؛ يكون المعنى على تقديره : " وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " ؛ فيخرج أن يكون " اللاتي دخلتم بهن " ؛ لأمهات الربائب؛ والدليل على أن ما قاله أبو العباس هو الصحيح أن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا؛ لا يجيز النحويون : " مررت بنسائك؛ وهربت من نساء زيد الظريفات " ؛ على أن تكون " الظريفات " ؛ نعتا لهؤلاء النساء؛ وهؤلاء النساء؛ والذين قالوا بهذا القول - أعني الذين جعلوا " أمهات نسائكم " ؛ بمنزلة قوله : " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " ؛ إنما يجوز لهم أن يكون منصوبا على " أعني " ؛ فيكون المعنى : " أعني اللاتي دخلتم بهن " ؛ وأن يكون " وأمهات نسائكم " ؛ تمام هذه التحريمات المبهمات؛ ويكون " الربائب " ؛ هن اللاتي يحللن إذا لم يدخل بأمهاتهن قط؛ دون أمهات نسائكم؛ هو الجيد البالغ.

                                                                                                                                                                                                                                        فأما الربيبة فبنت امرأة الرجل من غيره؛ ومعناها : " مربوبة " ؛ لأن الرجل هو يربها؛ ويجوز أن تسمى " ربيبة " ؛ لأنه تولى تربيتها؛ كانت في حجره؛ أو لم تكن تربت في حجره؛ لأن الرجل إذا تزوج بأمها سمي ربيبها؛ والعرب تسمي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم؛ ويوقعونه؛ فيقولون : " هذا مقتول " ؛ و " هذا ذبيح " ؛ أي : قد وقع بهم ذلك؛ و " هذا قاتل " ؛ أي : قد قتل؛ وهذه أضحية آل فلان؛ لما قد [ ص: 35 ] ضحوا به؛ وكذلك " هذه قتوبة " ؛ و " هذه حلوبة " ؛ أي : ما يقتب ويحلب.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : وحلائل أبنائكم ؛ جمع " حليلة " ؛ وهي امرأة ابن الرجل؛ لا تحل للأب؛ وهي من المبهمات؛ و " حليلة " ؛ بمعنى " محلة " ؛ مشتق من " الحلال " .

                                                                                                                                                                                                                                        وأن تجمعوا بين الأختين ؛ " أن " ؛ في موضع رفع؛ المعنى : حرمت هذه الأشياء؛ والجمع بين الأختين؛ إلا ما قد سلف ؛ المعنى : سوى ما قد سلف؛ فإنه مغفور لكم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية