الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك ؛ يعنى بالراسخين : الثابتون في العلم من أهل الكتاب؛ إنهم لعلمهم آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وسائر الأنبياء - عليهم السلام -؛ والمقيمين الصلاة ؛ نسق على " ما " ؛ المعنى : يؤمنون بما أنزل إليك؛ وبالمقيمين الصلاة؛ أي : ويؤمنون بالنبيين المقيمين الصلاة؛ وقال بعضهم : " المقيمين " ؛ عطف على الهاء والميم؛ المعنى : " لكن [ ص: 131 ] الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إليك؛ وهذا عند النحويين رديء؛ أعني العطف على الهاء والميم؛ لأنه لا يعطف بالظاهر المجرور؛ على المضمر المجرور؛ إلا في شعر؛ وذهب بعضهم أن هذا وهم من الكاتب؛ وقال بعضهم : في كتاب الله أشياء ستصلحها العرب بألسنتها؛ وهذا القول عند أهل اللغة بعيد جدا؛ لأن الذين جمعوا القرآن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وهم أهل اللغة؛ وهم القدوة؛ وهم قريبو العهد بالإسلام؛ فكيف يتركون في كتاب الله شيئا يصلحه غيرهم؛ وهم الذين أخذوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وجمعوه؛ وهذا ساقط عمن لا يعلم بعدهم؛ وساقط عمن يعلم؛ لأنهم يقتدى بهم؛ فهذا مما لا ينبغي أن ينسب إليهم - رحمة الله عليهم -؛ والقرآن محكم؛ لا لحن فيه؛ ولا تتكلم العرب بأجود منه في الإعراب؛ كما قال - عز وجل - : تنـزيل من حكيم حميد ؛ وقال : بلسان عربي مبين ؛ ولسيبويه ؛ والخليل؛ وجميع النحويين في هذا باب يسمونه " باب المدح " ؛ قد بينوا فيه صحة هذا وجودته؛ وقال النحويون : إذا قلت : " مررت بزيد الكريم " ؛ وأنت تريد أن تخلص زيدا من غيره؛ فالجر هو الكلام؛ حتى يعرف زيد الكريم من زيد غير الكريم؛ وإذا أردت المدح؛ والثناء؛ فإن شئت نصبت؛ فقلت : " مررت بزيد الكريم " ؛ كأنك قلت : " أذكر الكريم " ؛ وإن شئت قلت : " بزيد الكريم " ؛ على تقدير " هو الكريم " ؛ و " جاءني قومك المطعمين في المحل؛ والمغيثون في الشدائد " ؛ على معنى " أذكر المطعمين؛ وهم المغيثون في الشدائد " ؛ وعلى هذا الآية؛ لأنه لما قال : يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك ؛ علم أنهم [ ص: 132 ] يقيمون الصلاة؛ ويؤتون الزكاة؛ فقال : والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ؛ على معنى " أذكر المقيمين الصلاة؛ وهم المؤتون الزكاة " ؛ وأنشدوا بيت الخرنق بنت بدر بن هفان :


                                                                                                                                                                                                                                        لا يبعدن قومي الذين همو ... سم العداة وآفة الجزر

                                                                                                                                                                                                                                            النازلين بكل معترك
                                                                                                                                                                                                                                        ... والطيبون معاقد الأزر



                                                                                                                                                                                                                                        على معنى " أذكر النازلين " ؛ رفعه ونصبه على المدح؛ وبعضهم يرفع " النازلين " ؛ وينصب " الطيبين " ؛ وكله واحد؛ جائز؛ حسن؛ فعلى هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                        فأما من قال : إنه وهم فقد بينا ما فيه كفاية؛ والذي ذكرناه من الاحتجاج في ذلك مذهب أصحابنا البصريين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية