الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( قوله nindex.php?page=treesubj&link=3059_2685_3123_3122وشرط أدائها نية مقارنة للأداء أو لعزل ما وجب أو تصدق بكله ) بيان لشرط الصحة فإن شرائطها ثلاثة أنواع : شرائط وجوب ، وهي ما ذكره إلا الحول ، فإنه من شروط وجوب الأداء بدليل جواز التعجيل قبله بعد وجود السبب وأما النية فهي شرط الصحة لكل عبادة كما قدمناه وقد علمت من قوله أولا لله تعالى لكن المراد هنا بيان تفاصيلها ، والأصل اقترانها بالأداء كسائر العبادات إلا أن الدفع يتفرق فيخرج باستحضار النية عند كل دفع فاكتفى بوجودها حالة العزل دفعا للحرج ، وإنما سقطت عنه بلا نية فيما إذا تصدق بجميع النصاب ; لأن الواجب جزء منه ، وقد وصل إلى مستحقه ، وإنما تشترط النية لدفع المزاحم فلما أدى الكل زالت المزاحمة ، أطلق المقارنة فشمل المقارنة الحقيقية ، وهو ظاهر ، والحكمية كما إذا دفع بلا نية ثم حضرته النية والمال قائم في يد الفقير فإنه يجزئه ، وهو بخلاف ما إذا نوى بعد هلاكه وكما إذا nindex.php?page=treesubj&link=3123_3077وكل رجلا بدفع زكاة ماله ونوى المالك عند الدفع إلى الوكيل فدفع الوكيل بلا نية فإنه يجزئه ; لأن المعتبر نية الآمر ; لأنه المؤدي حقيقة ، ولو دفعها إلى ذمي ليدفعها إلى الفقراء جاز لوجود النية من الآمر ولو nindex.php?page=treesubj&link=25306أدى زكاة غيره بغير أمره فبلغه فأجاز لم [ ص: 227 ] يجز ; لأنها وجدت نفاذا على المتصدق ; لأنها ملكه ، ولم يصر نائبا عن غيره فنفذت عليه ولو تصدق عنه بأمره جاز ويرجع بما دفع عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، وإن لم يشترط الرجوع كالأمر بقضاء الدين
وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد لا رجوع له إلا بالشرط ، وتمامه في الخانية : ولو nindex.php?page=treesubj&link=3077_3125أعطاه دراهم ليتصدق بها تطوعا فلم يتصدق بها حتى نوى الآمر أن تكون زكاته ثم تصدق بها أجزأه ، وكذا لو قال تصدق بها عن كفارة يميني ثم نوى عن زكاة ماله ، وفي الفتاوى nindex.php?page=treesubj&link=4381_23880_14781_3077رجلان دفع كل واحد منهما زكاة ماله إلى رجل ليؤدي عنه فخلط مالهما ثم تصدق ضمن الوكيل وكذا لو كان في يد رجل أوقاف مختلفة فخلط إنزال الأوقاف وكذلك البياع والسمسار والطحان إلا في موضع يكون الطحان مأذونا بالخلط عرفا انتهى وبه يعلم حكم من يجمع للفقراء ، ومحله ما إذا لم يوكلوه فإن كان وكيلا من جانب الفقراء أيضا فلا ضمان عليه فإذا ضمن في صورة الخلط لا تسقط الزكاة عن أربابها فإذا أدى صار مؤديا مال نفسه كذا في التجنيس ولو لم يخلط الجابي فإنه يجوز دفع من أعطى قبل أن تبلغ الدراهم مائتين ، ولا يجوز لمن أعطى بعد ما بلغت نصابا إن كان الفقير وكل الجابي وعلم المعطي ببلوغه نصابا فإن لم يكن الجابي وكيل الفقير جاز مطلقا ، وإن لم يعلم المعطي ببلوغه نصابا جاز في قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد كذا في الظهيرية وللوكيل بدفع الزكاة أن يدفعها إلى ولد نفسه كبيرا كان أو صغيرا ، وإلى امرأته إذا كانوا محاويج ، ولا يجوز أن يمسك لنفسه شيئا ا هـ .
إلا إذا قال ضعها حيث شئت فله أن يمسكها لنفسه كذا في الولوالجية
وأشار المصنف إلى أنه لا يخرج بعزل ما وجب عن العهدة بل لا بد من الأداء إلى الفقير لما في الخانية لو nindex.php?page=treesubj&link=3083_26210أفرز من النصاب خمسة ثم ضاعت لا تسقط عنه الزكاة ولو مات بعد إفرازها كانت الخمسة ميراثا عنه ا هـ .
بخلاف ما إذا ضاعت في يد الساعي لأن يده كيد الفقراء كذا في المحيط ، وفي التجنيس لو nindex.php?page=treesubj&link=23852_26679_10268_25855عزل الرجل زكاة ماله ووضعه في ناحية من بيته فسرقها منه سارق لم تقطع يده للشبهة وقد ذكر في كتاب السرقة من هذا الكتاب أنه يقطع السارق غنيا كان أو فقيرا ا هـ .
بلفظه وإلى أنه لو أخر الزكاة ليس للفقير أن يطالبه ، ولا أن يأخذ ماله بغير علمه ، وإن أخذ كان لصاحب المال أن يسترده إن كان قائما ، ويضمنه إن كان هالكا فإن لم يكن في قرابة من عليه الزكاة أو في قبيلته أحوج من هذا الرجل فكذلك ليس له أن يأخذها له ، وإن أخذ كان ضامنا في الحكم أما فيما بينه وبين الله - تعالى - يرجى أن يحل له الأخذ كذا في الخانية أيضا ، وإلى أنه لو nindex.php?page=treesubj&link=3106_3122_3264مات من عليه الزكاة لا تؤخذ من تركته لفقد شرط صحتها ، وهو النية إلا إذا أوصى بها فتعتبر من الثلث كسائر التبرعات ، وإلى أنه لو امتنع من أدائها فالساعي لا يأخذ منه كرها ، ولو أخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره بالحبس ليؤدي بنفسه ; لأن الإكراه لا يسلب الاختيار بل الطواعية فيتحقق الأداء عن اختيار كذا في المحيط
وفي مختصر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : ومن nindex.php?page=treesubj&link=7689_3122_3128امتنع عن أداء زكاة ماله وأخذها الإمام كرها منه فوضعها في أهلها أجزأه ; لأن للإمام ولاية أخذ الصدقات فقام أخذه مقام دفع المالك ا هـ .
وفي القنية فيه إشكال لأن النية فيها شرط ، ولم توجد منه ا هـ .
وفي المجمع : ولا نأخذها من سائمة امتنع ربها من أدائها بغير رضاه بل نأمره ليؤديها اختيارا . ا هـ .
والمفتى به التفصيل إن كان في الأموال الظاهرة فإنه يسقط الفرض عن أربابها بأخذ السلطان أو نائبه ; لأن ولاية الأخذ له فبعد ذلك إن لم يضع السلطان موضعها لا يبطل أخذه عنه ، وإن كان في الأموال الباطنة فإنه لا يسقط الفرض ; لأنه ليس للسلطان ولاية أخذ زكاة الأموال الباطنة فلم يصح أخذه كذا في التجنيس والواقعات والولوالجية وقيد بالتصدق بالكل ; لأنه لو nindex.php?page=treesubj&link=24614_3266_3127تصدق ببعض النصاب بلا نية اتفقوا أنه لا يسقط زكاة كله واختلفوا في سقوط زكاة ما تصدق به فقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بسقوطه وقال [ ص: 228 ] nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : عليه زكاة كله إلا إذا كان الموهوب مائة وستة وتسعين فحينئذ تسقط كذا في المبتغى بالغين المعجمة وأطلق في التصدق بالكل فشمل العين والدين فلو كان له على فقير دين فأبرأه عنه سقط زكاته عنه نوى الزكاة أو لم ينو لما قدمناه ولو أبرأه عن البعض سقط زكاة ذلك البعض ، ولا تسقط عنه زكاة الباقي ولو نوى به الأداء عن الباقي ; لأن الباقي يصير عينا بالقبض فيصير مؤديا الدين عن العين
والأصل فيه أن أداء العين عن العين وعن الدين يجوز ، وأداء الدين عن العين ، وعن دين سيقبض لا يجوز ، وأداء الدين عن دين لا يقبض يجوز كذا في شرح nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وحيلة الجواز أن يعطي المديون الفقير خمسة زكاة ثم يأخذها منه قضاء عن دينه كذا في المحيط ولو nindex.php?page=treesubj&link=3130_26245_24612أمر فقيرا بقبض دين له على آخر نواه عن زكاة عين عنده جاز ; لأن الفقير يقبض عينا فكان عينا عن عين كذا في الولوالجية وقيدنا بكون من عليه الدين فقيرا ; لأنه لو كان غنيا فوهبه بعد الحول ففيه روايتان أصحهما الضمان كما في المحيط وقد قدمناه وشمل أيضا ما إذا لم ينو شيئا أصلا أو نوى غير الزكاة ، وهو الصحيح فيما إذا نوى التطوع أما إذا nindex.php?page=treesubj&link=3125تصدق بكله ناويا النذر أو واجبا آخر فإنه يقع عما نوى ويضمن قدر الواجب كذا في التبيين ، وفي شرح nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : لو وجبت الزكاة في مائتي درهم فأدى خمسة ونوى ذلك تطوعا سقطت عنه زكاة الخمسة ، وهي ثمن درهم ، ولا تسقط عنه زكاة الباقي ا هـ .
وينبغي أن يكون مفرعا على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد كما لا يخفى
ولم يشترط المصنف رحمه الله علم الآخذ بما يأخذه أنه زكاة للإشارة إلى أنه ليس بشرط ، وفيه اختلاف والأصح كما في المبتغى والقنية أن من nindex.php?page=treesubj&link=3077_26245_3125أعطى مسكينا دراهم وسماها هبة أو قرضا ونوى الزكاة فإنها تجزئه ، ولم يشترط أيضا الدفع من عين مال الزكاة لما قدمناه من أنه لو أمر إنسانا بالدفع عنه أجزأه لكن اختلف فيما إذا دفع من مال آخر خبيث ، وظاهر القنية ترجيح الإجزاء استدلالا بقولهم : مسلم له خمر فوكل ذميا فباعها من ذمي فللمسلم أن يصرف هذا الثمن إلى الفقراء من زكاة ماله . ا هـ .
وفي الخانية : إذا nindex.php?page=treesubj&link=3265هلكت الوديعة عند المودع فدفع القيمة إلى صاحبها ، وهو فقير لدفع الخصومة يريد به الزكاة لا يجزئه ا هـ .
وفي القنية عليه زكاة ودين أيضا والمال يفي بأحدهما يقضي دين الغريم ثم يؤدي حق الكريم ا هـ .
وفي الظهيرية nindex.php?page=treesubj&link=2779_3124_2714له خمس من الإبل وأربعون شاة فأدى شاة لا ينوي عن أحدهما صرفها إلى أيهما شاء كما nindex.php?page=treesubj&link=14781_14738_23515_23851_12163_12132لو كفر عن ظهار امرأتين بتحرير رقبة كان له أن يجعل عن أيتهما شاء . ا هـ .
وفي فتح القدير والأفضل في الزكاة الإعلان بخلاف صدقة التطوع ، وفي الولوالجية إذا أدى خمسة دراهم ونوى الزكاة والتطوع جميعا يقع عن الزكاة عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد عن النفل ; لأن نية النفل عارض نية الفرض فبقي مطلق النية nindex.php?page=showalam&ids=14954لأبي يوسف أن نية الفرض أقوى فلا يعارضها نية النفل ا هـ .
وأطلق في عزل ما وجب فشمل ما إذا عزل كل ما وجب أو بعضه
وفي الخانية من باب الأضحية : للوكيل بدفع الزكاة أن يوكل بلا إذن ، ولا يتوقف ، وفي القنية من باب الوكالة بأداء الزكاة لو أمره أن يتصدق بدينار على فقير معين فدفعها إلى فقير آخر لا يضمن ثم رقم برقم آخر أنه في الزكاة يضمن ، وله التعيين . ا هـ .
والقواعد تشهد للأول ; لأنهم قالوا : لو nindex.php?page=treesubj&link=28107قال : لله علي أن أتصدق بهذا الدينار على فلان له أن يتصدق على غيره ، وفي الواقعات ولو nindex.php?page=treesubj&link=1423_3075شك رجل في الزكاة فلم يدر أزكى أم لا فإنه يعيد فرق بين هذا وبين ما إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت أصلاها أم لا ، والفرق أن العمر كله وقت لأداء الزكاة فصار هذا بمنزلة شك وقع في أداء الصلاة أنه أدى أم لا ، وهو في وقتها ولو كان كذلك يعيد ا هـ .
ووقعت حادثة هي أن من nindex.php?page=treesubj&link=3075شك هل أدى جميع ما عليه من الزكاة أم لا بأن كان يؤدي متفرقا ، ولا يضبطه هل يلزمه إعادتها ومقتضى ما ذكرنا لزوم الإعادة حيث لم يغلب على ظنه دفع قدر معين [ ص: 229 ] ; لأنه ثابت في ذمته بيقين فلا يخرج عن العهدة بالشك والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
[ ص: 227 ] ( قوله : واختلفوا في سقوط زكاة ما تصدق به إلخ ) أخر في الهداية قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ودليله ، وعادته تأخير ما هو المختار عنده ; ولذا قال في متن الملتقى : لا تسقط حصته عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16908لمحمد
[ ص: 228 ] ( قوله : وهو صحيح فيما إذا نوى التطوع إلخ ) قال في النهر في التعبير بالتصدق إيماء إلى إخراج النذر ، والواجب الآخر ( قوله والقواعد تشهد للأول إلخ ) أقول : : فيه نظر فإن ما ذكره قياس مع الفارق ; لأنهم صرحوا بأن تعيين الزمان والمكان والدرهم والفقير غير معتبر في النذر ; لأن الداخل تحت النذر ما هو قربة ، وهو أصل التصدق دون التعيين فيبطل التعيين وتلزم القربة ، وهنا الوكيل إنما يملك التصرف من الموكل وقد أمره بالدفع إلى فلان فليس له مخالفته كما في سائر أنواع الوكالة ونظيره لو nindex.php?page=treesubj&link=26712أوصى بدراهم لفلان ، وأمر الوصي بأن يدفعها إليه بعد موته ليس له أن يدفعها إلى آخر ( قوله : ومقتضى ما ذكر لزوم الإعادة ) قال الرملي : فرق بين هذا وبين ما تقدم فما تقدم شك في الأداء وعدمه وها هنا في مقدار المؤدى فينبغي التحري كما هو الأصل في مثله ا هـ .
أي حيث غلب على ظنه قدر معين أما إذا لم يغلب كما هو فرض كلام المؤلف فما معنى التحري تأمل .
[ ص: 227 ] ( قوله : واختلفوا في سقوط زكاة ما تصدق به إلخ ) أخر في الهداية قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ودليله ، وعادته تأخير ما هو المختار عنده ; ولذا قال في متن الملتقى : لا تسقط حصته عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16908لمحمد
[ ص: 228 ] ( قوله : وهو صحيح فيما إذا نوى التطوع إلخ ) قال في النهر في التعبير بالتصدق إيماء إلى إخراج النذر ، والواجب الآخر ( قوله والقواعد تشهد للأول إلخ ) أقول : : فيه نظر فإن ما ذكره قياس مع الفارق ; لأنهم صرحوا بأن تعيين الزمان والمكان والدرهم والفقير غير معتبر في النذر ; لأن الداخل تحت النذر ما هو قربة ، وهو أصل التصدق دون التعيين فيبطل التعيين وتلزم القربة ، وهنا الوكيل إنما يملك التصرف من الموكل وقد أمره بالدفع إلى فلان فليس له مخالفته كما في سائر أنواع الوكالة ونظيره لو nindex.php?page=treesubj&link=26712أوصى بدراهم لفلان ، وأمر الوصي بأن يدفعها إليه بعد موته ليس له أن يدفعها إلى آخر ( قوله : ومقتضى ما ذكر لزوم الإعادة ) قال الرملي : فرق بين هذا وبين ما تقدم فما تقدم شك في الأداء وعدمه وها هنا في مقدار المؤدى فينبغي التحري كما هو الأصل في مثله ا هـ .
أي حيث غلب على ظنه قدر معين أما إذا لم يغلب كما هو فرض كلام المؤلف فما معنى التحري تأمل .