الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله لا داره وأرضه ) أي لا خمس في معدن وجده في داره أو أرضه فاتفقوا على أن الأربعة الأخماس للمالك سواء ، وجده هو أو غيره ; لأنه من توابع الأرض بدليل دخوله في البيع بغير تسمية فيكون من أجزائها واختلفوا في وجوب الخمس قال أبو حنيفة : لا خمس في الدار والبيت والمنزل والحانوت مسلما كان المالك ، أو ذميا كما في المحيط ، وفي الأرض عنه روايتان اختار المصنف أنها كالدار وقالا : يجب الخمس لإطلاق الدليل ، وله أنه من أجزاء الأرض مركب فيها ، ولا مؤنة في سائر الأجزاء فكذا في هذا الجزء ; لأن الجزء لا يخالف الجملة بخلاف الكنز فإنه غير مركب فيها ، والفرق بين الأرض والدار على إحدى الروايتين ، وهي رواية الجامع الصغير أن الدار ملكت خالية عن المؤن دون الأرض ; ولذا وجب العشر أو الخراج في الأرض دون الدار فكذا هذه المؤنة حتى قالوا : لو كان في الدار نخلة تطرح كل سنة أكرارا من الثمار لا يجب فيه شيء لما قلنا بخلاف الأرض ، وفي البدائع : هذا كله إذا وجد في دار الإسلام فأما إذا وجده في دار الحرب فإن وجده في أرض غير مملوكة فهو له ، ولا خمس فيه كما في الكنز ، وأورد على كون المعدن من أجزاء الأرض جواز التيمم به ، وليس بجائز ، وأجاب في المعراج بأنه من أجزائها ، وليس من جنسها كالخشب

                                                                                        ( قوله وكنز ) بالرفع عطف على " معدن " أي وخمس كنز ، وهو دفين الجاهلية فيكون الخمس لبيت المال ، وله أن يصرفه إلى نفسه إن كان فقيرا كما قدمناه في المعدن ووجوب الخمس اتفاق لعموم الحديث { ، وفي الركاز الخمس } كما قدمناه ( قوله : وباقيه للمختط له ) أي الأخماس الأربعة للذي ملكه الإمام البقعة أول الفتح ، وإن كان ميتا فلورثته إن عرفوا ، وإلا فهو لأقصى مالك للأرض أو لورثته كذا في البدائع وقيل يوضع في بيت المال ، ورجحه في فتح القدير ، وفي التحفة جعله لبيت المال إن لم يعرف الأقصى وورثته ، وهذا كله عندهما ، وقال أبو يوسف : إن الباقي للواحد كالمعدن ; لأن الاستحقاق بتمام الحيازة ، وهي منه ، ولهما أن يد المختط له سبقت إليه ، وهي يد الخصوص فيملك به ما في الباطن ، وإن كانت على الظاهر كما إذا اصطاد سمكة في بطنها درة ثم بالبيع لم تخرج عن ملكه ; لأنه مودع فيها بخلاف المعدن ; لأنه من أجزائها فينتقل إلى المشتري

                                                                                        ومحل الخلاف فيما إذا لم يدعه مالك الأرض فإن ادعى أنه ملكه فالقول قوله اتفاقا كذا في المعراج أطلق في الكنز فشمل النقد وغيره من السلاح والآلات وأثاث المنازل والفصوص والقماش ; لأنها كانت ملكا للكفار فحوته أيدينا قهرا فصارت غنيمة وقيدناه بدفين الجاهلية بأن كان نقشه صنما أو اسم ملوكهم المعروفين للاحتراز عن دفين أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة أو نقش آخر معروف للمسلمين فهو لقطة ; لأن مال المسلمين لا يغنم وحكمها معروف ، وإن اشتبه الضرب عليهم فهو جاهلي في ظاهر المذهب ; لأنه الأصل وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد وأشار بقوله للمختط له إلى أنه وجده في أرض مملوكة ; لأنه لو وجده في أرض غير مملوكة كالجبال والمفازة فهو كالمعدن يجب خمسه وباقيه للواجد مطلقا حرا كان أو عبدا كما ذكرناه ، وفي المغرب الخطة المكان المختط لبناء دار أو غير ذلك من العمارات ، وفي المعراج إنما قالوا للمختط له ; لأن الإمام إذا أراد قسمة الأراضي يخط لكل واحد من الغانمين ويجعل تلك الناحية له ( قوله وزئبق ) أي خمس الزئبق عند أبي حنيفة ومحمد وعن أبي يوسف لا شيء فيه ; لأنه مائع ينبع من الأرض كالقير ولهما أنه ينطبع مع غيره فإنه حجر [ ص: 254 ] يطبخ فيسيل منه الزئبق فأشبه الرصاص ، وهو بكسر الباء بعد الهمزة الساكنة كذا في المغرب وقيل هو حيوان ; لأنه ذو حس يتحرك بالإرادة ; ولهذا يقتل كذا في المعراج ، وفي فتح القدير أنه بالياء وقد تهمز ، ومنهم حينئذ من يكسر الموحدة بعد الهمزة مثل زيبر الثوب ، وهو ما يعلو جديده من الوبرة لأخذه لا على وجه القهر والغلبة

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : واختلفوا في وجوب الخمس ) الظاهر أن الخلاف فيه جار في الأرض المملوكة للواجد أو لغيره بدليل قوله قبله تبعا للبدائع سواء وجده هو أو غيره أي المالك ، أو غير المالك فقول المتن : لا داره وأرضه بإرجاع الضمير للواجد ليس احترازا عن الأرض المملوكة لغير الواجد بل هما سواء في عدم وجوب الخمس فيهما كما استويا في أن الأربعة الأخماس للمالك سواء كان هو الواجب أو غيره وعبارة التنوير تقتضي خلاف ذلك فإنه قال : وباقيه أي باقي المعدن بعد الخمس لمالكها إن ملكت ، وإلا فللواجد ، ولا شيء فيه إن وجده في داره وأرضه فقوله : وباقيه لمالكها يدل على أنه لو كان الواجد غير المالك يخمس والباقي للمالك ، ولو كان الواجد هو المالك لا يخمس بل الكل له لقوله بعده : ولا شيء فيه إن وجده في داره وأرضه فتأمل ( قوله وعن أبي يوسف لا شيء فيه ) قال الرملي : أي في روايته الأخيرة ، وأقول : الخلاف في المصاب في معدنه أما الموجود في خزائن الكفار ففيه الخمس اتفاقا كذا في النهر ، وهذا أيضا فيما إذا وجده في غير أرضه وداره أما إذا وجده فيهما لا سبيل لأحد [ ص: 254 ] عليه ، ولا يخمس كما صرح به في التتارخانية




                                                                                        الخدمات العلمية