الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : أو جامع بعد الحلق ) معطوف على قوله أول الفصل قبل أي يجب شاة إن جامع بعد الحلق قبل الطواف لقصور الجناية لوجود الحل الأول بالحلق . ثم اعلم أن أصحاب المتون على ما ذكره المصنف من التفصيل فيما إذا جامع بعد الوقوف فإن كان قبل الحلق فالواجب بدنة ، وإن كان بعده فالواجب شاة ، ومشى جماعة من المشايخ كصاحب المبسوط والبدائع والإسبيجابي على وجوب البدنة مطلقا ، وقال في فتح القدير : إنه الأوجه ; لأن إيجابها ليس إلا بقول ابن عباس والمروي عنه ظاهره فيما بعد الحلق ثم المعنى يساعده وذلك ; لأن وجوبها قبل الحلق ليس إلا للجناية على الإحرام ، ومعلوم أن الوطء ليس جناية عليه إلا باعتبار تحريمه له لا لاعتبار تحريمه لغيره فليس الطيب جناية على الإحرام باعتبار تحريمه الجماع أو الحلق بل باعتبار تحريمه للطيب ، وكذا كل جناية على الإحرام ليست جناية عليه إلا باعتبار تحريمه لها لا لغيرها فيجب أن يستوي ما قبل الحلق ، وما بعده في حق الوطء ; لأن الذي به كان جناية قبله بعينه ثابت بعده ، والزائل لم يكن الوطء جناية باعتباره لا جرم أن المذكور في ظاهر الرواية إطلاق لزوم البدنة بعد الوقوف من غير تفصيل بين كونه قبل الحلق أو بعده . انتهى .

                                                                                        ويرد عليه أنهم اتفقوا أنه لو جامع مرة ثانية بعد الوقوف قبل الحلق فإنه لا يجب بدنة ، وإنما تجب شاة مع أن وجوبها للجماع الأول ليس إلا باعتبار حرمته عليه ، وهو بعينه موجود في كل جماع أتى به قبل الطواف فتعين أن ينظر إلى أن البدنة لا تجب إلا إذا كملت الجناية ، وكمالها بمصادفتها إحراما كاملا فالجماع في المرة الثانية صادف إحراما ناقصا فلم تجب البدنة ، وكذا الجماع بعد الحلق صادف إحراما ناقصا لخروجه عنه في حق غير النساء ، وهذا الباب أعني باب الجنايات على الإحرام ينظر فيه إلى كمال الجناية ، وقصورها ليجب الجزاء بقدره كما تقدم من تطييب العضو ، وما دونه ، ومن لبس المخيط يوما أو أقل إلى غير ذلك لا إلى تحريم الفعل فقط فالحاصل أن مسائلهم شاهدة بأن الجناية إن كملت تغلظ الجزاء كما في لبس المخيط يوما أو أقل إلى غير ذلك لا إلى تحريم الفعل فقط ، وإن قصرت خف الجزاء فالأوجه ما في المتون والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                        ولم يذكر المصنف حكم القارن إذا جامع وحكمه أنه إن كان قبل الوقوف بعرفة وطواف العمرة فسد حجه وعمرته ، ولزمه دمان وقضاؤهما وسقط عنه دم القران ، وإن كان بعد طواف العمرة أو أكثره قبل الوقوف فسد الحج فقط ، ولزمه دمان أيضا ، وقضاء الحج فقط وسقط عنه دم القران ، وإن كان بعد الطواف والوقوف قبل طواف الزيارة لم يفسدا ، وعليه بدنة للحج وشاة للعمرة إن كان قبل الحلق اتفاقا واختلفوا فيما إذا كان بعد الحلق في موضعين . الأول : في وجوب [ ص: 19 ] البدنة للحج أو الشاة ، وقدمناه والثاني في وجوب شاة للعمرة فالذي اختاره صاحب المبسوط والبدائع والإسبيجابي أنه يجب شاة للعمرة والذي اختاره الوبري أنه لا يجب شيء لأجل العمرة ; لأنه خرج من إحرامها بالحلق وبقي إحرام الحج في حق النساء واستشكله الشارح بأنه إذا بقي محرما بالحج فكذا في العمرة ورده في فتح القدير بأن إحرام العمرة لم يعهد بحيث يتحلل منه بالحلق من غير النساء ويبقى في حقهن بل إذا حلق بعد أفعالها حل بالنسبة إلى كل ما حرم عليه ، وإنما عهد ذلك في إحرام الحج فإذا ضم إحرام الحج إلى إحرام العمرة استمر كل على ما عهد له في الشرع فينطوي بالحلق إحرام العمرة بالكلية فالصواب ما عن الوبري . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وإن كان بعده ) أي بعد الحلق ، وقبل طواف الزيارة كما هو ظاهر وصرح به في الفتح [ ص: 19 ] ( قوله : وقد قدمناه ) أي في صور هذه القولة عند قوله ، وإن كان بعده فالواجب شاة إلخ فإنه ، وإن كان ذاك في المفرد يعلم منه حكم القارن كما سيأتي .




                                                                                        الخدمات العلمية