الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويأكل من هدي التطوع والمتعة والقران فقط ) أي يجوز له الأكل ويستحب للاتباع الفعلي الثابت في حجة الوداع على ما رواه مسلم من أنه عليه السلام { نحر ثلاثا وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي من المائة ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها } ; ولأنه دم النسك فيجوز منه الأكل كالأضحية ، وأشار بكلمة من إلى أنه يأكل البعض منه والمستحب أن يفعل كما في الأضحية ، وهو أن يتصدق بالثلث ويطعم الأغنياء الثلث ويأكل ويدخر الثلث ، وأفاد بقوله هدي التطوع أنه بلغ الحرم أما إذا ذبحه قبل بلوغه فليس بهدي فلم يدخل تحت عبارته ليحتاج إلى الاستثناء فلهذا لا يأكل منه ، والفرق بينهما أنه إذا بلغ الحرم فالقربة فيه بالإراقة ، وقد حصلت والأكل بعد حصولها ، وإذا لم يبلغ فهي بالتصدق والأكل ينافيه ، وأفاد بقوله فقط أنه لا يجوز الأكل من بقية الهدايا كدماء الكفارات كلها والنذور ، وهدي الإحصار ، وكذا ما ليس بهدي كالتطوع إذا لم يبلغ الحرم ، وكذا لا يجوز للأغنياء ; لأن دم النذر دم صدقة ، وكذا دم الكفارات ; لأنه [ ص: 77 ] وجب تكفيرا للذنب ، وكذا دم الإحصار لوجود التحلل والخروج من الإحرام قبل أوانه .

                                                                                        قال في البدائع : وكل دم يجوز له أن يأكل منه لا يجب عليه التصدق بلحمه بعد الذبح ; لأنه لو وجب عليه التصدق به لما جاز له أكله لما فيه من إبطال حق الفقراء وكل دم لا يجوز له الأكل منه يجب عليه التصدق بعد الذبح ; لأنه إذا لم يجز أكله ، ولم يتصدق به يؤدي إلى إضاعة المال ، ولو هلك المذبوح بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين ; لأنه لا صنع له في الهلاك ، وإن استهلكه بعد الذبح فإن كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته فيتصدق بها ; لأنه تعلق به حق الفقراء فبالاستهلاك تعدى على حقهم ، وإن كان مما لا يجب التصدق به لا يضمن شيئا ، ولو باع اللحم جاز بيعه في النوعين ; لأن ملكه قائم إلا أن فيما لا يجوز له أكله ويجب عليه التصدق به يتصدق بثمنه ; لأنه ثمن مبيع واجب التصدق . ا هـ .

                                                                                        وهكذا نقله عنه في فتح القدير باختصار مع أنه قدم أنه ليس له بيع شيء من لحوم الهدايا ، وإن كان مما يجوز له الأكل منه فإن باع شيئا أو أعطى الجزار أجره منه فعليه أن يتصدق بقيمته ا هـ .

                                                                                        وقد يقال في التوفيق بينهما إنه إن باع مما لا يجوز أكله وجب التصدق بالثمن ، ولا ينظر إلى القيمة ، وإن باع مما لا يجوز له أكله وجب التصدق بالقيمة ، ولا ينظر إلى الثمن ، وأن المراد بالجواز في كلام البدائع الصحة لا الحل ، وفي فتح القدير ، ولو أكل مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكل وبه قال : الشافعي وأحمد ، وقال : مالك لو أكل لقمة ضمن كله .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وأفاد بقوله هدي التطوع أنه بلغ الحرم ) نظر في هذه الإفادة في النهر ، ولم يبين وجه النظر ، ولعل وجهه منع أنه لا يسمى هديا قبل بلوغه الحرم يدل عليه قوله تعالى { هديا بالغ الكعبة } فإن بالغ سواء قدر صفة أو حالا مقدرة على ما مر يفيد تسميته هديا قبل البلوغ ويؤيده أيضا ما سيأتي من أنه لو عطب أو تعيب قبل بلوغه محله نحره وصبغ نعله بدمه وضرب ليعلم أنه هدي فيأكله الفقير دون الغني إلخ [ ص: 77 ] ( قوله : مع أنه قدم إلخ ) قال : في النهر ، وفيه مخالفة لما في البدائع من وجهين : الأول وجوب التصدق فيما له الأكل منه أيضا الثاني أنه لا ينظر إلى الثمن فيما لا يجوز أكله ويمكن التوفيق في الثاني بأن ينظر إلى الثمن إن كان أكثر من القيمة ، وإلى القيمة إن كانت أكثر قاله بعض العصريين ، وفيه نظر إذ مقتضى كونه باع ملكه أنه لا ينظر إلى القيمة ، وما في البحر من أن التصدق بالثمن فيما لا يجوز أكله وبالقيمة فيما يجوز والجواز في الأول بمعنى الصحة لا الحل فيه نظر فتدبره . ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن المراد بالنظر ما قدمه هذا ، وأنت خبير بأنه لا وجه لذكر الوجه الأول ; لأن وجوب التصدق بقيمة ما يؤكل لا يقتضي وجوب التصدق به نفسه كالأضحية لا يجب التصدق بها ، ولو باع جلدها أو شيئا من لحمها بمستهلك أو دراهم يجب التصدق بالثمن فليس مخالفا لقول البدائع لا يجب عليه التصدق بلحمه ، وبما ذكرنا تعلم سقوط النظر فإن الأضحية ملكه ونظر فيها إلى الثمن فينظر إلى القيمة في مسألتنا ، وإلا فما الفرق بينهما وبالجملة فالمخالفة ظاهرة في الوجه الثاني ، وهو وجوب التصدق فيما لا يجوز له أكله بالثمن على ما في البدائع وبالقيمة على ما في الفتح وبقي مخالفة من وجه آخر ، وهو أن ظاهر ما في البدائع عدم وجوب التصدق بشيء فيما يجوز له أكله لتخصيصه وجوب التصدق فيما لا يجوز ، وظاهر كلام الفتح وجوب التصدق فيهما وبيان التوفيق الذي ذكره المؤلف أن يقيد قول الفتح فإن باع شيئا إلخ بما يجوز الأكل منه فقول البدائع يتصدق بثمنه خاص بما لا يجوز كما هو صريح كلامه ، وقول الفتح فعليه أن يتصدق بقيمته خاص بما يجوز فانتفت المخالفة بوجهيها هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل فتأمل ثم رأيت في اللباب وشرحه قال : فلو استهلكه بنفسه بأن باعه ونحو ذلك بأن وهبه لغني أو أتلفه وضيعه لم يجز ، وعليه قيمته أي ضمان قيمته للفقراء إن كان مما يجب التصدق به بخلاف ما إذا كان لا يجب عليه التصدق به فإنه لا يضمن شيئا . ا هـ .

                                                                                        وهو موافق لظاهر كلام البدائع ( قوله : وإن باع مما لا يجوز له أكله ) كذا في كثير من النسخ بلا النافية هنا ، وفيما قبله والصواب حذفها هنا كما يوجد في بعضها .




                                                                                        الخدمات العلمية