الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل في المحرمات ) .

                                                                                        شروع في بيان شرط النكاح أيضا فإن منه كون المرأة محللة لتصير محلا له وأفرد بفصل على حدة لكثرة شعبه ، واختلف الأصوليون في إضافة التحريم إلى الأعيان ، فقيل : مجاز والمحرم حقيقة الفعل ، ورجحوا أنه حقيقة وانتفاء محلية المرأة للنكاح شرعا بأسباب تسعة : الأول المحرمات بالنسب : وهن فروعه وأصوله وفروع أبويه وإن نزلوا وفروع أجداده وجداته إذا انفصلوا ببطن واحد . الثاني المحرمات بالمصاهرة : وهن فروع نسائه المدخول بهن وأصولهن وحلائل فروعه وحلائل أصوله ، والثالث المحرمات بالرضاع وأنواعهن كالنسب ، والرابع حرمة الجمع بين المحارم وحرمة الجمع بين الأجنبيات كالجمع بين الخمس ، والخامس حرمة التقديم وهو تقديم الحرة على الأمة جعله في النهاية والمحيط قسما على حدة وأدخله الزيلعي في حرمة الجمع ، فقال : وحرمة الجمع بين الحرة والأمة والحرة متقدمة وهو الأنسب ، والسادس المحرمة لحق الغير كمنكوحة الغير ومعتدته والحامل بثابت النسب ، والسابع المحرمة لعدم دين سماوي كالمجوسية والمشتركة ، والثامن المحرمة للتنافي كنكاح السيدة مملوكها ، والتاسع لم يذكره الزيلعي وكثير وهو المحرمة بالطلقات الثلاث ذكره في المحيط والنهاية ، وقد ذكر المصنف في هذا الفصل سبعة منها ، وذكر المحرمة بالطلقات الثلاثة في فصل من تحل به [ ص: 99 ] المطلقة ثلاثا من الرجعة ولم يصرح بالحرمة لحق الغير لظهوره ( قوله حرم تزوج أمه وبنته وإن بعدتا ) لقوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } واختلف في توجيه حرمة الجدات وبنات البنات ، فقيل بوضع اللفظ وحقيقته ; لأن الأم في اللغة الأصل والبنت الفرع فيكون الاسم حينئذ من قبيل المشكك ، وقيل بمجازه لا أنه جمع بين الحقيقة والمجاز بل بعموم المجاز فيراد بالأم الأصل أيضا وبالبنت الفرع فيدخلان في عمومه والمعرف لإرادة ذلك في النص الإجماع على حرمتهن ، وقيل بدلالة النص المحرم للعمات والخالات وبنات الأخ والأخت ففي الأول ; لأن الأشقاء منهن أولاد الجدات فتحريم الجدات وهن أقرب أولى وفي الثاني ; لأن بنات الأولاد أقرب من بنات الإخوة وكل من التوجيهات صحيح ودخل في البنت بنته من الزنا فتحرم عليه بصريح النص المذكور ; لأنها بنته لغة والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولا شرعا ، وكذا أخته من الزنا وبنت أخيه وبنت أخته أو ابنه منه بأن زنى أبوه أو أخوه أو أخته أو ابنه فأولدوا بنتا فإنها تحرم على الأخ والعم والخال والجد ، وصورته في هذه المسائل : أن يزني ببكر ويمسكها حتى تلد بنتا كما في فتح القدير من بحث إن الزنا يوجب المصاهرة ، ودخل بنت الملاعنة أيضا فلها حكم البنت هنا فلو لاعن فنفى القاضي نسبها من الرجل وألحقها بالأم لا يجوز للرجل أن يتزوجها ; لأنه بسبيل من أن يكذب نفسه ويدعيها فيثبت نسبها منه كذا في فتح القدير . ، وقد قدمنا في باب المصرف عن المعراج أن ولد أم الولد الذي نفاه لا يجوز دفع الزكاة إليه ، ومقتضاه ثبوت البنتية فيما يبنى على الاحتياط فلا يجوز لولده أن يتزوجها ; لأنها أخته احتياطا ويتوقف على نقل ويمكن أن يقال في بنت الملاعنة إنها تحرم باعتبار أنها ربيبة ، وقد دخل بأمها لا لما تكلفه في الفتح كما لا يخفى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( فصل في المحرمات ) .

                                                                                        [ ص: 99 ] ( قوله ولم يصرح بالحرمة لحق الغير لظهوره ) قال في النهر : والظاهر أن في قوله أي في الرجعة وينكح مبانته في العدة وبعدها إيماء إليه إذا قيد بمبانته ; لأن مبانة غيره لا ينكحها فيها وعرف منه المنع في المنكوحة بالأولى ا هـ .

                                                                                        ولا ينافي ما ذكره المؤلف ; لأنه نفى التصريح ( قوله : وكذا أخته من الزنا وبنت أخيه وبنت أخته ) أقول : ما ذكره هنا مخالف لما ذكره في الرضاع من أن البنت من الزنا لا تحرم على عم الزاني وخاله ; لأنه لم يثبت نسبها من الزاني حتى يظهر فيها حكم القرابة وتحريمها على آباء الزاني وأولاده عند القائلين به لاعتبار الجزئية والبعضية ولا جزئية بينها وبين العم والخال ا هـ .

                                                                                        ومخالف أيضا لما ذكره في فتح القدير هناك عن التجنيس حيث قال لا يجوز للزاني أن يتزوج بالصبية المرضعة ولا لأبيه وأجداده ولا لأحد من أولاده وأولادهم ولعم الزاني أن يتزوج بها كما يجوز أن يتزوج بالصبية التي ولدت من الزاني ; لأنه لم يثبت نسبها من الزاني حتى يظهر فيها حكم القرابة والتحريم على آباء الزاني وأولاده لاعتبار الجزئية والبعضية ولا جزئية بينها وبين العم وإذا ثبت هذا في حق المتولدة من الزنا فكذا في حق المرضعة من الزنا . ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن ما ذكره المؤلف عن الفتح هنا مبني على ما قرره من حرمة البنت من الزنا بصريح النص فتدخل في قوله تعالى { وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } فتحرم على العم وعلى الخال بصريح النص وهو استنباط حسن ولكن إن كان منقولا فهو مقبول وإلا فيتبع المنقول في التجنيس ، والله تعالى أعلم ( قوله وصورته في هذه المسائل أن يزني ببكر إلخ ) قال الحانوتي ولا يتصور كونها بنته من الزنا إلا بذلك إذ لا يعلم كون الولد منه إلا به كذا في حاشية مسكين ( قوله ويمكن أن يقال في بنت الملاعنة إلخ ) قال في النهر ثبوت اللعان لا يتوقف على الدخول بأمها وحينئذ فلا يلزم أن تكون ربيبته ( قوله ، وكذا عمة جده وخالته إلخ ) لا حاجة إليه بعد قوله وإن علوا .




                                                                                        الخدمات العلمية