الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب نكاح الرقيق ) .

                                                                                        ذكره بعد نكاح الأحرار المسلمين مقدما على نكاح الكفار لأن الإسلام فيهم غالب ، والرقيق في اللغة : العبد ، ويقال للعبيد كذا في المغرب ، والمراد به هنا : المملوك من الآدمي لأنهم قالوا : إن الكافر إذا أسر في دار الحرب فهو رقيق لا مملوك وإذا أخرج فهو مملوك أيضا فعلى هذا فكل مملوك من الآدمي رقيق لا عكسه ( قوله : لم يجز نكاح العبد ، والأمة و المكاتب ، والمدبر وأم الولد إلا بإذن السيد ) أي لا ينفذ فالمراد بعدم الجواز عدم النفاذ لا عدم الصحة بقرينة سابقه في فصل الوكالة بالنكاح حيث صرح بأنه موقوف كعقد الفضولي لقوله عليه السلام { أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر } حسنه الترمذي ، والعهر الزنا وهو محمول على ما إذا وطئ بمجرد العقد وهو زنا شرعي لا فقهي فلم يلزم منه وجوب الحد لأنه مترتب على الزنا الفقهي كما سيأتي ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما فلا يملكانه بدون إذن مولاهما وكذلك المكاتب لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب فبقي في حق النكاح على حكم الرق ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده ويملك تزويج أمته لأنه من باب الاكتساب وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى وتملك تزويج أمتها لما قلنا

                                                                                        وكذا المدبر وأم الولد لأن الملك فيهما قائم ودخل في المكاتب معتق البعض لا يجوز نكاحه عند أبي حنيفة وعندهما يجوز لأنه حر مديون ودخل في أم الولد ابنها أي ابنها من غير مولاها كما إذا زوج أم ولده من غيره فجاءت بولد من زوجها فحكمه حكم أمه وأما ولدها من مولاها فحر ويستثنى من قولهم ابن أم الولد من غير المولى كأمه مسألة ذكرها في المبسوط من باب الاستيلاد لو اشترى ابن أم ولد له من غيره بأن استولد جارية بالنكاح ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت ثم اشترى الجارية مع الولدين فالجارية تكون أم ولد له وولده حر وولدها من غيره له بيعه ا هـ . إلا أن يقال إنها حين ولدته لم تكن أم ولد له فلا استثناء .

                                                                                        وأطلق في نكاحه فشمل ما إذا تزوج بنفسه وما إذا زوجه غيره وقيد بالنكاح لأن التسري للعبد و المكاتب ، والمدبر حرام مطلقا كذا في شرح الطحاوي وقال في فتح القدير [ ص: 203 ] فرع مهم للتجار ربما يدفع لعبده جارية ليتسرى بها ولا يجوز للعبد أن يتسرى أصلا أذن له مولاه أو لم يأذن لأن حل الوطء لا يثبت شرعا إلا بملك اليمين أو عقد النكاح وليس للعبد ملك يمين فانحصر حل وطئه في عقد النكاح ا هـ .

                                                                                        وشمل السيد الشريكين فلا يجوز نكاح المشترك إلا بإذن الكل لما في الظهيرية لو زوج أحد الموليين أمته ودخل بها الزوج فللآخر النقض فإن نقض فله نصف مهر المثل وللزوج الأقل من نصف مهر المثل ومن نصف المسمى ا هـ .

                                                                                        وشمل ورثة سيد المكاتب لما في التجنيس إذا أذن الورثة للمكاتب بالنكاح جاز لأنهم لم يملكوا رقبته لأنه صار كالحر ولكن الولاء لهم ا هـ .

                                                                                        وبهذا علم أن السيد هنا من له ولاية تزويج الرقيق ولو غير مالك له ولهذا كان للأب ، والجد ، والقاضي ، والوصي تزويج أمة اليتيم وليس لهم تزويج العبد لما فيه من عدم المصلحة ، وملك المكاتب ، والمفاوض تزويج الأمة ولا يملكان تزويج العبد لما ذكرنا فخرج العبد المأذون ، والمضارب وشريك العنان فإنهم لا يملكون تزويج الأمة أيضا خلافا لأبي يوسف وفي جامع الفصولين : القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب وقنه ، وإن لم يكن له مال ويملك أن يكاتبهما وأن يبيعهما ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية : الوصي لو زوج أمة اليتيم من عبده لا يجوز ، والأب إذا زوج جارية ابنه من عبد ابنه جاز عند أبي يوسف خلافا لزفر ا هـ .

                                                                                        وهذا يستثنى من قولهم : لا يجوز للأب تزويج عبد الابن بأن يقال إلا من جارية الابن لكن في المبسوط لا يجوز في ظاهر الرواية فلا استثناء ثم اعلم أن نكاح العبد حالة التوقف سبب للحال متأخر حكمه إلى وقت الإجازة فبالإجازة ظهر الحل من وقت العقد كالبيع الموقوف سبب للحال فإذا زال المانع من ثبوت الحكم بوجود الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده ، وقد ملك الزوائد بخلاف تفويض الطلاق الموقوف لا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة ولا يستند لأنه مما يقبل التعليق فجعل الموجود من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت للحال بخلاف الأولين لعدم صحة تعليقهما وهذا هو الضابط فيما يستند وما يقتصر من الموقوف .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب نكاح الرقيق ) .

                                                                                        ( قوله : لأنهم قالوا . . . إلخ ) قال في النهر : مقتضاه أن الأمة لو تزوجت في هذه الحالة لا يتوقف نكاحها بل يبطل لأنه لا مجيز له آن وقوعه ولم أظفر بها صريحة في كلامهم [ ص: 203 ] ( قوله : وبهذا علم أن السيد هنا . . . إلخ ) هذا في الأمة لا العبد لما في الدرر اعلم أن من لا يملك إعتاق العبد لا يملك تزويجه بخلاف الأمة فالأب ، والجد ، والولي ، والقاضي ، والوصي ، والمكاتب ، والشريك المفاوض يملكون تزويج الأمة . . إلخ لكن الصواب حذف قوله " والولي " ، والاقتصار على غيره مما ذكره كما فعل في مختصر الظهيرية إذ ليس لولي غير الأب ، والجد ، والوصي ، والقاضي ولاية في التصرف في مال الصغير كذا في الشرنبلالية ، وفي النهر : ولم أر حكم نكاح رقيق بيت المال والرقيق في الغنيمة المحرزة بدارنا قبل القسمة ، والوقف إذا كان بإذن الإمام ، والمتولي وينبغي أن يصح في الأمة دون العبد كالوصي ثم رأيت في البزازية لا يملك تزويج العبد إلا من يملك إعتاقه ا هـ .

                                                                                        والاستشهاد بما في البزازية ونظيره ما مر في الدرر إنما يدل على قوله دون العبد نعم تخريج الجواز في الأمة على الوصي ظاهر ( قوله : لو زوج أمة اليتيم من عبده ) أي عبد اليتيم ( قوله : وهذا يستثنى من قولهم . . . إلخ ) وكذا يستثنى من قولهم من لا يملك إعتاق العبد لا يملك تزويجه .




                                                                                        الخدمات العلمية