الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو كانت محرمه فرق بينهما ) أي لو كانت المرأة محرما للكافر فإن القاضي يفرق بينهما إذا أسلما أو أحدهما اتفاقا لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما ذكرنا في العدة ووجب التعرض بالإسلام فيفرق وعنده له حكم الصحة في الصحيح إلا أن المحرمية تنافي بقاء النكاح فيفرق بخلاف العدة لأنها لا تنافيه ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده خلافا لهما ، والفرق أن استحقاق أحدهما لا يبطل بمرافعة صاحبه إذ لا يتغير به اعتقاده أما اعتقاد المصر لا يعارض إسلام المسلم لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ولو ترافعا يفرق بالإجماع لأن مرافعتهما كتحكيمهما كذا في الهداية فأفاد أن الصحيح أن عقده على محرمه صحيح وقيل فاسد وفائدة الخلاف تظهر في وجوب النفقة إذا طلبت ، وفي سقوط إحصانه بالدخول فيه فعلى الصحيح يجب ولا يسقط حتى لو أسلم وقذفه إنسان يحد ومقتضى القول بالصحتان يتوارثا ، والمنقول في البدائع أنهما لا يتوارثان اتفاقا وعلله في التبيين بأن الإرث يثبت بالنص على خلاف القياس فيها إذا كانت الزوجية مطلقة بنكاح صحيح فيقتصر عليه وعلله في المحيط بأن نكاح المحارم في شريعة آدم لم يثبت كونه سببا لاستحقاق الميراث في دينه فلا يصير سببا للميراث في ديانتهم لأنه لا عبرة لديانتهم إذ لم يعتمد شرعا ما ا هـ .

                                                                                        وقد يقال هل كان نكاح المحارم في تلك الشريعة سببا لوجوب النفقة فالحاصل أن في نكاح المحارم يفرق بينهما القاضي بإسلام أحدهما أو بمرافعتهما لا بمرافعة أحدهما عند الإمام وأما إذا لم تحصل المرافعة أصلا فلا تفريق اتفاقا للأمر بتركهم وما يدينون ، وفي التبيين وعلى هذا الخلاف المطلقة ثلاثا ، والجمع بين المحارم أو الخمس ا هـ .

                                                                                        وذكر في المحيط لو كانت امرأة الذمي مطلقة ثلاثا فطلبت التفريق يفرق بينهما بالإجماع لأن هذا التفريق لا يتضمن إبطال حق على الزوج لأن الطلقات الثلاث قاطعة لملك النكاح في الأديان كلها ثم ذكر بعدها أنه يفرق بينهما من غير مرافعة في مواضع بأن يخلعها ثم يقيم معها من [ ص: 224 ] غير عقد أو يطلقها ثلاثا ثم يتزوجها قبل التزوج بآخر لأنه زنا أو يتزوج كتابية في عدة مسلم صيانة لماء المسلم ا هـ .

                                                                                        فحاصله أنه إذا طلقها ثلاثا إن أمسكها من غير أن يجدد النكاح عليها فرق بينهما ، وإن لم يترافعا إلى القاضي ، وإن جدد عقد النكاح عليها من غير أن تتزوج بآخر فلا تفريق كذا ذكره الإسبيجابي وهو مخالف لما ذكره في المحيط لأنه سوى في التفريق بينهما بين ما إذا تزوجها أولا حيث لم تتزوج بغيره ، وفي النهاية لو : تزوج أختين في عقدة واحدة ثم فارق إحداهما ثم أسلم أقرا عليه ، وفي فتح القدير وينبغي على قول مشايخ العراق وما ذكرنا من التحقيق أن يفرق لوقوع العقد فاسدا فوجب التعرض بالإسلام . ا هـ . .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : والمنقول في البدائع أنهما لا يتوارثان اتفاقا ) يخالف دعوى الاتفاق ما في القهستاني حيث قال : لو لم يسلما بل ترافعا إلينا لم يفرق بينهما معتقدين ذلك ويجري الإرث بينهما ويقضي بالنفقة ولا يسقط إحصانه حتى يحد قاذفه وهذا عنده خلافا لهما في كل من الأربعة كما في المحيط ا هـ .

                                                                                        وفي سكب الأنهر للطرابلسي ولا يتوارثون بنكاح لا يقران عليه كنكاح المحارم وهذا هو الصحيح ثم إن ما ذكرناه عن القهستاني يخالف ما نقله المؤلف عن الهداية من أنهما لو ترافعا يفرق بالإجماع ( قوله : ثم ذكر بعدها أنه يفرق ) قال الزيلعي وذكر في الغاية معزيا إلى المحيط أن المطلقة ثلاثا لو طلبت التفريق يفرق بينهما بالإجماع لأنه لا يتضمن إبطال حق الزوج وكذا في الخلع وعدة المسلم لو كانت كتابية وكذا لو تزوجها قبل زوج آخر في المطلقة ثلاثا ا هـ .

                                                                                        وما ذكره [ ص: 224 ] المؤلف عن المحيط قال في النهر هو الذي رأيته في المحيط الرضوي وساق عبارته ثم قال : وهذا كما ترى يخالف ما في الغاية من التوقف على الطلب في الخلع ونحوه وعلى ظاهر ما في الغاية فسر في الفتح الخلع بأن اختلعت من زوجها الذمي ثم أمسكها فرفعته إلى الحاكم فإنه يفرق ا هـ .

                                                                                        قلت لكن يشكل ما نقله هنا عن المحيط حيث ذكر أولا في المطلقة ثلاثا أنه يفرق بينهما إذا طلبت ثم ذكر أنه يفرق بينهما إذا تزوجها قبل زوج آخر ولم يقيد بطلبها التفريق ومقتضاه أنه يفرق بينهما ، وإن لم تطلب وأنه يفرق بينهما إذا لم يتزوجها قبل زوج آخر بالأولى لأنه إذا تزوجها بعد الطلاق ثلاثا وجدت شبهة العقد بخلاف ما إذا طلقها وأقام معها ولم يعقد عليها ولذا فرق الإسبيجابي بين الصورتين فأثبت التفريق فيما إذا أمسكها ولم يجدد العقد ، ونفاه فيما إذا جدده ، هذا ورأيت في الكافي للحاكم الشهيد ما نصه : وإذا طلق الذمي زوجته ثلاثا ثم أقام عليها فرافعته إلى السلطان فرق بينهما وكذلك لو كانت اختلعت منه وإذا تزوج الذمي الذمية ، وهي في عدة من زوج مسلم قد طلقها أو مات عنها فإني أفرق بينهما ا هـ .

                                                                                        قلت وهذا مثل ما عزاه في الغاية إلى المحيط من التوقف على الطلب في الطلاق ثلاثا بدون تجديد العقد ، وفي الخلع لكن مفاده أن في التزوج في عدة المسلم لا يحتاج إلى طلب ومرافعة أصلا وهو ظاهر ومثله ما لو تزوج الذمي مسلمة حرة أو أمة فقد صرح الحاكم بأنه يفرق بينهما ويوجع عقوبة إن دخل بها ويعزر من زوجه وتعزر المرأة ، وإن أسلم بعد النكاح لم يترك على نكاحه .

                                                                                        ( قوله : وهو مخالف لما في المحيط ) أي ما ذكره من الحاصل عن الإسبيجابي مخالف لكلام المحيط السابق لأنه جعل التفريق فيما إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجها قبل التزوج بآخر ، وصريح كلام الإسبيجابي أنه لا تفريق في هذه الصورة وإنما هو فيما إذا أمسكها من غير تجديد النكاح وقول المؤلف لأنه سوى . . . إلخ أي صاحب المحيط حكم بالتفريق فيما إذا لم تتزوج بغيره سواء عقد عليها أم لا ( قوله : وفي فتح القدير وينبغي . . . إلخ ) قال في النهر لا يخفى أن مجرد وقوع العقد فاسدا لا أثر له في وجوب التفرقة وإلا لفرق في النكاح بلا شهود بل لا بد من قيام المنافي مع البقاء كالمحرمية وهو هنا قد زال فما في النهاية أوجه .




                                                                                        الخدمات العلمية