الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( وسكران ) أي ولو كان الزوج سكران لأن الشارع لما خاطبه في حال سكره بالأمر ، والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدا عليه في الأحكام الفرعية ، وقد فسروه هنا بمذهب أبي حنيفة وهو من لا يعرف الرجل من المرأة ولا السماء من الأرض فإن كان معه من العقل ما يقوم به التكليف فهو كالصاحي .

                                                                                        والحاصل أن المعتمد في المذهب أن السكران الذي تصح منه التصرفات من لا عقل له يميز به الرجل من المرأة إلى آخره وبه يبطل قول من ادعى أن الخلاف فيه إنما هو فيه بمعنى عكس الاستحسان ، والاستقباح مع تمييزه الرجل من المرأة ، والعجب ما صرح به في بعض العبارات من أنه معه من العقل ما يقوم به التكليف ولا شك أن على هذا التقدير لا يتجه لأحد أن يقول لا تصح تصرفاته وما في بعض نسخ القدوري من تقييد وقوع طلاق المكره ، والسكران بالنية فليس مذهبا لأصحابنا ولأنه إذا قال نويت به يجب أن يقع بالإجماع ، وفي البزازية : قال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا يقع طلاق السكران وبه أخذ الشافعي والطحاوي والكرخي ومحمد بن سلام ا هـ .

                                                                                        وقد اختاروا قولهما في تفسيره في وجوب الحد وهو الذي أكثر كلامه هذيان واختاروا في نقض طهارته أنه الذي في مشيته خلل وكذا في يمينه أن لا يسكر أطلقه فشمل من سكر مكرها أو مضطرا فطلق .

                                                                                        وقد جزم في الخلاصة بالوقوع معللا بأن زوال العقل حصل بفعل هو محظور في الأصل ، وإن كان مباحا بعارض الإكراه ولكن السبب الداعي للحظر قائم فأثر قيام السبب في حق الطلاق ا هـ .

                                                                                        وصححه الشمني وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير وفتاواه عدم الوقوع وكذا في غاية البيان معزيا إلى التحفة وقال في فتح القدير أنه الأحسن ، وفي المحيط أنه حسن لكنه خلاف إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن بعضهم قالوا لا يقع معذورا أو غير معذور ومنهم من قال يقع في الحالين فمن فرق بينهما كان قوله : بخلاف قول الصحابة فيكون باطلا ا هـ .

                                                                                        وشمل أيضا من سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب ، والعسل وهو قول محمد وقال الإمام : الثاني لا يقع قال في فتح القدير ويفتى بقول محمد لأن السكر من كل شراب محرم ا هـ .

                                                                                        وصحح قاضي خان في فتاويه عدم الوقوع ، وفي البزازية المختار في زماننا لزوم الحد لأن الفساق يجتمعون عليه وكذا المختار وقوع الطلاق لأن الحد يحتال لدرئه ، والطلاق يحتاط فيه فلما وجب ما يحتال لأن يقع ما يحتاط أولى ، وقد طالب صدر الإسلام البزدوي نافي الحد بالفرق بينه وبين السكر من المباح كالمثلث فعجزوا ثم قال وجدت نصا عن محمد على لزوم الحد وشمل أيضا من غاب عقله بأكل الحشيش فطلق وهو المسمى بورق القنب ، وقد اتفق على وقوع طلاقه فتوى مشايخ المذهبين الشافعية ، والحنفية لفتواهم بحرمته وتأديب باعته حتى قالوا من قال بحله فهو زنديق كذا في المبتغى بالمعجمة وتبعه المحقق ابن الهمام في فتح القدير وممن صرح بحرمة الحشيش ، والبنج ، والأفيون الحدادي في الجوهرة في آخر الأشربة وصرح بتعزير آكله وشمل أيضا من غاب عقله بالبنج ، والأفيون فإنه يقع طلاقه إذا استعمله للهو وإدخال الآفات قصدا لكونه معصية .

                                                                                        وإن كان للتداوي فلا لعدمها وعن هذا قلنا إذا شرب الخمر فتصدع فزال عقله بالصداع فطلق لا يقع لأن زوال العقل مضاف إلى الصداع لا إلى الشراب كذا في فتح القدير وهو صريح في حرمة البنج الأفيون لا للدواء ، وفي البزازية : والتعليل ينادي بحرمته لا للتداوي ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية من كتاب الخلع سائر تصرفات السكران جائزة إلا الردة ، والإقرار بالحدود ، والإشهاد على شهادة نفسه ومن كتاب [ ص: 267 ] السير هذا إذا كان لا يعرف الأرض من السماء أما إذا كان يعرف فكفره صحيح ، وفي باب حد الشرب أن تصرفات السكران من المتخذة من الحبوب ، والفواكه الصحيح أنها لا تنفذ كما لا تنفذ من الذي زال عقله بالبنج ، وفي الينابيع من الأيمان سكران وهب لزوجته درهما فقالت له : إنك تسترده مني إذا صحوت فقال إن استردتيه فأنت طالق ثم أخذه للحال وهو سكران لا يقع لأن كلامه خرج جوابا لها ، وفي المجتبى : سكر الوكيل فطلق لا يقع لأن ضرره يرجع إلى الموكل ولم يجز ا هـ .

                                                                                        وهو ضعيف ، والصحيح كما في الظهيرية من الأشربة ، والخانية من الطلاق الوقوع بخلاف ما إذا جن الوكيل فطلق ، وفي القنية سكران قرع الباب فلم يفتح له فقال إن لم تفتحي الباب الليلة فأنت طالق فلم يكن في الدار أحد فمضت الليلة ولم تفتح لا تطلق ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط سكران قال لآخر وهبت داري هذه منك ثم قال إن لم أقل من قلبي فامرأته طالق ثم أفاق ولم يذكر من هذا شيئا لا تطلق امرأته لأنه في تلك الساعة في غاية النشاط فالظاهر أنه كان يقول من قلبه ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية وكله بالطلاق فطلقها في حال السكر إن كان التوكيل على طلاق بمال لا يقع ولو كان التوكيل في حال الصحو ، والإيقاع في حال السكر لا يقع ، وإن كانا في حال السكر يقع إذا كان بلا مال ولو كان بمال لا يقع مطلقا لأن الرأي لا بد منه لتقدير البدل ا هـ . وهو تفصيل حسن .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : نافي الحد ) اسم فاعل من النفي ، والظاهر أنه جمع ناف لقوله بعده فعجزوا هو مفعول طالب [ ص: 267 ] ( قوله : وفي البزازية وكله بالطلاق . . . إلخ ) النسخ في هذا المحل مختلفة ونص عبارة البزازية هكذا وكله بالطلاق فطلقها في حال السكر إن كان التوكيل على طلاق بمال لا يقع لو كان التوكيل في حال الصحو ، والإيقاع في حال السكر ، وإن كانا في حال السكر وقع وإذا كان بلا مال يقع مطلقا لأن الرأي لا بد منه لتقدير البدل .




                                                                                        الخدمات العلمية