الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( ولو ملكها أو شقصها أو ملكته أو شقصه بطل العقد ) أي انفسخ لمنافاة بين الملكين أعني ملك الرقبة وملك النكاح في الأول ولاجتماع المالكية ، والمملوكية في الثاني فإن قلت هل ارتفع أثر النكاح بالكلية كما ارتفع أصله قلت لا لما صرحوا به من أنه لو طلقها ثنتين ثم ملكها لا تحل له إلا بعد زوج آخر ، وفي المحيط : لو ظاهر من امرأته أو لاعنها وفرق بينهما ثم ارتدت ، والعياذ بالله تعالى فسبيت لا يحل للزوج وطؤها بملك اليمين لأن حكم اللعان ، والظهار باق فحرم الاستمتاع ، والاجتماع معها ا هـ .

                                                                                        أطلقه فانصرف إلى الكامل وهو الملك المستقر لأنه لو ملك أحدهما صاحبه ملكا غير مستقر لا ينفسخ النكاح كملك الوكيل على أحد القولين المضعف وكما قالوا فيمن تزوج أمة ثم تزوج حرة على رقبة الأمة ثم أجاز ذلك مولاها فإنه يجوز وتصير الأمة ملكا للحرة ولا ينفسخ النكاح بينها وبين زوجها ، وإن كان الملك ينتقل إلى الزوج أولا في الأمة ثم ينتقل منه إلى الحرة لما أن ملكه فيها غير [ ص: 305 ] مستقر وأطلقه فشمل الملك بأي سبب كان بشراء أو هبة أو إرث من الجانبين وأراد من الملك حقيقته فخرج حق الملك لأن المكاتب لو اشترى زوجته لا ينفسخ لعدم حقيقة الملك له لقيام الرق وإنما الثابت له حق الملك وهو لا يمنع بقاء النكاح ، وإن منع ابتداءه فإن المولى لو تزوج جارية مكاتبه لم يصح ، وإن لم يكن له فيها حقيقة ملك لوجود حق الملك بخلاف جارية الابن فإن للأب نكاحها لأنه ليس له حقيقة ملك ولا حق له فيها وإنما له أن يتملكها عند الحاجة فالثابت له حق أن يتملك وهو ليس بمانع ، وفي تلخيص الجامع من باب الأمر بالنكاح .

                                                                                        ولو قال لعبده تزوج على رقبتك جاز إلا في الحرة لقران المنافي ، والمكاتبة لأن حق الملك يمنع إن لم يرفع كالعدة فإن دخل بها يباع في الأقل من قيمته ومهر المثل ولو كان الزوج مدبرا صح بقيمته في رقبته لأنه لا يملك وكذا المكاتب ولا يتضمن الفسخ لأنه إبطال ، وإن لم يقل على رقبتك صح في الجميع وتسميته الرقبة للتقدير كما في عبد الغير وعندهما إذا كان فيه غبن فاحش لا يصح النكاح وهي فريعة التوكيل بالتزويج ولو خالع على رقبتها [ ص: 306 ] فإن كان حرا لا يصح لقران المنافي وتبين لأن المال زائد فكان أولى بالرد من الطلاق كما في خلع المبانة أما النكاح لم يشرع بغير مال ، والتسمية تنفي مهر المثل ولمنافاة القيمة وكذا لو طلقها على رقبتها فإن كان حرا لا يصح وتقع رجعية لأنه صريح ولو كان رقيقا صح للمسمى لما مر ولو خالعها على رقبة إحداهما بعينها صح في غير البدل بحصتها من رقبة البدل إذا قسمت على مهريهما المسمى ولا يقع على الأخرى طلاق للملك ولو خالع كل واحدة على رقبة الأخرى طلقت بغير شيء لقران المنافي ا هـ .

                                                                                        قوله : ( فلو اشتراها ثم طلقها لم يقع ) لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع المنافي لا من وجه كما في ملك البعض ولا من كل وجه كما في ملك الكل ، والعدة غير واجبة فإنه يحل له وطؤها ويستحيل وجود الوطء حلالا مع قيام العدة كذا في المحيط وأورد في الكافي على قولهم بعدم وجوب العدة عليها لو اشتراها أنه لا يجوز له التزويج بها من آخر وهذا دليل على وجوب العدة قلنا قد قالوا إنه لا عدة عليها بدليل أنه لو زوجها من آخر جاز ، والصحيح أنه لا يجوز تزويجها من آخر .

                                                                                        والحاصل أنه لا تجب العدة عليها في حق من اشتراها وهل تجب في حق غيره فهو على الروايتين ا هـ .

                                                                                        وهكذا في المعراج قيد بشرائه لأنها لو ملكته أو شقصا منه ثم طلقها وقع فيما روي عن محمد ولا فرق بينهما في ظاهر الرواية عن الكل لأن العدة ، وإن وجبت لكن ملك اليمين مانع من مالكية الطلاق وأطلق الشراء وأراد الملك مجازا وقيد بكون الطلاق وهي مملوكة له لأنه لو أعتقها بعد الملك ثم طلقها وهي في العدة وقع الطلاق عليه لزوال المانع من ظهور العدة وهو الملك وكذا لو أعتقته بعدما ملكته ثم طلقها وقع طلاقه عند محمد لزوال المنافي لمالكية الطلاق ولهذا يجب عليه النفقة ، والسكنى ولم يقع عند أبي يوسف فيهما لأن الساقط لا يعود ولو علق طلاقها بشرط أو قال : أنت طالق للسنة أو آلى منها قبل الشراء فوجد الشرط أو جاء وقت السنة أو مضت مدة الإيلاء بعد الشراء ، والعتق وقع عليها الطلاق ، وإن وجد ذلك بعد الشراء قبل العتق لم يقع في الوجهين ، والبيع بعد الشراء كالعتق فيما ذكرنا لزوال المانع كذا ذكر الشارح .

                                                                                        وفي الولوالجية : عبد قال لامرأته الحرة أنت طالق للسنة فاشترته وقع عليها الطلاق إذا طهرت في قياس قول محمد وعلى قياس قول أبي يوسف لا يقع عليها وعليه الفتوى ، والحر لو قال لامرأته ذلك ثم اشتراها لم يقع الطلاق اتفاقا لأنه لم يبق الملك ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر المصنف حكم المهر لو كان قبل الدخول فيما إذا اشترى زوجته ، وفي المحيط : رجل وكل رجلا بأن يشتري امرأته من سيدها فاشتراها ، والزوج لم يدخل بها فقد انتقض النكاح ولا مهر على الزوج لأن انفساخ النكاح حصل بفعل المولى بسوء جهل حيث علم أنه اشتراها للزوج ولو باعها من رجل ثم اشتراها الزوج من الرجل فعليه نصف المهر للمولى الأول لأن انتقاض النكاح مضاف إلى البيع الثاني لا إلى بيع المولى فحصلت الفرقة بفعل الزوج لا بفعل المولى فاستحق نصف المهر ولو اشتراها الوكيل من المولى الأول للزوج ولم يعرف من الزوج الوكالة به إلا بقول الوكيل بعد الشراء فإنه لا يصدق إلا ببينة وعلى الآخر اليمين على علمه لأن الظاهر أن كل عامل وعاقد يعمل لنفسه وإنما يعمل ويعقد لغيره بعارض توكيل فلا يصدق إلا بحجة ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية من كتاب العتق رجل قال لأمته إذا مات ، والدي فأنت حرة ثم باعها من ، والده ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات ، والدي فأنت طالق ثنتين فمات الوالد كان محمد يقول أولا تعتق ولا تطلق ثم رجع وقال لا يقع طلاق ولا عتاق ، والمسألة على استقصاء في المبسوط [ ص: 307 ] ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط من باب ما تحل به المطلقة ولو تزوج أمة مورثه ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت طالق ثنتين ثم مات المولى ، والزوج وارثه يقع الطلاق عند أبي يوسف وعند محمد لا تطلق لأن الطلاق مضاف إلى حال زوال النكاح لأن الوارث يملك الأمة مقارنا لزوالها عن ملك الميت وزوال النكاح يثبت مقارنا بدخولها في ملك الزوج لأن هذه أشياء متضادة متنافية وملك اليمين يضاد ملك النكاح في حق أحكامه وثمراتها وثبوت أحد الضدين يكون مقارنا لذهاب الضد الآخر لا مرتبا عليه كثبوت السواد يكون مقارنا لذهاب البياض وكقدح مملوء من الماء إذا ألقي فيه حجر وخرج الماء يكون خروج الماء مقارنا لدخول الحجر لا مرتبا عليه لاستحالة أن يكون القدح واسعا للحجر ثم يخرج الماء بعده وإضافة الطلاق إلى حال زوال النكاح لا يصح لأبي يوسف أن الطلاق مضاف إلى حال قيام النكاح لأن زوال النكاح يترتب على ملك الوارث وملك الوارث يترتب على انقطاع ملك الميت وهذه أحوال متعاقبة مترادفة لأن القول بالمقارنة يؤدي إلى استحالة وهو سبق ثبوت الحكم على العلة ، والحكم لا يثبت إلا بعد تمام العلة فالشراء ما لم يتم لا يزول ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري .

                                                                                        وهكذا نقول في قدح الماء يترتب خروج الماء على دخول الحجر ولا يقترنان لاستحالة إثبات الخروج قبل دخول الحجر الذي هو علة الخروج وعلى هذا لو قال لأمة مورثه إذا مات مولاك فأنت حرة فمات المولى لا تعتق وقال زفر : وهو رواية عن محمد تعتق لأن موت المورث سبب لملك الوارث فقد أضافه إلى سبب الملك فصح كما لو قال إن ورثتك ولنا أن شرط العتق وهو الموت وجد حالة انقطاع ملك الميت لا حال قيام ملك الوارث فيكون ملك الحالف بعد العتق بساعتين فلا يكون العتق مضافا إلى الملك ولا إلى سبب الملك لأن الموت لم يوضع سببا لإفادة ملك الوارث بل سبب ملكه هو القرابة بعد الموت وأما إذا جمع بين اليمين بالطلاق ، والعتاق بأن قال إن مات مولاك فأنت طالق ثنتين قال محمد لا يقعان وقال أبو يوسف بالطلاق فقط ، وفي المحيط من الطلاق المبهم : رجل تحته أمتان فقال إحداكما طالق ثم اشترى إحداهما وقع الطلاق لأن بالشراء خرج عن محلية الطلاق لانقطاع النكاح فتعينت الثانية كما لو ماتت إحداهما فإن اشتراهما بطل خيار التعيين لبطلان النكاح فإن جامع إحداهما تعين الطلاق في الأخرى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولو قال لعبده . . . إلخ ) أي لو قال لعبده القن ذلك فتزوج على رقبته أمة أو مدبرة أو أم ولد جاز لوجود الركن بالإذن وفقد المانع وهو ملك الزوجة رقبته إذ هو لمولاها وهو وإن كان يثبت للأمة أولا بدليل قضاء ديونها منه إلا أنه غير متقرر كالوكيل بشراء زوجته أو قريبة بخلاف ما إذا تزوج حرة لقران المنافي وهو ملكها له للعقد ، والمنافي إذا طرأ على ملك النكاح أبطله فإذا قارنه أولى أن يمنع وجوده وبخلاف ما لو تزوج مكاتبة إذ لو جاز لثبت لها حق الملك في رقبته وأنه يمنع جواز النكاح ابتداء ، وإن كان لا يرفعه إذا طرأ كالعدة لا ترفع النكاح كما لو وطئت المنكوحة بشبهة وتمنع انعقاده ابتداء ( قوله : فإن دخل بها ) أي العبد بالحرة أو بالمكاتبة وجب الأقل من قيمته ومن مهر مثلها لأنه دخول في نكاح فاسد فيباع عنده وقالا يتبع بعد عتقه لعدم تناول الإذن الفاسد عندهما ( قوله : ولو كان الزوج ) أي ولو كان المأذون بالنكاح على رقبته مدبرا صح النكاح بقيمته ، والمسمى في رقبته يسعى فيه كالمدبر المأذون أما صحة النكاح فلوجود الإذن وعدم المانع لأن المدبر لا يملك وأما وجوب القيمة فلأن المسمى وهو رقبته مال متقوم وقد تعذر تسليمه لحق مستحق لا لفساد العقد فكان كالتزوج على عبد الغير إذا لم يجز وكذا المكاتب في الفصول كلها وقوله : ولا يتضمن الفسخ جواب عما يقال المكاتب يقبل النفل من ملك المولى برضاه ولذا لو باعه برضاه جاز ويتضمن فسخ الكتابة فكذا إقدامه على أمهار رقبته إذ لا تصير مهرا إلا بعد فسخها فيصير محلا للملك فيوجد المانع .

                                                                                        والجواب أنا لو قلنا بتضمن إقدامه فسخها كما في البيع لزم إبطال المتضمن له وهو النكاح ولا يجوز إثبات المقتضى على وجه يبطل المقتضى بخلاف البيع إذ تضمنه فسخها لا يبطله على أن الأصح أن بيعه برضاه لا يجوز إلا إذا فسخاها .

                                                                                        ( قوله : صح في الجميع ) أي جميع الصور لوجود الإذن وعدم المانع لأنه أمره بالنكاح لا بإمهار رقبته فكان فضوليا فلم تصر ملكا للحرة ولا لمولى الأمة وتسمية الرقبة مهرا من العبد لتقدير المهر بها كما لو تزوج امرأة على عبد الغير وهذا لأن أمر المولى له بالنكاح أمر بالإمهار فينعقد على قيمته ، وإن كانت أكثر من مهر المثل عنده لأنها أقل جهالة وقالا إذا كانت أكثر منه بغبن فاحش لا يصح وهذه المسألة فريعة التوكيل بالتزويج فإنه لو وكل رجلا أن يزوجه امرأة بعينها فزوجه إياها بأكثر من مهر المثل جاز ولزمه عنده لأن المطلق يجري على إطلاقه إلا لدليل التقييد وعندهما لا يلزمه بدلالة العرف ( قوله : ولو خالع . . . إلخ ) رجل زوج أمته من رجل ودخل بها الزوج فخالع السيد الأمة من زوجها على رقبتها فإن كان الزوج حرا لا يصح الخلع في حق البدل وإلا لملك الزوج رقبتها مقارنا لوقوع الطلاق وذلك مناف له لأنه متى صح الخلع ملك الزوج رقبتها فيبطل النكاح فيبطل الخلع لكنها تبين بطلقة لأنه لم يمكن تصحيحه خلعا بقي لفظ الخلع وهو من الكنايات ولا يحتاج إلى نية لدلالة البدل على الطلاق وعن أبي يوسف : لا يصح الطلاق أيضا اعتبارا بما لو تزوج على رقبته بإذن المولى حرة حيث بطل النكاح أصلا لبطلان التسمية .

                                                                                        لأن الشرط المنافي للنكاح مناف للطلاق ضرورة إذ لا يتصور رفع النكاح حال عدمه ، ووجه الظاهر أن إسقاط المنافاة واجب وذلك بإسقاط أدنى المتنافيين وهو هنا المسمى لأن المال زائد في الطلاق لصحته بدونه فكان أولى بالرد من الطلاق كما لو خلع مبانته على ألف يقع الطلاق ولا يجب المال بخلاف النكاح لأنه لم يشرع بغير مال ، وقد تعذر إيجاب المال أصلا لأن تسمية السيد رقبة الأمة بدلا في الخلع صحيحة لكون الرقبة مالا متقوما وصحة التسمية تنفي وجوب مهر المثل ، والمنافاة تنفي وجوب قيمة المسمى لأن المصير إليها من قضايا فساد تسمية لا تقتضي بطلان النكاح لو تحققت كما في مهر المثل أما فساد تسمية يكون مقتضاها بطلان النكاح لو تحققت فلا لأن المتنافيين لا يجتمعان [ ص: 306 ] ( قوله : وكذا لو طلقها . . . إلخ ) أي وكذا لا يصح إيجاب البدل لو طلقها الزوج على رقبتها إلا أنه هنا يقع رجعيا لأنه صريح ( قوله : ولو كان ) أي الزوج رقيقا قنا أو مكاتبا أو مدبرا صح الخلع بالمسمى لما مر من عدم المانع وهو ملك أحد الزوجين رقبة الآخر لأن الملك يقع للمولى ( قوله : ولو خلعهما . . . إلخ ) حر تحته أمتان زينب وعمرة فخلعهما سيدهما على رقبة عمرة مثلا صح في حق التي لم يعينها للبدل وهي زينب فتطلق بحصتها من رقبة عمرة إذا قسمت رقبتها على قدر مهر مثلهما المسمى فما أصاب مهر زينب فللزوج وما أصاب مهر عمرة بقي للمولى وإنما صح الخلع في حق زينب لأنه أمكن تصحيحه لأن طلاقها لا يقارن ملك الزوج فيها ولا يقع على عمرة طلاق لملك الزوج بعض رقبتها مقارنا للطلاق لثبوت العوض ، والمعوض معا ولو خالع كلا منهما على رقبة صاحبتها وقع الطلاق عليهما بغير شيء لأن ملك الزوج رقبة كل منهما يقارن المنافي وهو الوقوع فصح الخلع في حق الطلاق دون البدل لما مر هذا ما لخصته من شرح الفارسي رحمه الله تعالى .

                                                                                        [ ص: 307 ] ( قوله : بأن قال إن مات مولاك ) لعل في العبارة سقطا ، والأصل إن مات مولاك فأنت حرة ، وإن مات . . . إلخ أو الأصل بأن قال : وإن مات عطفا على قوله سابقا إذا مات مولاك فأنت حرة فليراجع .




                                                                                        الخدمات العلمية