الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وإن ردت الأمر في يومها بطل الأمر في ذلك اليوم وكان أمرها بيدها بعد غد ) يعني إذا قالت لزوجها اخترتك أو اخترت زوجي فقد انتهى ملكها في اليوم الأول فالمراد بالرد اختيار الزوج ، والمراد بالبطلان الانتهاء قيدنا به لأنها لو قالت رددته فإنه لا يبطل ولذا قال في الذخيرة لو جعل أمرها بيدها أو بيد أجنبي يقع لازما فلا يرتد بردهما فلا مناقضة بين قولهم لا يرتد بالرد وقولهم هنا وإذا ردت بطل ، وقد سلك ، والشارحون طريقا آخر في دفع المناقضة بأنه يرتد بالرد عند التفويض وأما بعده فلا يرتد كما إذا أقر بمال لرجل فصدقه ثم رد إقراره لا يصح وكالإبراء عن الدين بعد ثبوته لا يتوقف على القبول ويرتد بالرد لما فيه من معنى الإسقاط ، والتمليك أما الإسقاط فظاهر وأما التمليك فلقوله تعالى { وأن تصدقوا خير لكم } سمي الإبراء تصدقا كذا في فتح القدير ، والصواب أن يقال إنهم وفقوا بينهما بأنه يريد برده عند التفويض لا بعد ما قبله كما في الفصول وأما ما ذكره من أنه بعد التفويض فمحمول على ما إذا قبله ووفق بينهما في جامع الفصولين بأنه يحتمل أن يكون فيه روايتان لأنه تمليك من وجه وتعليق من وجه فيصح رده قبل قبوله نظرا إلى التمليك ولا يصح إلى التعليق لا قبله ولا بعده فتصح رواية صحة الرد نظرا إلى التمليك وتصح رواية فساد الرد نظرا إلى التعليق ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن [ ص: 347 ] ابن الهمام حمل قولهم بصحة الرد على اختيارها زوجها وقولهم بعدم صحته على ما لو قالت رددت وهو حمل قاصر لأنه خاص بما إذا جعل أمرها بيدها .

                                                                                        وقولهم إنه يرتد بالرد شامل لما إذا جعل الأمر بيدها أو بيد أجنبي كما صرح به في جامع الفصولين ولا يمكن هذا الحمل في أمر الأجنبي فتعين ما وفق به المشايخ من أنه يرتد قبل القبول لا بعده كالإبراء وجوابه أنه يأتي من الأجنبي أيضا بأن يقول للزوج اخترتك كما لا يخفى ، وفي كلام الشارحين نظر لأن قولها بعد القبول رددت إعراض مبطل لخيارها ، وقد وقع في هذا الفصل ثلاث مناقضات إحداهما ما قدمناه وجوابها الثانية ما وقع في الفصول أنه لو قال لامرأته : أمرك بيدك ثم طلقها بائنا خرج الأمر من يدها وقال في موضع آخر لا يخرج ، وإن كان الطلاق بائنا ووفق بأن الخروج فيما إذا كان الأمر منجزا وعدمه إذا كان الأمر معلقا بأن قال : إن كان كذا فأمرك بيدك ، والحق أن في المسألة اختلاف الرواية ، والأقوال وظاهر الرواية أن الأمر باليد يبطل بتنجيز الإبانة بمعنى أنها لو طلقت نفسها في العدة لا يقع لا بمعنى بطلانه بالكلية لما قدمناه من أنها لو طلقت نفسها بعد التزوج وقع عند الإمام ويدل عليه قولهم في باب التعليق وزوال الملك بعد اليمين لا يبطل بناء على أن التخيير بمنزلة تعليق طلاقها باختيارها نفسها ، وإن كان تمليكا ، وفي القنية معلما بعلامة فيه إن فعلت كذا فأمرك بيدك ثم طلقها قبل وجود الشرط طلاقا بائنا ثم تزوجها يبقى الأمر في يدها ثم رقم بم لا يبقى في ظاهر الرواية ثم رقم بح إن تزوجها قبل انقضاء العدة ، والأمر باق ، وإن تزوجها بعد انقضائها لا يبقى ا هـ .

                                                                                        فقد صرح بعدم بقائه مع الأمر المعلق في ظاهر الرواية .

                                                                                        فلا يصح التوفيق بأنه يبقى إذا كان معلقا فالحق أن في المسألة اختلاف الرواية كما [ ص: 348 ] أن الظاهر في مسألة رد التفويض أن فيها روايتين ويدل على ذلك ما في الهداية فإنه نقل رواية عن أبي حنيفة بأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع ثم ذكر بعدها وجه ظاهر الرواية فلا يحتاج إلى ما تكلفه ابن الهمام ، والشارحون في المسألتين ، وفي البزازية : له امرأتان جعل أمر إحداهما بيد الأخرى ثم طلق المفوض إليها بائنا أو خالعها ثم تزوجها يصير أمرها بيدها بخلاف ما لو جعل أمرها بيد نفسها ثم طلقها بائنا على ما مر لأنه تمليك ا هـ .

                                                                                        الثالثة : ما وقع في هذا الكتاب ، والهداية وعامة الكتب أن الأمر باليد تصح إضافته وتعليقه نحو أمرك بيدك يوم يقدم فلان أو إذا جاء غد وبه خالف أيضا سائر التمليكات وذكر قاضي خان في شرح الزيادات ما يخالفه فإنه قال لو قال أمرك بيدك فطلقي نفسك ثلاثا للسنة أو ثلاثا إذا جاء غد فقالت في المجلس اخترت نفسي طلقت للحال ثلاثا ، وإن قامت عن مجلسها قبل أن تقول شيئا بطل ا هـ .

                                                                                        ودفعها أن ما ذكره القاضي ليس فيه تعليق الأمر ولا إضافته لأنه منجز ، وقوله : فطلقي نفسك تفسير له فكان التعليق مرادا بلا لفظ وليس المنجز محتملا للتعليق فلا يكون معلقا ، وإن نواه .

                                                                                        [ ص: 347 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 347 ] ( قوله : وفي كلام الشارحين نظر . . إلخ ) عن هذا قال المقدسي في شرحه وهذا عجيب حيث جعلوه يبطل بما يدل على الرد ، والإعراض من أكل وشرب ونوم وصريح الرد لم يجعلوه مبطلا ا هـ .

                                                                                        أقول : الذي يظهر أن لا نظر ولا عجب بل النظر ، والعجب في كلام المؤلف ومن تابعه لأن بطلانه بما يدل على الإعراض ، والرد إنما هو في المقيد بالمجلس وهو المطلق أما الموقت الذي الكلام فيه فلا يبطل بالقيام عن المجلس ، والأكل ، والشرب ونحوه ما لم يمض الوقت كما مر في التفويض ويأتي قريبا وكأنهما أخذا الإطلاق من ظاهر كلامهم وبالحمل على ما قلنا يظهر الأمر تأمل ثم رأيت في البدائع ما هو صريح فيما قلت : ولله تعالى الحمد وعبارته ، ولو قالت : اخترتك أو لا أختار الطلاق خرج الأمر من يدها لأنها صرحت برد التمليك وأنه يبطل بدلالة الرد فبالصريح أولى هذا إذا كان التفويض مطلقا عن الوقت فأما إذا كان موقتا فإن أطلق الوقت بأن قال أمرك بيدك إذا شئت أو متى شئت فلها الخيار في المجلس وغيره حتى لو ردت الأمر لم يكن ردا إلا أنها لا تملك أن تطلق إلا واحدة ، وإن وقته بوقت خاص بأن قال : أمرك بيدك يوما أو شهرا أو اليوم أو الشهر لا يتقيد بالمجلس ولها الأمر في الوقت كله ، ولو قامت من مجلسها أو تشاغلت لا يبطل ما بقي شيء من الوقت بلا خلاف لأنه لو بطل بإعراضها لم يكن للتوقيت فائدة وكان الموقت وغيره سواء . غير أنه إن ذكر اليوم أو الشهر منكرا فلها الأمر من ساعة تكلم إلى مثلها ، ولو معرفا فلها الخيار في بقيته .

                                                                                        ولو قالت : اخترت نفسي أو لا أختار الطلاق ذكر في بعض المواضع على قول أبي حنيفة ومحمد يخرج الأمر من يدها في جميع الوقت وعند أبي يوسف يبطل خيارها في ذلك المجلس ولا يبطل في مجلس آخر وذكر في بعضها الاختلاف على العكس ( قوله : ووفق بأن الخروج . . إلخ ) قال في النهر وأصله ما مر من أن البائن لا يلحق البائن إلا إذا كان معلقا ا هـ .

                                                                                        وفي شرح المقدسي قال في الخلاصة قال السرخسي قال لامرأته اختاري ثم طلقها بائنا بطل الخيار وكذا الأمر باليد ولو رجعيا لا يبطل أصله أن البائن لا يلحق البائن فلو تزوجها في العدة أو بعدها لا يعود الأمر بخلاف ما إذا كان الأمر معلقا بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط ، وفي الإملاء لو قال : اختاري إذا شئت أو أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها واختارت نفسها عند أبي حنيفة تطلق بائنا وعند أبي يوسف لا قال الإمام السرخسي قوله : ضعيف ا هـ .

                                                                                        فظهر بذلك قوة ما وفق به في جامع الفصولين فإن قلت نفس الاختيار فيه معنى التعليق فينبغي أن لا يكون فرق قلنا الفرق بين التعليق الصريح وما فيه معنى التعليق ظاهر لا يخفى على من عنده نوع تحقيق ولبعضهم هنا كلام يغني النظر إليه عن التكلم عليه ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن مراده به المؤلف ( قوله : ثم رقم بح إن تزوجها قبل انقضاء العدة فالأمر باق ) ظاهر في أن المراد من قوله لا يبقى في ظاهر الرواية أنه لا يبقى بعد ما تزوجها فيخالف ما مر من تقييده قوله : وظاهر الرواية أنه يبطل لقوله لا بمعنى بطلانه بالكلية لما قدمناه . . . إلخ تأمل ( قوله : فلا يصح التوفيق بأنه يبقى إذا كان معلقا ) قال في النهر : بعد ما نقل التوفيق المذكور عن العمادية أن ما في القنية مشى على إطلاق ظاهر الرواية ، وقد علمت أنه مقيد [ ص: 348 ] والتوفيق سهو ا هـ .

                                                                                        وقد علمت أيضا تأييده بما مر عن الخلاصة ( قوله : ثم المفوض إليها بائنا ) أي طلق المرأة التي جعل أمرها في يد الأخرى وقوله : يصير أمرها بيدها أي بيد الأخرى أي يعود كما كان تأمل .

                                                                                        وفي الخلاصة : ولو جعل أمر امرأته بيد امرأة أخرى ثم طلقها بائنا أو خلعها لا يبطل الأمر ، وفي التتارخانية مثل ما في البزازية لكن عبر بدل قوله يصير أمرها بيدها بقوله لا يخرج الأمر من يدها .




                                                                                        الخدمات العلمية