الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ولو قال وكلتك في جميع أموري التي يجوز بها التوكيل كانت الوكالة عامة في جميع البياعات ، والأنكحة وكل شيء وعن محمد لو قال هو وكيلي في كل شيء جائز صنعه كان وكيلا في البياعات ، والهبات ، والإجارات وعن أبي حنيفة أنه يكون وكيلا في المعاوضات دون الهبات ، والعتاق وقال مولانا وهذا كله إذا لم يكن في حال مذاكرة الطلاق فإن كان في حال مذاكرة الطلاق يكون وكيلا بالطلاق كذا في الخانية وأطلق في فعل الوكيل فشمل إذا سكر فطلق فإنه يقع على الصحيح كما في الخانية ، وفيها من فصل التوكيل بالطلاق منه مسائل مهمة لا بأس بذكرها تكثيرا للفوائد منها الوكيل بالطلاق ، والعتاق أو غيرهما إذا قبل التوكيل وغاب الموكل فإن الوكيل لا يجبر على فعل ما وكل فيه إلا فيما إذا قال له ادفع هذه العين إلى فلان فإنه يجبر على دفعه لأن الشيء المعين جاز أن يكون أمانة عند الآمر فيجب عليه تسليم الأمانة وأما في غيره من الطلاق وغيره إنما أمره بالتصرف في ملك الآمر وليس على الآمر إيقاع الطلاق ، والعتاق فلا يجب على الوكيل ومنها لو وكله بطلاق امرأته بطلبها عند السفر وسافر ثم عزله بغير محضر المرأة الصحيح أنه [ ص: 360 ] يملك عزله لأنه لا يجب عليه بطلبها ومنها لو وكله بالطلاق ثم قال كلما عزلتك فأنت وكيلي قيل لا يصح التوكيل لأن فيه تغيير حكم الشرع .

                                                                                        ، والصحيح صحته ثم قيل لا يملك عزله ، والصحيح أنه يملكه ، وفي طريق عزله أقوال قال السرخسي يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف إلى المعلق ، والمنجز وقيل يقول عزلتك كلما وكلتك وقيل يقول رجعت عن الوكالات المعلقة وعزلتك عن الوكالات المطلقة ومنها لو وكله بطلاق امرأتيه فطلق إحداهما طلقت ومنها لو وكله ليطلقها للسنة فطلقها في غير وقت السنة لا يقع لا للحال ولا إذا جاء وقت السنة ولا يخرج عن الوكالة حتى لو طلقها بعد ذلك في وقت السنة يقع ومنها لو طلقها الموكل ، ولو بائنا فطلاق الوكيل واقع ما دامت العدة ولا ينعزل بإبانة الموكل إذا لم يكن طلاق الوكيل بمال فلو لم يطلقها الوكيل حتى تزوجها الموكل في العدة وقع طلاق الوكيل ، وإن تزوجها بعد العدة لم يقع وكذا لو طلقها الوكيل بعد ردة أحدهما ما دامت في العدة إلا إذا قضى بلحاقه فحينئذ تبطل الوكالة وارتداد الوكيل لا يبطلها إلا بالقضاء بلحاقة ومنها لو قال له إذا تزوجت فلانة فطلقها صح لصحة تعليق الوكالة ومنها لو وكله بالطلاق فطلق قبل العلم لم يقع ومنها لو وكله فرد ثم طلق لم يقع .

                                                                                        ولو سكت بلا قبول ثم طلق وقع ومنها لو شرط الخيار للموكل أو غيره في الوكالة صحت وبطل الشرط ولا فرق بين وكالة ووكالة ومنها لو وكله بطلاق امرأته وله أربع فطلق الوكيل واحدة بغير عينها أو قال طلقت امرأتك فالبيان إلى الزوج ، ولو طلق الوكيل معينة جاز ولا يقبل من الزوج أنه ما أرادها كما لو وكله ببيع عبد من عبيده فباع عبدا بعينه ومنها لو قال له طلقها غدا فقال الوكيل أنت طالق غدا كان باطلا ، ولو قال طلقها فقال الوكيل أنت طالق إن دخلت الدار فدخلت لم يقع ، وإن قال طلقها ثلاثا للسنة فقال الوكيل في طهر لم يجامعها فيه أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة ويبطل الباقي وقيل على قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن لا يقع شيء لأنه مأمور بإيقاع الواحدة في كل طهر وعنده المأمور بالواحدة إذا أوقع الثلاث لا يقع شيء ، والأصح أنه يقع هنا واحدة بلا خلاف لأن عند أبي حنيفة تعتبر الموافقة من حيث اللفظ فإن الرجل إذا قال لغيره طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ألفا لا يصح وكذا لو قال لغيره : طلق امرأتي نصف تطليقة فطلقها الوكيل تطليقة لا يقع شيء وهنا وجدت الموافقة من حيث اللفظ فيقع واحدة ، ولو قال طلقها ثلاثا للسنة بألف فقال لها الوكيل في وقت السنة أنت طالق ثلاثا بألف فقبلت يقع واحدة بثلث الألف فإن طلقها الوكيل في الطهر الثاني تطليقة بثلث الألف فقبلت يقع أخرى بغير شيء وكذا لو طلقها الثالثة في الطهر الثالث ، ولو طلقها الوكيل أولا تطليقة بثلث الألف ثم تزوجها الزوج ثم طلقها الوكيل تطليقة ثانية بثلث الألف تقع الثانية بثلث الألف وكذا الثالثة على هذا الوجه .

                                                                                        ومنها لو وكله بطلاق المبانة بألف فطلقها الوكيل بألف في العدة فإن كان بعد ما تزوجها الموكل طلقت بالألف وإلا طلقت بغير شيء بخلاف ما لو وكله في طلاقها بالألف ثم طلقها الزوج بألف ثم طلقها الوكيل بألف فإنه لا يقع شيء ومنها الوكيل بالإعتاق إذا أقر أنه أعتقه أمس وكذبه الموكل لا يقبل قول الوكيل لأنه أقر بالإعتاق بعد خروجه عن الوكالة وكذا الوكيل بالطلاق ومنها لو وكل الوكيل بالطلاق أو العتاق غيره فطلق الثاني بحضرة الأول أو غيبته لا يجوز وكذا لو طلقها أجنبي فأجاز الوكيل ففي الخلع ، والنكاح إذا فعل الثاني بحضرة الأول أو أجاز الوكيل فعل الأجنبي جاز ا هـ .

                                                                                        وقد ظهر من كلامهم أن التوكيل بالطلاق فيه معنى التعليق من وجه حتى اعتبروا فيه الموافقة من حيث اللفظ ، وإن لم يوافق من حيث المعنى كما نقلناه آنفا ولم يجوزوا إجازة الوكيل ولا فعل وكيله بحضرته نظرا إلى أن الطلاق معلق بقوله فلا يقع بقول غيره [ ص: 361 ] ولم يعتبروا معنى التعليق فيه من جهة أنهم جوزوا الرجوع عنه ولذا قال في عمدة الفتاوى لو قال الموكل كلما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فله أن يخرجه من الوكالة بمحضر منه ما خلا الطلاق ، والعتاق لأنهما مما يتعلقان بالشرط ، والإخطار بمنزلة اليمين ولا رجوع عن اليمين ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة المختار أنه يملك عزله بحضرته إلا في الطلاق ، والعتاق ، والتوكيل بسؤال الخصم ا هـ .

                                                                                        فقد علمت أنهم اعتبروا فيه معنى التعليق من هذا الوجه أيضا .

                                                                                        وحاصل القول المختار أن للموكل أن يعزل وكيل الطلاق ، والعتاق إلا أن يقول : كلما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فإنه يصير لازما لا يقبل الرجوع ، وفي البزازية من كتاب الوكالة التوكيل بالطلاق تعليق الطلاق بلفظ الوكيل ولذا يقع منه حال سكره ومنها التوكيل باليمين بالطلاق جائز بدليل أن من قال لامرأة الغير إن دخلت الدار فأنت طالق فأجاز الزوج جاز الوكيل بالطلاق إذا خالع على مال إن كانت مدخولة فخلاف إلى شر ، وإن غير مدخول فإلى خير وعليه أكثر المشايخ واختار الصفار وقال ظهير الدين : لا يصح في غير المدخولة أيضا لأنه خلاف فيهما إلى شر ا هـ .

                                                                                        ولعل الشر في غير المدخول ارتكاب الحرمة بأخذ المال إن كان النشوز منه وإلا فالطلاق قبل الدخول بائن ولو بلا عوض فأخذ المال خير للموكل كما لا يخفى إلا أن يقال الشر فيه أنه وكله بالتنجيز ، وقد أتى بالتعليق لأنه معلق بقبولها ، وفي الخانية من الوكالة : وكله أن يخلع امرأته فخلعها على درهم جاز في قول أبي حنيفة ولا يجوز في قولهما إلا فيما يتغابن الناس فيه ولو وكل الرجل امرأته أن تخلع نفسها منه بمال أو عوض لا يجوز إلا أن يرضى الزوج به . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية