الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو استثنى منها أرطالا معلومة صح ) أي البيع والاستثناء ; لأن ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه منه وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه بخلاف استثناء الحمل من الجارية الحامل أو الشاة وأطراف الحيوان ، فإنه غير جائز كما إذا باع هذه الشاة إلا أليتها أو هذا العبد إلا يده ، وهذا هو المفهوم من ظاهر الرواية .

                                                                                        وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز وهو أقيس بمذهب الإمام في [ ص: 328 ] مسألة بيع صبرة طعام كل قفيز بدرهم ، فإنه أفسد البيع بجهالة قدر المبيع وقت العقد وهو لازم في استثناء أرطال معلومة مما على الأشجار ، وإن لم تفض إلى المنازعة فالحاصل أن كل جهالة تفضي إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن ما لا يفضي إليها يصح معها بل لا بد مع عدم الإفضاء إليها في الصحة من كون المبيع على حدود الشرع ألا ترى أن المتبايعين قد يتراضيا على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول كقدوم الحاج ونحوه ولا يعتبر ذلك مصححا .

                                                                                        كذا في فتح القدير وفي المعراج وقيل رواية الحسن والطحاوي محمولة على ما إذا لم يكن الثمر منتفعا به ; لأنه ربما يصيبه آفة وليس فيه إلا قدر المستثنى فيتطرق فيه الضرر ا هـ .

                                                                                        ومحل الاختلاف ما إذا استثنى معينا ، فإن استثنى جزءا كربع وثلث ، فإنه صحيح اتفاقا ، كذا في البدائع ، ولذا قال في الكتاب أرطالا معلومة وقيد بقوله منها أي من الثمرة على رءوس النخيل ; لأنه لو كان مجذوذا واستثنى منه أرطالا جاز اتفاقا وقيد بالأرطال ; لأنه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا ; لأنه استثناء القليل من الكثير بخلاف الأرطال لجواز أنه لا يكون إلا ذلك القدر فيكون استثناء الكل من الكل ، كذا في البناية وسيأتي في البيع الفاسد الإيراد على القاعدة المذكورة في استثناء الحمل وهو أن الإيصاء بالخدمة منفردة جائز واستثناؤها لا ، وكذلك الغلة .

                                                                                        ونذكر جوابه وهي قاعدة مطردة منعكسة كما في البناية ، ولو باع صبرة بمائة إلا عشرها فله تسعة أعشارها بجميع الثمن ، ولو قال على أن عشرها لي فله تسعة أعشارها بتسعة أعشار الثمن خلافا لما روي عن محمد أنه بجميع الثمن فيها وعن أبي يوسف لو قال أبيعك هذه المائة شاة بمائة على أن هذه لي أو ولي هذه فسد ، ولو قال إلا هذه كان ما بقي بمائة ، ولو قال ولي نصفها كان النصف بخمسين ، ولو قال بعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة عن محمد جاز في كله بألف وخمسمائة ; لأن المعنى باع نصفه بألف ; لأنه الباقي بعد الاستثناء فالنصف المستثنى عين بيعه بخمسمائة ، ولو قال على أن لي نصفه بثلاثمائة أو مائة دينار فسد لإدخال صفقة في صفقة ، كذا في فتح القدير من البيع الفاسد وسيأتي تمامه في البيع الفاسد إن شاء الله تعالى قيدنا باستثناء بعض الثمار أو الصبرة ; لأنه لو استثنى شاة من قطيع بغير عينها أو ثوبا من عدل بغير عينه لا يجوز ، ولو استثنى واحدا بعينه جاز . كذا في الخانية

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وهو أقيس بمذهب الإمام إلخ ) قال في النهر يمكن أن يجاب بما قدمناه من أن الفساد عنده في بيع الصبرة بناء على جهالة الثمن إذ المبيع معلوم بالإشارة وفيها لا يحتاج إلى معرفة القدر والثمن فيما نحن فيه معلوم [ ص: 328 ] ( قوله ومحل الاختلاف ما إذا استثنى معينا إلخ ) وجه كون الأرطال المعلومة معينة أن المراد بالرطل ما يكون قدره في الوزن من الثمرة لا القطعة التي هي آلة الوزن وما يوضع في الميزان ويقدر بالرطل شيء معين ليس جزاء شائعا في جميع الثمرة بخلاف الربع والثلث مثلا كما يعلم مما مر في قوله ويفسد بيع عشرة أذرع من دار لا أسهم ( قوله ; لأنه استثناء القليل من الكثير ) مفاده أنه لو علم أن الثمرة تبلغ قدرا كثيرا زائدا على ثلاثة أرطال أو عشرة مثلا بحيث يكون الباقي أكثر من المستثنى أنه يصح تأمل وفي الفتح ما يدل على أنه لا يصح . ( قوله على القاعدة المذكورة ) أي قوله ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه منه .




                                                                                        الخدمات العلمية