الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والآبق ) أي لم يجز بيع الآبق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 86 ] عنه ، ولأنه لا يقدر على تسليمه ، ولو باعه ثم عاد من الإباق لا يتم ذلك العقد لأنه وقع باطلا لانعدام المحلية كبيع الطير في الهواء ، وعن أبي حنيفة أنه يتم العقد إذا لم يفسخ لأن العقد انعقد لقيام المالية ، والمانع قد ارتفع ، وهو العجز عن التسليم كما إذا أبق بعد البيع ، وهكذا يروى عن محمد كذا في الهداية ، والأول ظاهر الرواية ، وبه كان يفتي أبو عبد الله البلخي كما في الذخيرة ، وأولوا تلك الرواية بأن المراد بها انعقاد البيع بالتعاطي الآن أطلقه فشمل ما إذا باعه لابنه الصغير فإنه لا يجوز ، وكذا اليتيم في حجره بخلاف ما إذا وهبه له فإنه يجوز ، والفرق أن شرط البيع القدرة على التسليم عقب البيع ، وهو منتف ، وما بقي له من اليد يصلح لقبض الهبة لا لقبض البيع لأنه قبض بإزاء مال مقبوض من مال الابن ، وهذا قبض ليس بإزائه مال يخرج من مال الولد فكفت تلك اليد له نظرا للصغير لأنه لو عاد عاد إلى ملك الصغير هكذا في فتح القدير والتبيين ، وفي فتاوى قاضي خان من الهبة خلافه قال : ولو وهب عبده الآبق لولده الصغير لا يجوز ، وإن باعه جاز ا هـ .

                                                                                        فقد عكس الحكم على ما نقله الشارحون ، ولم أر أحدا منهم نبه على هذا ، والحق ما ذكره القاضي لما في المعراج ، ولو باع الآبق من ابنه الصغير لا يجوز ، ولو وهبه له أو ليتيم في حجره يجوز لأن ما بقي له من اليد في الآبق يصلح لقبض الهبة دون البيع ا هـ .

                                                                                        وأما صاحب الذخيرة فذكر في البيوع أن الأب لو باع العبد المرسل في حاجته لابنه الصغير جاز ، ولم يذكره في الآبق ، وذكر في كتاب الهبة لو وهب عبدا له آبقا من ابنه الصغير فما دام مترددا في دار الإسلام تجوز الهبة ، ويصير الأب قابضا لابنه بنفس الهبة ذكر هذه المسألة في الجامع ، وفي المنتقى عن أبي يوسف لو تصدق بعبد آبق له على ابنه الصغير لا يجوز ، وروى المعلى عنه أنه يجوز فحصل عن أبي يوسف في المسألة روايتان . ا هـ . وشمل كلامه أيضا ما إذا باعه بعدما أبق من يد الغاصب مع أنه جائز منه لما في الذخيرة ، وإذا أبق العبد المغصوب من يد الغاصب ثم إن المالك باع العبد من الغاصب ، وهو آبق بعد فالبيع جائز ، والأصل أن الإباق إنما يمنع جواز البيع إذا كان التسليم محتاجا إليه بأن أبق من يد المالك ثم باعه المالك فأما إذا لم يكن التسليم محتاجا إليه كما في مسألتنا يجوز البيع . ا هـ .

                                                                                        وقيد بالآبق لأن العبد المرسل في حاجة المولى يجوز بيعه ، ولو باعه ، وليس بآبق ثم أبق قبل القبض فإن المشتري بالخيار في فسخ ذلك العقد ، ولا يكون للبائع أن يطالب المشتري بالثمن ما لم يحضر العبد ا هـ .

                                                                                        وجعل الراد على البائع كما في القنية ، وخرج أيضا بيع المغصوب فقد ذكر محمد في الأصل أنه موقوف إن أقر به الغاصب تم البيع ، ولزم ، وإن جحده ، وكان للمغصوب منه بينة عادلة فكذلك الجواب ، وإن لم يكن له بينة ، ولم يسلمه حتى هلك انتقض البيع ، وبعض مشايخنا قالوا قول محمد في الكتاب ، وإن لم يكن للمغصوب منه بينة ، ولم يسلمه حتى هلك انتقض البيع بظاهره غير صحيح ، وينبغي أن لا ينتقض البيع لأن البيع ، وإن فات فقد أخلف بدلا ، والمبيع إذا فات ، وأخلف بدلا لا ينتقض البيع إلا أن يختار المشتري التنقض فكان تأويل قول محمد انتقض البيع إذا اختار المشتري ، وبعضهم قالوا إنه بظاهره صحيح ، وينتقض البيع من غير اختيار المشتري إلى آخر ما في الذخيرة ، وقيد ببيعه لأن هبته جائزة كما قدمناه عن المعراج ، وأما إعتاقه فجائز لكن إن أعتقه عن كفارة عليه فإنه لا يجوز حتى تعلم حياته كما في المعراج ، ويصح جعله بدل خلع كما قدمناه في بابه عند قوله ولو اختلعت على عبد أبق لها على أنها بريئة من ضمانه لم تبرأ ، وأما جعله بدل صلح .

                                                                                        ( قوله إلا أن يبيعه ممن يزعم أنه عنده ) فيجوز البيع لأن المنهي عنه بيع آبق مطلق ، وهو أن يكون آبقا في حقهما ، وهذا غير آبق في حق المشتري ، ولأنه إذا كان عند المشتري انتفى العجز عن التسليم ، وهو المانع ، ولم يذكر المصنف [ ص: 87 ] أنه يكتفي بقبضه عن قبض المبيع للتفصيل قالوا إن كان أشهد وقت أخذه أنه أخذه ليرده على مالكه كان أمانة في يده فلا ينوب عن قبض البيع فلو هلك قبل أن يصل إلى سيده لم يضمنه فينفسخ البيع ، ويرجع على سيده بالثمن ، ولو كان لم يشهد صار قابضا لأنه قبض غصب هكذا اقتصر الشارحون هنا ، وذكره في الذخيرة إذا اشترى ما هو أمانة في يده من وديعة أو عارية فإنه لا يكون قابضا إلا إذا ذهب المودع أو المستعير إلى العين ، وانتهى إلى مكان يتمكن من قبضه الآن يصير المشتري قابضا بالتخلية فإذا هلك بعد ذلك يهلك من مال المشتري فإن فعل المشتري في فصل الوديعة ، والعارية ما يكون قبضا ثم أراد البائع أن يحبسها بالثمن لم يكن له ذلك لأنه لما باعه منه مع علمه أن المبيع في يد المشتري ، وهو يتمكن من القبض يصير راضيا بقبض المشتري دلالة . ا هـ .

                                                                                        وقيد ببيعه ممن يزعم أنه عنده لأنه لو باعه من رجل يزعم أنه عند آخر فإنه لا يصح ، ولكنه فاسد إذا قبضه المشتري ملكه بخلاف بيع الآبق فإنه باطل فلذا كتبنا في الفوائد الفقهية أن بيع الآبق يكون باطلا وفاسدا ، وصحيحا .

                                                                                        [ ص: 86 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 86 ] ( قوله وأولوا تلك الرواية إلخ ) هذا أيضا ينافي ما قدمه أول كتاب البيوع من التعاطي لا ينعقد بعد بيع باطل أو فاسد ما لم يفسخ العقد الأول ( قوله وفي فتاوى قاضي خان من الهبة خلافه ) قال في النهر ، ووقع في الخانية في بعض النسخ عكس هذا الحكم ، وفي بعضها كما ذكرنا ، وهي المعول عليها ، وكأن الأولى تحريفا ، ولم يطلع صاحب البحر على الثانية فجزم بالأولى . ا هـ .

                                                                                        وانظر ما وجه جزمه بالأول ، وأظن أنه سبق قلم بدليل استشهاده بعبارة المعراج ( قوله والحق ما ذكره القاضي ) أي قاضي خان ، والظاهر أن في العبارة سقطا من الكاتب والأصل ، والحق خلاف ما ذكره القاضي لأن ما نقله عن المعراج مخالف لما ذكره القاضي




                                                                                        الخدمات العلمية